تقارير

صناعة الديوك الرومي في مصر.. كنز بروتيني واعد يحتاج إلى رؤية وطنية شاملة للنهوض والتصدير

إعداد: د.شكرية المراكشي

الخبير الدولي في الزراعات البديلة ورئيس مجلس إدارة شركة مصر تونس للتنمية الزراعية

د.شكرية المراكشي

تُعدّ صناعة الديوك الرومي (التركي) إحدى الصناعات الواعدة في قطاع الثروة الداجنة، لما تمتلكه من فرص كبيرة لتوفير بروتين حيواني عالي الجودة، وتنويع مصادر الدخل الزراعي، وخلق فرص عمل جديدة في الريف المصري.
ورغم أن مصر تمتلك مقومات بيئية ومناخية مناسبة لتربية الرومي، فإن هذه الصناعة ما زالت محدودة الإنتاج، وتعاني من مجموعة تحديات تحول دون تحولها إلى قطاع اقتصادي متكامل وقادر على التصدير.

ثانيًا: أبرز التحديات التي تواجه صناعة الديوك الرومي في مصر

  1. اعتماد كبير على مدخلات مستوردة (ذرة، صويا، أعلاف)، ما يجعل تكلفة الإنتاج حساسة لتقلبات الأسعار العالمية وسعر الصرف.

  2. أمراض ومخاطر وبائية (إنفلونزا الطيور، نيوكاسل وغيرها) تؤدي إلى خسائر كبيرة في القطيع وتقلّب في العرض. وتشير الدراسات المحلية إلى أن الإنفلونزا ونيوكاسل من أبرز مسببات الوفيات في القطيع الرومي بمصر.

  3. ضعف أو تفتت سلاسل القيمة: (التفريخ – التسمين – المعالجة – التبريد – التسويق) غير متكاملة لدى كثير من المنتجين الصغار، ما يضعف الكفاءة ويزيد الهدر.

  4. محدودية القدرات في التفريخ والجينات التجارية عالية الأداء داخل البلد (قلة منشآت تفريخ متطورة أو اعتماد على سلالات مستوردة)، ما يحدّ من معدلات الفقس والنمو.

  5. ضعف البنية التحتية للتصنيع والتبريد (مسلخ مطابق للمواصفات، سلسلة تبريد على مستوى وطني)، ما يقيّد التصدير ويخفض جودة المنتج المحلي.

  6. تقلبات الطلب والسوق (المواطن قد يفضّل الدجاج لغلاء الرومي أو لعدم توافر منتجات رومية مصنعة ومروّجة جيدًا).

  7. قلة التدريب والحوكمة البيطرية على مستوى المزارع الصغيرة، ونقص الامتثال لممارسات الأمن الحيوي.

ثالثًا: المقترحات والحلول العملية

أ- على المدى القصير (6–12 شهرًا)

  • إطلاق برنامج وطني للأمن الحيوي يشمل تدريب المربين وتطبيق معايير موحدة للفحص الدوري والتطعيم.

  • توفير حوافز لتخفيض تكلفة الأعلاف عبر دعم زراعة الذرة المحلية وتسهيل استيراد المكونات عبر منافذ مخصصة.

  • تشجيع إقامة وحدات تفريخ صغيرة ومتوسطة بشراكات بين القطاعين العام والخاص.

ب- على المدى المتوسط (1–3 سنوات)

  • إنشاء مجمّعات إنتاج متكاملة تضم مراحل التفريخ، التسمين، المسالخ، التبريد، والتعبئة بنظام الإدارة الواحدة.

  • تطوير برامج تدريب فنية ومهنية بالشراكة مع مراكز البحوث الزراعية والجامعات لرفع كفاءة المربين في التغذية وإدارة القطيع.

  • تنفيذ حملات توعية وتسويق غذائي للتعريف بالفوائد الصحية والاقتصادية للحوم الرومي وتشجيع استهلاكها المحلي.

ج- على المدى الطويل (3–7 سنوات)

  • إطلاق برنامج بحثي لتربية سلالات محلية مقاومة للأمراض ومتكيفة مع المناخ المصري.

  • إنشاء بنية تحتية وطنية لسلسلة التبريد والمسالخ الحديثة وفق معايير HACCP وISO لتمكين التصدير للأسواق العربية والإفريقية.

  • تفعيل نظام التأمين الزراعي الحيواني لتغطية خسائر المربين في حالات الوباء.

رابعًا: نماذج وتجارب ناجحة

  • توجد بعض الشركات المصرية العاملة في مجال تربية الرومي وإنتاج لحومه المجمدة والمصنعة (مثل شركات Baladifarm) والتي أثبتت إمكانية نجاح النموذج التجاري المحلي.

  • دول مثل الولايات المتحدة، البرازيل، بولندا، فرنسا، وألمانيا تُعد من أبرز المنتجين عالميًا، وتُظهر تجاربها أهمية التكامل الصناعي وتطبيق معايير صارمة للأمن الحيوي والتبريد كركيزة للنجاح.

خامسًا: خارطة طريق تنفيذية مقترحة

1. المرحلة الأولى (2025–2026):

  • تنفيذ برنامج الأمن الحيوي الوطني.

  • دعم إنشاء 3–5 محطات تفريخ إقليمية حديثة.

  • إطلاق حملة توعية للمستهلك.

2. المرحلة الثانية (2026–2028):

  • إنشاء مجمّعين صناعيين متكاملين لإنتاج وتصنيع لحوم الرومي.

  • تدريب 500 مربٍّ وفني عبر برامج تمويل وتدريب معتمدة.

3. المرحلة الثالثة (2028–2030):

  • إدخال سلالات مصرية مطوَّرة محليًا.

  • فتح أسواق تصديرية في الدول العربية والإفريقية.

تمثل صناعة الديوك الرومي في مصر فرصة حقيقية لتنويع مصادر البروتين الحيواني، وتقليل فجوة الاستيراد، وتحفيز الاستثمارات الريفية، غير أن نجاحها يتطلب رؤية وطنية متكاملة تجمع بين الدعم الحكومي، والمشاركة الخاصة، والتدريب العلمي، لتتحول من قطاع هامشي إلى صناعة متقدمة قادرة على المنافسة محليًا وتصديريًا.

حسابات الإنتاج والتسويق في المزرعة المتكاملة للديوك الرومي

أولًا: مرحلة الإعداد والتخطيط

تبدأ رحلة التحول نحو مزرعة ديوك رومي متكاملة بخطوة دقيقة من الإعداد والدراسة. في هذه المرحلة، يتم إعداد دراسة جدوى لتحديد حجم القطيع المستهدف (500–2000 طائر كبداية)، مع تحليل السوق المحلي لمعرفة حجم الطلب الموسمي واتجاهات الأسعار.
يُختار الموقع المناسب بعناية، بحيث تكون الأرض جيدة الصرف وبعيدة عن المزارع الأخرى بمسافة لا تقل عن كيلومترين، وتتوفر فيها شبكة طرق ومصدر مياه نظيف ثابت.
تشمل التراخيص المطلوبة: ترخيص المزرعة الداجنة، الموافقة البيطرية، والسجل الضريبي لضمان شرعية النشاط واستدامته.
أما اختيار السلالة، فيُعد قرارًا حاسمًا، ويُفضل اعتماد سلالات عالية الكفاءة في تحويل العلف مثل Hybrid Converter أو Nicholas 700.
يُختتم هذا المحور بخطة التمويل، التي تحدد رأس المال المطلوب (من مليون إلى مليوني جنيه تقريبًا).

ثانيًا: متطلبات التفريخ وبداية الدورة الإنتاجية

يمثل قسم التفريخ العمود الفقري للمزرعة المتكاملة. تُنشأ غرفة تفريخ بسعة 300–500 بيضة، مزودة بأنظمة للتحكم في الحرارة والرطوبة.
ويُفضل الحصول على بيض مخصب معتمد من موردين موثوقين محليين أو دوليين مع شهادة منشأ صحية، مع وجود مولد كهرباء احتياطي ونظام تهوية فعّال، وسجل بيانات دقيق لتوثيق نسب الفقس.

ثالثًا: الأعلاف وبرامج التغذية

تمثل التغذية العامل الأكبر في تكلفة الإنتاج. يُوصى بالتعاقد مع مورد أعلاف موثوق أو إنشاء وحدة خلط تعتمد على الذرة والصويا المحلية بنسبة لا تقل عن 70%.
يُقسم البرنامج الغذائي إلى ثلاث مراحل:

  • البادئ (الأسبوع 1–6)

  • النامي (الأسبوع 7–12)

  • الناهي (الأسبوع 13–22)
    يتراوح معامل التحويل الغذائي (FCR) بين 2.8 و3.2 كغ علف لكل 1 كغ لحم.

رابعًا: البنية التحتية والإدارة التقنية

تعتمد البنية الأساسية للمزرعة على عنابر بعرض 8–10 أمتار وطول 30 مترًا، بأرضية خرسانية مغطاة بنشارة خشب بسمك 8–10 سم.
تُجهز بنظام تهوية وتدفئة متكامل، وتُحافظ درجة الحرارة على 30 مئوية في الأسبوع الأول.
كما تُنشأ وحدة تبريد بطاقة طن يوميًا لحفظ المنتج، ووحدة معالجة أولية للذبح اليدوي تحت إشراف بيطري.

خامسًا: الأمن الحيوي والصحة البيطرية

يمثل الأمن الحيوي خط الدفاع الأول في نجاح المشروع. تُطبق خطة تطعيم شاملة تشمل لقاحات النيوكاسل، الإنفلونزا، والكوكسيديا.
يُسجل كل ما يتعلق بالصحة في سجل بيطري مفصل، مع تخصيص مكان عزل للطيور الجديدة لمدة عشرة أيام على الأقل.

سادسًا: التسويق والتعبئة

يبدأ التسويق بدراسة السوق المحلي وتحديد العملاء المستهدفين من مطاعم وفنادق وسلاسل تجزئة.
يُطوّر المنتج ضمن علامة تجارية محلية تحمل شعارًا وعبوة نظيفة، مع توفير وسائل نقل مبردة صغيرة بطاقة تحميل 500–1000 كغ في الرحلة.

سابعًا: التدريب وبناء القدرات

يتطلب نجاح المزرعة وجود كوادر مدرّبة ومؤهلة.
يُشجع المربّون على حضور الدورات التدريبية التي تنظمها وزارة الزراعة أو مراكز بحوث الإنتاج الحيواني، وزيارة المزارع الرائدة.

ثامنًا: مؤشرات الأداء ومتابعة النتائج

  • معدل الفقس: لا يقل عن 80%.

  • نسبة النفوق: لا تتجاوز 6%.

  • معامل التحويل الغذائي (FCR): بين 2.8–3.2.

  • الوزن عند التسويق: 10–12 كغ للطائر عند عمر 22 أسبوعًا.

  • العائد الصافي: لا يقل عن 20% من رأس المال المستثمر.

ملاحظات ختامية

  • يُوصى بإنشاء المزرعة في نطاق مشروع تعاوني لتقليل التكاليف وتبادل الخبرات.

  • يمكن دمج الإنتاج مع مشروعات الأعلاف المحلية أو النباتات العلفية.

  • الالتزام بتوثيق البيانات من أول دورة هو أساس النجاح والتحسين المستمر.

نموذج الإنتاج المتكامل للرومي في البرازيل: دروس عملية من تجربة BRF

نبذة عن الشركة:

  • المقر الرئيسي: مدينة إيتاجاي – Itajaí، ولاية سانتا كاتارينا، البرازيل.

  • تأسست سنة 2009 بعد اندماج شركتي Sadia وPerdigão.

  • النشاط الرئيسي: إنتاج وتصنيع وتصدير الدواجن (خاصة الدجاج والرومي).

  • الأسواق الرئيسية: أكثر من 140 دولة تشمل مصر والسعودية والإمارات.

  • حجم الإنتاج: ملايين الطيور سنويًا، وتُعد من أكبر 5 منتجين عالميًا.

ملخص التجربة:

  • البرازيل أكبر منتج رومي في أمريكا اللاتينية، بإنتاج يقارب 13 مليون طائر عام 2019.

  • تعتمد BRF على نموذج تكامل صناعي يشمل مزارع تفريخ وتسمين ومعالجة وتبريد وتصدير.

دروس مستخلصة لمصر:

  1. العقود مع موردي الأعلاف ومراكز التفريخ لضمان الجودة وتقليل التكاليف.

  2. تعزيز الأمن الحيوي والمراقبة المستمرة للأمراض.

  3. تطبيق نظام مؤشرات أداء (FCR – نفوق – وزن عند التسويق).

  4. إنشاء مجمعات متكاملة أو تعاونية لتقليل تكاليف البنية التحتية.

  5. التركيز على جودة المنتج والامتثال لمعايير التصدير.

خاتمة

أثبتت التجربة البرازيلية أن التكامل الرأسي والإدارة الدقيقة للأمن الحيوي والتغذية يؤديان إلى إنتاج رومي عالي الكفاءة ومردود اقتصادي.
وفي مصر، يمكن تحقيق نتائج مشابهة من خلال بناء شراكات بين التفريخ والأعلاف والتبريد، وتبني مؤشرات الأداء والالتزام بالصحة الحيوية.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى