رئيس التحرير

صناعة استراتيجية بديلة تضمن حقوق الفلاح المصرى

د.أسامة بدير

بقلم: د.أسامة بدير

بدأت مصر برنامجها للاصلاح الاقتصادي منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين بهدف إيجاد اقتصاد مفتوح يعتمد عـلى آليات السوق، وكانت عملية تحرير التجارة الخارجية أحد مكونات برنامج الاصلاح الاقتصادي، حيث تم التحرير الجزئي لتجارة مصر الخارجية والتوقيع على عدد من اتفاقات التجارة الحرة الثنائية، وكذا التفاوض مع الاتحاد الأوروبي بشأن إبرام اتفاق المشاركة المصرية الأوروبية.

مع توقيع مصر والاتحاد الأوروبي اتفاق مشاركة عام 2001، كان من المفترض أن تتيح هذه الاتفاقية في جانبها الزراعي فرصا متعادلة ومتكافئة بين الفلاح الأوروبي والفلاح المصري فيما يتعلق بزيادة الصادرات الزراعية المصرية وهو الأمر الذي كان سيعود حتما بالنفع على صغار الفلاحين.

لكن أكد الواقع الذى أضحى يعيش فية الفلاح المصرى عامة خاصة وصغار الفلاحين عامة حرمانهم من حقوقهم الدنيا التي نصت عليها التشريعات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها الحكومة سلفا. ومن أهم هذه الحقوق الحق في توافر فرصة العيش التي يجب حمايتها لضمان الزراعة والدخل الكافي لتحقيق حياة كريمة تحافظ على كرامة الأسرة الريفية، والحق في العمل الذي يجب أن يوفر أجرا كافيا للعيش، وظروف عمل كريمة، وضمانا اجتماعيا، والحق في السكن والمياه الآمنة، والغذاء الذي يجب أن يكون آمنا ومغذيا ومتوافرا وقابلا للحصول عليه ومقبولا ثقافيا، والحق في التعليم الذي يجب أن يتضمن التدريب وبناء القدرات والأنشطة التمكينية، والحق في بيئة نظيفة وآمنة، والحق في الرعاية الصحية والطبية الفعالة بما في ذلك العلاج والأدوية وأماكن تقديم الخدمة والرعاية التمريضية، والحق في الأمان الاجتماعي بما في ذلك المعاشات والتأمينات الاجتماعية وضمان الخدمات العامة، والحق في الاجتماع وتكوين الجمعيات الزراعية.

يقينى إن قضية انتهاك حقوق صغار الفلاحين في ظل سياسات التحرر وما تبعها من اتفاقيات وقعتها الحكومة المصرية مع أطراف عديدة، لم يعد من الممكن مواجهتها محليا، بل أصبحت هناك ضرورة ملحة لتنسيق السياسات الزراعية على المستوى المحلى والإقليمي بل وحتى الدولي، وإعادة النظر فيها أصبح أمرا مفروضا لتحقيق تطلعات الشعوب من أجل توفير أمنهم الغذائي وتعزيز قدراتهم الغذائية والتصنيعية، وهو ما يحقق العيش الكريم والحقوق الإنسانية لجميع البشر.

لقد بات من المؤكد أن الانتهاكات الحقوقية التي يتعرض لها صغار الفلاحين في ظل هذه السياسات التحريرية للقطاع الزراعي، التي غاب عنها مراعاة البعد الاجتماعي، إضـافة إلى عدم توفير الدعـم والحماية الكافية لصغار الفلاحين من قبل الحكومة، فإن القطاع الزراعي أضحى في انهيار مستمر، فمساحة الأرض الزراعية وقفت عند 8,384 مليون فدان، وانخفض نصيب الفرد من المساحة الزراعية لأدنى مستوى له منذ يوليو عام 1952، فبعد أن كان نصيب الفرد 0.2 فدان، أصبح الآن لا يتعدى 0.1 فدان – رغم زيادة عدد السكان أربع أضعاف ما كانت عليه عام 1952- وإهدار أكثر من مليون فدان من أجود الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى الزحف العمراني وعمليات التجريف والتبوير التي أثرت على إجمالي المساحة الزراعية.

فشل القطاع الزراعي في ظل هذه السياسات أن يقوم بدوره في تمويل قطاعات الإنتاج والخدمات، وفى تحقيق الأمن الغذائي حيث بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي عام 2016 من الزيوت 3%، والبقوليات 30%، والقمح حوالي 57% ، ومن اللحوم الحمراء 70%، ومن الخضر 74% ، ومن السكر 77% .

لم تكن الأزمة الغذائية في مصر إلى حد كبير حتى عهد قريب مشكلة نقص أو شح في الموارد المتاحة، ولا نموا سكانيا متسارعا أو عجزا في الإمكانات المالية فقط، وإنما هي بالدرجة الأولى مسألة فشل في السياسات الزراعية، وسوء استغلال لما هو متاح من موارد، فهي جزء من مسألة التنمية في جوهرها، بأنماطها الانتاجية والاستهلاكية والتوزيعية على المستوى المحلي.

لعل أهم الانتقادات التي وجهت إلى أوضاع الزراعة الحالية فى ظل تخلى الحكومة المصرية عن دورها كشريك أساسي وفاعل جنباً إلى جنب مع صغار الفلاحين هي أنها أدت إلى العديد من الآثار السلبية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية على صغار الفلاحين، وتدهور كامل في بيئتهم الطبيعية وحياتهم الريفية.

من هنا كان لابد من صناعة استراتيجية بديلة في ظل تبنى الحكومة لسياسات زراعية تتسم بالتحرر الاقتصادى صاعدا بشكل متسارع فى ظل متغيرات إقليمية ودولية، إضافة إلى إبرامها لعدة اتفاقيات شراكة مع دول وتكتلات إقليمية مختلفة، بحيث تضمن هذه الاستراتيجية حسن الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية الزراعية بشكل يتيح مستوى معيشة لائق وحياة كريمة لأبناء المجتمع الريفي خاصة فئة صغار الفلاحين.

للتواصل مع الكاتب
[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى