رأى

عفواً.. الإرشاد الزراعي ليس خارج نطاق الخدمة

أ.د. هبه عصام

بقلم: أ.د/هبة عصام الدين سلامة

معهد بحوث الإرشاد الزراعي والتنمية الريفية – مركز البحوث الزراعية

يقول رون كاوفمان في كتابه Up your service إن ثقافة شركتك مثل الماء .. فمن الممكن أن يكون الماء عذباً جارياً ينعش فريقك ويحمل الناس إلي الأمام ومن الممكن أن يكون آسن أو عطناً ويسمم كل من يشربه، ومن الممكن أن يكون الماء غنياً وخصباً ويساعد علي نماء وتحفيز الأفكار الجديدة أو من الممكن أن يكون مراً ويحطم كل علامات التغيير.

ويشير مفهوم كلمة الإرشاد في الدول المختلفة وعلي اختلاف لغاتها إلي معاني إيجابية ومحفزة منها تعليم وتدريب الأفراد على حل مشكلاتهم، ونقل الحداثة من الحضر إلى الريف، وتنمية المهارات البشرية، وفي كلمات وجيزة فإن الإرشاد الزراعي هو مجال تستخدم فيه طرق الإقناع لتعريف المزارعين بممارسات الإنتاج الموصي بها ومساعدتهم علي اتخاذ قرارات رشيدة بهدف زيادة الإنتاجية ومن ثم الحفاظ على الأمن الغذائي لكل من سكان الريف والحضر في الدولة.

وفي كثير من دول العالم – بعضها ذات الظروف المشابه للظروف المصرية – يوجه مجال الإرشاد الزراعي السياسة الزراعية بها ولكنه في مصر مازال يحاول أن يجد لنفسه موقعاً صحيحاً، وفي هذا السياق فقد تناول الأستاذ الدكتور عماد نجم مدير معهد بحوث الإرشاد الزراعي والتنمية الريفية بـمركز البحوث الزراعية في حواره المنشور في 29 يوليه 2020 بموقع جريدة نبض العالم https://nabdel3alam.com دور معهد الإرشاد الزراعي وأهم قضايا ومشكلات العمل الإرشادي في مصر، ورؤيته للتعامل مع هذه المشكلات.

وبصفته أحد القيادات المسئولة عن مجال الإرشاد الزراعي ويقع علي كاهله مسئولية كبيرة في هذا الشأن، فعلينا جميعاً نحن الشركاء في هذه المنظومة أن نتشارك بالرأي والعمل، ونحدد أدوارنا، ونقيم أعمالنا، ونصلح من أخطائنا ونعزز نجاحاتنا … وذلك من خلال مناقشة بعض النقاط التي وردت بالحوار عن دور وآلية العمل بمعهد الإرشاد الزراعي والتنمية الريفية وهو المعهد المنوط به تطوير برامج الإرشاد الزراعي، والبناء التنظيمي للهيكل الإرشادي، إعداد الخبراء المتخصصين، وإمداد المسئولين بالتقارير التي تدعم اتخاذ قرارات رشيدة.

بدأ الأستاذ الدكتور عماد نجم حديثه عن المعهد وأنشطته وأهم مشكلاته (معهد الإرشاد رغم قلة أعداد باحثيه إلا أن له دور هام يقوم به على أكمل وجه … من أكبر المشاكل هو قلة أعداد الباحثين التي قد تكون عائق عند التعاون مع المعاهد الأخرى لأنه لابد من تواجدهم فيها ليس كأشخاص ولكن كتعاون واتصال بينا … يقوم المعهد بالتعاون مع الجهات المختلفة مثل الفاو وغيرها وقد سعينا لذلك لكي نحاول أن يكون لمعهدنا تأثير داخل المركز …)، وفي موضع لاحق في كلمة وجهها لأساتذة وزملاء المعهد) … وكان هناك حشد من الباحثين والزملاء يطالبوا بالعمل ولا أدرى ما منعهم).

وبداية فإن المجال البحثي يعد من أبرز المجالات التي يتجسد فيه أهمية العمل الجماعي، ودور كل باحث، وبصرف النظر إن كانت أعداد الباحثين قليلة أم هناك حشد منهم فهل يمكن أن يساعد التغيير أو التطوير في طريقة تنسيق وتوزيع المهام والأدوار بين الباحثين بما يتناسب مع درجاتهم الوظيفية المختلفة علي أن يكون لدي الباحثين فرصة لا تجعل التعاون مع المعاهد الأخري أن تكون أحد المهام المؤجلة؟ خاصة أنه فسر في سؤال لاحق عن أسباب التهميش المستمر لدور معهد بحوث الإرشاد الزراعي بين المعاهد الأخرى بأن (وجود وكيل الإرشاد في كل معهد من المعاهد أصبح يؤدى إلى الخلط بين العملية الإرشادية … وكل باحث أصبح يهيئ له أنه يستطيع أن يقوم بالدور الإرشادي … ولا يجوز أن يكون هناك باحثين في المعهد وفى نفس الوقت يقوموا بأنفسهم بمهاجمة المعهد … وقد تحدثت مع وكلاء الإرشاد لنضع هيكل يسمى وحدة حلول البحوث للمشكلات الزراعية … ولكن المشكلة أن كل معهد لا يستجيب … وبالطبع يهاجم الفكرة).

ولأن أحد مرتكزات الإرشاد الزراعي أن يتم تحديد مشكلات وأولويات الفئات المستهدفة بكل دقة ووضوح وموضوعية، فمن الأحري أن نقوم نحن بذلك لتحديد أسباب هذا التهميش وإذا كان السبب يرجع إلي قلة أو كثرة أعداد الباحثين أو لوجود وكيل للإرشاد بكل معهد أو لمهاجمة باحثي معهد الإرشاد للمعهد ذاته فقد يمكن النظر إلي هذه المشكلة كفرصة تسمح بالتعاون المؤسسي لتنسيق وتكامل المهام بين التخصصات الزراعية المختلفة، والسعي وراء تعزيز ما اقترحه سيادته بإنشاء هيكل وحدة حلول البحوث للمشكلات الزراعية بما ينال رضا جميع الأطراف، أما هجوم الباحثين أنفسهم علي المعهد فهو لا يفسر أسباب تهميش المعهد بقدر ما يفسر أن هناك مشكلة في طريقة التعامل مع مشكلاتهم، وبالفعل الهجوم على الكيان خطأ كبير ولا يجب أن يقوم المسئول بالفعل ذاته.

وفي نفس السياق أشار سيادته إلي أمر هام نسعد بأن أحد المسئولين في المجال يأخذه بعين الاعتبار فأفاد بـ.. (نحن لدينا اصطاف من الباحثين على كفاءة عالية جداً …  ولكن الغالبية أساتذة وأساتذة متفرغين وهذا ليس عيب بل ميزة لتوافر الخبرات المتوارثة والاستفادة منها وتوجيه اصطاف العمل. لابد أن يكون لـمعهد الإرشاد قضية جوهرية يناقشها ودراسة كاملة يقدمها للدكتور محمد سليمان أو معالي الوزير)، وأعتقد أن سيادته يقصد بتوافر الخبرات المتوارثة (المعرفة الضمنية) وهي ذلك النوع من المعرفة التي يحملها الناس في رؤوسهم وتعتبر أكثر قيمة للمنظمة بما توفره من سياق للأشخاص والأماكن والأفكار والخبرات والاستفادة منها، ومما لاشك فيه أن المعرفة الكبيرة لدي السادة الأساتذة الأفاضل هي جوهر وأساس وجود وتميز الطاقة البحثية بالمعهد، والجميع علي استعداد علي العمل لاستثمار المعرفة المتوفرة لدي الأساتذة والمتميزين وتوظيفها لتنمية معارف ومهارات الباحثين ومن ثم الوصول إلي دراسات متكاملة وقيمة تصل ليد المسئولين وصناع ومتخذي القرار.. ولكن لماذا لم تظهر القضية الجوهرية للمعهد حتي الآن؟

ولما لا نتوجه للبحث عن التجارب الناجحة والاسترشاد بها، وعلي مر السنوات السابقة شارك العديد من الباحثات والباحثين بالدورات التدريبية المتنوعة المجالات بالخارج وقد يكون الاستفادة من هذه الخبرات بداية الطريق نحو وضع خطة عمل محددة وواضحة.

وفي سؤال عن وجود الإرشاد الزراعي في مصر بالمفهوم الأكاديمي والجانب التطبيقي، وهل يختلف فى مصر عن الدول العربية والأجنبية؟ أكد فيما يخص الجانب التطبيقي (… يوجد توصيات ودورات تدريبية على مستوى عالي من الكفاءة في كثير من المجالات التي تتلاءم مع المشكلات المعاصرة مثل التغيرات المناخية والتسويق ونقص المياه وتلوث البيئة والاستفادة من المخلفات الزراعية والتصدير والتصدي للآفات والأمراض المستجدة ومشاكل الأسرة والنهوض بـالمرأة الريفية … والإرشاد لا يختلف من دولة لأخرى فالتعريف والمفهوم واحد).

وعند سؤاله عن مستقبل الإرشاد الزراعي فى ظل التحولات التي طرأت على القطاع الريفي أفاد بأن (… فمثلا مشكلة نقص المياه فقد قام مركز البحوث الزراعية بجهد كبير في استنباط أصناف قليلة الاستهلاك للماء سواء من الأرز أو القصب بكفاءة عالية ولكن المشكلة هنا أن المزارعين لم يقوموا بزراعة هذه الأصناف وهنا يرجع الأمر إلى الدور الإرشادي وكيفية تبنى هذه التكنولوجيا … واستطعنا أيضا بفضل التوصيات الإرشادية أن ننجح في تصدير الموالح بناء على اتباعنا لهذه التوصيات بكل دقة وبشكل متكامل …).

وما أشار إليه سيادته أمراً في غاية الأهمية يتطلب منا جميعاً التأمل والتفكير والبحث بالدراسة فإذا كان الجانب التطبيقي يتسم بالقوة ومثال ذلك توافر توصيات ودورات تدريبية على مستوى عالي من الكفاءة مثل قضية نقص المياه وأن عدم تنفيذ الدور الإرشادي بطريقة صحيحة وكيفية تبنى هذه التكنولوجيا وراء عدم قيام الزراع بزراعة أصناف قليلة الاستهلاك للماء من الأرز أو القصب إذن كيف ولماذا نجح الدور الإرشادي في مجال الموالح وفشل في مجال ندرة المياه؟ ولمن نتوجه بهذا السؤال أو حتي بااللوم؟

وفي التفسير الذي قدمه الأستاذ الدكتور عماد نجم عن أسباب معاناة الأسر الريفية من نقص المعلومات في كثير من جوانب حياتها رغم تعدد مجالات الإرشاد الزراعي ذكر أن (يمكن لأي مزارع أن يسمع معلومة زراعية وهو لا يعي أن مصدرها جهاز الإرشاد الزراعي …  فمثلا المعهد كان بصدد مشروع مع الإيفاد لتنفيذ 30 مدرسة حقلية … يعقد هذا في حضور 20 مزارع من مزارعي الطماطم مثلا وبحضور خبير الطماطم وخبير الإرشاد … وهنا يلغى الحاجز الزمني بين الباحث والمفهوم الإرشادي …).

ويقودني ما سبق إلي التطرق إلي الإرشاد الزراعي المعاصر وما يتضمنه من تقديم الخدمة الإرشادية المقدمة بناءًا علي طلب المزارع والتي تختلف طرق تقديمها باختلاف طبيعة المعلومات والنصائح المطلوبة أو الظروف المحيطة بها، وهو الإرشاد طبقاً لمفهوم الخدمات الاستشارية Advisory Services وفيه يقوم العاملين في مجال الإرشاد العام وشركات القطاع الخاص بالرد على استفسارات المزارعين المحددة حول مشكلات إنتاج معينة وينصحوهم باستخدام ممارسة أو تقنية محددة لحل مشكلة محددة أو قيد الإنتاج موثقة من المراكز العلمية المتخصصة.

ولا يعني ذلك أن فلسفة العمل الإرشادي أو مبادئه تتغير ولكن مفاهيمه تتغير وتتطور باستمرار وأصبح يطلق علي المرشد الزراعي (استشاري – (Advisory بمعنى أن دوره هو تقديم الاقتراحات الأكثر ملائمة وبالاستعانة بالمتخصصين للأفراد لمساعدتهم علي الوصول إلى أهدافهم مع ترك مسؤولية اتخاذ القرار بشأن المسار الذي يتبعونه لهم.

ووفقاً لتوجيهات السيد وزير الزراعة تندرج مبادرة مستشارك الزراعي علي قناة مصر الزراعية كإحدي جهود قطاع الإرشاد الزراعي الملموسة تحت هذا المفهوم، ففي ظل الظروف المتغيرة أو الطارئة مثل الأزمة الحالية لوباء كورونا ساعد تطبيق الخدمة الاستشارية في تجاوزها بأقل الخسائر الممكنة، حيث يقوم المتخصصين بالرد علي استفسارات المزارعين وتقديم الإرشادات الفنية الموصي بها، ويتم متابعة المسئولين علي مستوي محافظات الجمهورية لما يرد من استفسارات من المزارعين ودقة المعلومات المقدمة، وأكد معالي وزير الزراعة علي أنها بداية حقيقية لتفعيل دور الإرشاد الزراعي وستكون محل دعم الوزارة.

وفي سؤال عن رأيه في المدارس الحقلية للمزارعين كطريقة إرشادية تعلم المزارعين بالمحاكاة وما درجة تفضيلها بالنسبة للظروف المصرية الريفية أجاب سيادته (هي نموذج من النماذج الناجحة … وفوجئ الإيفاد والجهات التمويلية الأخرى بوجود مدير معهد الإرشاد الزراعي وممثلين من معهد الإرشاد مع المزارعين فطلبوا بشكل سريع لماذا لا يتم تنفيذ هذا المنهج على مستوى أكثر من ١٢٠ مدرسة، وأصبح من المناهج المناسبة جدا لأنه يلغى عنصر الزمن لوجود الخبير الفني الخاص بالمحصول مع الخبير الإرشادي في نفس الوقت، أي يقضى على الفجوة الزمنية بين وجود المنتج وتطبيقه).

وفي محاولة مختصرة لتوضيح منهج المدرسة الحقلية للمزارعين Farmer Field School (وليست طريقة إرشادية) فهي عبارة عن لقاء أسبوعي منتظم لمجموعة من المزارعين يتراوح عددهم بين 20-25 مزارع، وتعتمد علي منهج التعلم بالتجريب (وليس المحاكاة) وفيه تكون الأهداف محددة والأنشطة ومحتواها يتم تحديده من خلال عملية مستمرة تعتمد علي تدفق المعلومات من الزراع، وباستمرار هذه الأنشطة تتحقق الاستدامة في التنمية علي المدي الطويل.

ولكل مدرسة حقلية برنامج خاص بها وبصفة رئيسية يتضمن التوصيات الفنية للمعاملات الزراعية لأحد المحاصيل خلال موسم زراعي كامل، وهذا البرنامج يكون معد مسبقاً تحت إشراف المتخصص في موضوع المدرسة الحقلية، وفي بعض الأحيان تتم الاستعانة بخبير في موضوع ما إذا استدعي الأمر ذلك، لذا فهي تتميز باختصار الوقت المطلوب لإقناع المزارعين بتبني النتائج البحثية (ولا تقضى على الفجوة الزمنية بين وجود المنتج وتطبيقه أو تلغى عنصر الزمن أو تلغي الحاجز الزمني بين الباحث والمفهوم الإرشادي)، ولا يجب الخلط بينها وبين والندوة الإرشادية والتي تستدعي وجود متخصص في المادة الفنية التي يتم تقديمها وتتم خلال فترة زمنية وجيزة.

أما الإيفاد (الصندوق الدولي للتنمية الزراعية IFAD – International Fund for Agricultural Development) فهي منظمة دولية لها تاريخ طويل من العمل التنموي في مصر وقامت بتنفيذ العديد من المدارس الحقلية في بعض محافظات مصر، وجاء في تقرير البعثة الإشرافية للإيفاد في الفترة من 29 أكتوبر إلي 12 نوفمبر 2018 (علي سبيل المثال) ما يفيد بتقييم المدارس الحقلية المنفذة ضمن المشروع في 6 محافظات من محافظات الوجه القبلي عن المحاصيل والإنتاج الحيواني.

ويعد المرشد الزراعي أحد أعمدة مجال الإرشاد الزراعي وأدواره متعددة وأساسية لنجاح العمل الميداني، وتعتبر مشكلة نقص عدد المرشدين الزراعيين من المشكلات الملحة التي تحتل أهمية كبيرة لدي كافة المسئولين ويعملون علي إيجاد حلولاً لها عاجلة وفعالة.

وفي إجابة الأستاذ الدكتور عماد نجم عن الحلول التي يمكن بها التغلب على نقص عدد المرشدين الزراعيين أفاد بأنه (… يمكن استخدام الشباب الريفي الذي لديه وعي بـالتكنولوجيا من خلال الموبايل في نقل المعلومة … نحن نأخذ من ليس له مهام وننقله للقيام بمهمة داخل الوزارة فيعمل ويكتسب نظير عمله، فالإرشاد ليس قليل الحوافز بل على العكس … لأنه يحتاج إلى جهد وتواصل مع المزارع ويمكن لبند الحافز أن يشجع الأفراد على الالتحاق بـالإرشاد الزراعي).

ويستوجب الأمر عند اختيار وتقييم المرشد الزراعي أن يتم ذلك وفقاً لمعايير موضوعية فيجب أن يوصف بالكفاءة من خلال توفر 3 عناصر هي السلوكيات (السمات الشخصية) وهي لا يمكن تغييرها ولكن يمكن استغلال السمات الجيدة والتحكم بالسمات السيئة، والمعرفة (المعرفة النظرية والعملية)، وأخيراً المهارات (ما الذي يستطيع عمله)، ويركز العمل الإرشادي علي مفردات الاتصال الإقناعي فـالمرشد الزراعي شخص لا يجب أن يكون مدخل إقناعه بالعمل في مجال الإرشاد الزراعي هو أن يتم استخدامه لتحقيق غرض ما أو نظير تحقيق مكاسب مادية فقط، فـالمرشد الزراعي يتولي مسئولية عدة مهام وأكثرها صعوبة هي إقناع المزارعين بتعديل أو تغيير سلوكهم ولا يمكن لشخص أن يكون قادراً علي ذلك إلا إذا مهتماً وشغوفاً بالعمل الإرشادي والتنموي.

وفي سؤال عن أول عمل يقوم به إذا تولي منصب وزير الزراعة فقد أشار إلي تحليل الوضع الراهن للوزارة (أول شئ أقوم به هو تحليل الوضع الراهن وما هو موقف الوزارة كاملاً كما فعلت عندما توليت المعهد بأن قمت بتحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات التي تقابل المعهد وأخاطب نقاط القوى في الخبرات الكبيرة الموجودة لدى أساتذتنا، أما نقاط الضعف وهى عدم وجود اصطاف مساعد، أما الفرص في الجهات الدولية وتركيزها على الإرشاد وأهميته، أما التهديدات فهي ممثلة في وجود أفراد لا ترى للإرشاد الزراعي دور وتهمشه … فإلقاء التهم على الإدارة السابقة وأنها لم تفعل شىء خطأ شنيع، فمثلا نعمل تحليل وضع الوزارة ونرى القطاعات التي بها أعداد كبيرة من العاملين والإدارات التي بها نقص في إعداد العاملين، القطاعات التي يمكن نقلها، المهام التي يمكن دمجها ووضع السلطات الموجودة على مستوى الوزارة والتضارب بينهم) .

وبالتأكيد فإن تولي مسئولية وزارة بحجم وزارة الزراعة يتطلب إدارة رشيدة يتم من خلالها تحقيق نهضة زراعية مستدامة شاملة، وتوفير متطلبات نمو القطاع الزراعي، ودعم مؤسسات توليد ونقل المعرفة العلمية، وإدخال التكنولوجيات الزراعية الحديثة صفة خاصة لصغار الزراع، فضلاً عن وضع الخطط والاستراتيجيات الملائمة لمواجهة الأزمات سواء كانت تتعلق بالتغيرات الطبيعية أو الاقتصادية أو غيرها.

ومن دواعي الفخر للعاملين أن يبدأ المسئول مهام عمله بالتعرف علي البيئة الداخلية والخارجية للمنظمة فهي الخطوة الأولي التي تسمح له بتحديد من يفعل؟ وماذا؟ وكيف؟ ومتي؟ ولماذا؟ ويقصد سيادته بهذا الإجراء تحليل) SWOT التحليل البيئي رباعي الأبعاد) وهو إطار عمل أو أداة يمكن استخدامها لتحديد نقاط القوة Strengths ونقاط الضعف Weaknesses والفرص المتاحة Opportunities والتهديدات المحتملة Threats لأي منظمة أو مؤسسة ومن ثم اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن وضعها أو منتجاتها أو الخدمات التي تقدمها.

ولكي يتم تنفيذه بطريقة صحيحة وفعالة يجب ألا تقوم قيادة المنظمة أو الشركة بذلك بمفردها ولا يجوز تفويض آخرين للقيام بها، وإنما يجب أن يشارك أصحاب المصلحة Stakeholders وهم الذين يمثلون المجموعات المختلفة في المنظمة موضع التحليل ويجلس الجميع معا فيما يشبه اجتماعات العصف الذهني مما يضمن استعراض وجهات النظر المختلفة ومشاركتها بدقة وعمق لكل من الأجزاء الأربعة للتحليل، ومن الجدير بالإشارة إلي أن المتخصصين قد وضعوا بعض البنود التي يفضل الاسترشاد بها وتساعد علي كيفية تحديد الأجزاء الأربعة للتحليل.

ولكي تتحقق الفائدة من هذا الإجراء كنا نتمني ألا ينتفي أول شرط من شروط تنفيذ التحليل بطريقة علمية وهو مشاركة الأطراف ذات الصلة بـمعهد الإرشاد الزراعي – وهي متعددة – فكيف تم التحليل ومتي تم ومع من؟

وبالتأكيد لن أقترح بنود تحليل SWOT بمفردي ولكن وللمرة الثانية وكما أفاد الأستاذ الدكتور عماد نجم أؤكد علي أن المعرفة الثمينة المتوفرة لدي الأساتذة الأفاضل هي بالفعل إحدي نقاط القوة بالمعهد ولكن علينا أن نضع هذه المعرفة في صورة يمكن تجميعها، وتوثيقها، وحفظها حتي يمكن استرجاعها واستخدامها، والبحث عن طريقة للاستفادة منها في الوقت الذي نعاني فيه من عدم وجود مستفيدين منها (كما أشار سيادته بعدم وجود اصطاف مساعد).

أيضاً كما ذكر سيادته فإن المشروعات الأجنبية الممولة تعد من أهم الفرص المتاحة للتطوير لذا فيجب الإعلان عن النتائج التي أسفر عنها التعاون بين المعهد وهذه المنظمات ومنها منظمة دولية عريقة مثل الفاو وتعزيزها ومحاكاتها في بعض الأحيان، وفيما يتعلق بالتهديدات فلا شك أنه عبر سنوات طويلة لم ينل مجال الإرشاد الزراعي الاهتمام والدعم اللائقين به – ولكن الأمانة تقتضي أن نشير إلي أن ذلك يرجع لأسباب متعددة ولم يكن العاملين في هذا المجال بمنأي عنها، لذا يري بعض المتخصصين أن التعبير الأفضل للتهديدات هو التحديات Challenges ويطلق عليه تحليل SWOC حيث توحي التحديات إلي وجود فرصة للتغلب علي ما يهدد بفشل المنظمة إذا ما تم التعامل معه بشكل مناسب.

وأخيراً أختم حديثي مع القارئ الفاضل بأن لفظ الداء أو العلة يستخدم للدلالة على وجود حالة غير طبيعية بالجسم تتطلب من الطبيب تشخيصها وعلاجها، ولا يخفي علي أحد أن مجال الإرشاد الزراعي في مصر يحتاج إلي علاج، ولكن ما هو التشخيص الصحيح للداء حتي يمكن أن نصل إلي الوصفة الطبية الصحيحة؟ ولنتذكر الحكمة الصينية “ما نبحث عنه .. هو ما نكونه بالفعل”.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى