رئيس التحرير

عادل ورمضان ومُرقص.. ثلاثة قلوب تنبض بقلبٍ واحد اسمه مصر

بقلم: د.أسامة بدير

في أحد أحياء مصر القديمة، حيث تختلط روائح الياسمين بالبساطة، نشأ ثلاثة أصدقاء: عادل، ورمضان، ومُرقص. منذ الطفولة الأولى، وحتى تجاعيد الهمّ على الجبين، ظلّت صداقتهم تحكي حكاية مصر التي لا تتغير، مهما تعاقبت الأزمان واختلفت الأديان.

تشابهوا كثيراً في طباعهم، حتى ليكاد الغريب يحسبهم إخوة. درسوا في نفس المدرسة، جلسوا على نفس المقعد، وركضوا خلف نفس الكرة في شوارع الحارة الترابية. لم يسأل أحدهم الآخر عن دينه، فقد كان السؤال الوحيد الدائر بينهم: “هتلعب معانا النهاردة؟”.

كبر عادل، وأصبح محامياً يدافع عن الضعفاء، لا يسأل عن ديانة مُوكله، بل عن مظلمته. كان دائماً يقول: “العدل في مصر مش للي اسمه إيه… العدل للّي عنده حق.” حينما اتُّهم أحد جيرانه المسيحيين ظلماً في قضية نزاع عقاري، تولّى الدفاع عنه بنفسه، رغم أن القضية لا تخصه لا مادياً ولا اجتماعياً، بل تخص قلبه الذي لا يعرف التفرقة.

أما رمضان، فقد أصبح طبيباً يعمل في إحدى المستشفيات الحكومية، لا يفرق بين مريض وآخر، فالجميع عنده “حالة إنسانية” قبل أي شيء. في أحد الأيام، أُصيب مُرقص بوعكة صحية شديدة، وتصادف أن رمضان هو الطبيب المُناوب وقتها. لم يتركه للحظ أو للزملاء، بل تولّى رعايته بنفسه، وحرص على متابعته داخل المستشفى وخارجها. بل وكان يُحضر له الطعام في أيامه الأولى بعد الخروج من المستشفى، ويقول مازحاً: “أنا دلوقتي صايم… وبفطره!”

ضحك مُرقص، وبكى من الداخل. ليس فقط لأن صديقه الطبيب أنقذ حياته، بل لأن المحبة بينهما تجاوزت كل الاعتبارات، فأصبح كلٌّ منهما قطعة من الآخر، لا يفرقهما شيء.

مُرقص كان فناناً موهوباً، يرسم جدران المدارس والكنائس والمساجد بلوحات مُلونة. في أحد مشاريعه، رسم لوحة كبيرة على جدار مدرسة ابتدائية، يظهر فيها مسجد وكنيسة في حضن شجرة واحدة. عندما سُئل عن الفكرة، قال: “مصر هى الشجرة.. وكلنا أغصانها.”

أنا أرى أن جوهر هذه القصة ليس فقط في تفاصيلها الصغيرة، بل في رمزيتها الكبرى. هي مرآة لمجتمع كامل، حيث تمتزج الأديان والأفكار والطبائع، دون أن يفقد الإنسان إنسانيته أو وطنيته. يقيني أن هذا التعايش لم يكن مُصادفة، بل هو امتداد لتاريخ طويل من العيش المُشترك، تشهده كل زاوية في مصر، من صعيدها إلى دلتاها، من حواريها الشعبية إلى أروقة جامعاتها.

رغم اختلافاتهم الفكرية في السياسة أو نظرتهم لبعض القضايا الاجتماعية، ظل الرابط بينهم هو الحب… والوطن. كانت مناقشاتهم تنتهي دائماً بكوب شاي على المصطبة القديمة، وضحكة صافية تُذيب كل خلاف.

الشاهد أنني كلما تأملت هذه الصداقة، شعرت أني أتأمل في قلب مصر نفسه؛ قلب لا يعرف الكراهية، ولا يحمل الحقد، بل يضخ حباً في شرايين الجميع. وها أنا أكتب هذه الكلمات لا بصفتي كاتباً فقط، بل شاهداً على أن هذا الوطن لا يفرّق بين أبنائه، بل يجمعهم على مائدة واحدة، وعلى تراب واحد، وتحت سماء واحدة اسمها: مصر.

أنا أكتب هذه القصة، كشاهد عيان. كنت جارهم، وطفل الحارة الرابع، الذي تعلم من عادل معنى العدالة، ومن رمضان معنى الإخلاص، ومن مُرقص معنى الجمال. تعلمت أن مصر لا تُقاس بعدد مآذنها أو أجراسها، بل بقلبها الكبير الذي يتسع للجميع، مسلمين ومسيحيين، متدينين وعاديين، فقراء وأغنياء.

هذه ليست مجرد قصة عن ثلاثة أصدقاء. إنها حكاية وطن… وطن لا يُفرّق، بل يحتضن. وطنٌ اسمه مصر، وتاريخه حروف مكتوبة بالحب، والحكمة، والدمع الذي يسيل على الكتف الآخر، لا فرق فيه بين “عادل” أو “رمضان” أو “مُرقص”.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى