شغب الأطفال في الشوارع.. إزعاج لا يُحتمل وفوضى بلا رادع!
بقلم: د.أسامة بدير
لطالما كنت أستغرب، بل وأشعر بالاستياء الشديد، من هذا المشهد المُتكرر كل ليلة: أطفال صغار يتجولون في الشوارع، يلهون بالكرة، يصرخون بأعلى أصواتهم، يقذفون الألعاب النارية في كل اتجاه، غير مبالين بمن حولهم. أما الشتائم، فحدّث ولا حرج، كلمات يخجل المرء من سماعها تصدر من أفواههم وكأنها جزء طبيعي من أحاديثهم اليومية. وأنا هنا لا أتكلم عن حادثة عابرة أو مشهد نادر، بل عن ظاهرة أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية، خصوصاً في الأحياء السكنية التي كانت يوماً ما هادئة وآمنة.
لا يُمكنني أن أفهم كيف يسمح الآباء والأمهات لأنفسهم بترك أطفالهم يسرحون ويمرحون في الشوارع حتى الساعات الأولى من الصباح دون أدنى اهتمام أو مُتابعة. هؤلاء الأطفال، الذين هم في الأصل مسؤولية الأسرة، أصبحوا مصدر إزعاج لا يُحتمل، يسرقون راحة المواطنين، ويخلقون حالة من التوتر والانزعاج الدائم. إنني أتساءل: هل يُدرك أولياء أمورهم ما يحدث؟ أم أنهم اختاروا الهروب من مسؤولياتهم وتركوا الشارع ليتولى تربيتهم؟
يمكن تفسير هذه الظاهرة في ضوء نظرية التفكك الاجتماعي، التي طرحها عالم الاجتماع إميل دوركايم، والتي تؤكد أن انهيار الأدوار الاجتماعية وتراجع الضبط الاجتماعي يؤديان إلى الفوضى والانحراف. وفقاً لهذه النظرية، فإن الأطفال الذين يقضون أوقاتهم في الشوارع بلا رقابة أسرية يعكسون حالة من تفكك الضوابط الأسرية والمجتمعية، حيث لم يُعد هناك نظام واضح يُحدد السلوك المقبول وغير المقبول. ومع غياب السلطة الأبوية، وتراخي الدور الأمني، يجد هؤلاء الأطفال أنفسهم بلا إطار يُوجههم، مما يدفعهم إلى تبني سلوكيات مُنحرفة مثل الضجيج، العنف اللفظي، وإزعاج الآخرين.
أتذكر جيداً، قبل ثلاثة عقود، كيف كانت الشرطة تقوم بدور فاعل في ضبط الأمن الاجتماعي. كانت هناك دوريات تجوب الشوارع والأزقة، تفرض النظام، وتمنع أي تجاوزات قد تعكر صفو الحياة اليومية للمواطنين. لم يكن من الممكن أن يستمر الضجيج حتى الفجر، ولم يكن للأطفال أن يصولوا ويجولوا في الشوارع بلا حسيب أو رقيب. أما اليوم، فأنا أشعر أن هناك غياباً واضحاً للرقابة الأمنية على هذه الفوضى التي تُهدد راحة الناس وأمنهم الاجتماعي.
أنا على يقين بأن هذا الإهمال لا يقتصر فقط على الإزعاج الليلي والضجيج، بل يمتد ليؤثر بشكل خطير على مستقبل هؤلاء الأطفال. فمن يعيش طفولته في الشارع، دون توجيه أو رقابة، قد ينحرف إلى سلوكيات أكثر خطورة في المستقبل، بدءاً من العنف والسرقة، وصولاً إلى الانحرافات الأخلاقية والممارسات غير القانونية. وإذا استمر هذا الأمر دون تدخل حاسم، فإن المجتمع بأسره سيدفع الثمن في صورة جيل غير مسؤول، مُعتاد على الفوضى، ولا يحترم القوانين أو حقوق الآخرين.
أنا هنا لا أطالب بمنع الأطفال من اللعب أو الترفيه، فذلك حق لهم، ولكن بشرط أن يكون تحت إشراف ورقابة تضمن عدم الإضرار بالمجتمع. المطلوب هو فرض الأمن الاجتماعي بحزم، وإلزام الأسر بمسؤولياتها، وإن لم تفعل، فعلى الجهات الأمنية التدخل للحد من هذه الظاهرة التي تؤرق المواطنين.
إنني أدعو الشرطة لإعادة ما كان معمولاً به سابقاً: دوريات ليلية تمنع هذه التصرفات وتُعيد الانضباط إلى الشوارع والأحياء. كما أطالب بتوعية الأهالي وتحميلهم المسؤولية عن سلوك أبنائهم، فهم وحدهم من يتحمل نتائج الإهمال الذي حول هؤلاء الأطفال إلى مصدر للإزعاج والقلق الدائم.
ليس الأمن الاجتماعي مسؤولية الشرطة وحدها، بل هو واجب مُشترك بين الأسرة والمجتمع والجهات الرسمية. لا يمكنني أن أتقبل فكرة أن يبقى الناس يعانون من هذا الإزعاج كل ليلة بينما يظل الأهالي في سباتهم العميق، مُتجاهلين الضرر الذي يُلحقونه بالمجتمع بأسره. يجب أن يكون هناك وعي جماعي بأن تربية الأبناء مسؤولية لا يمكن التهرب منها، وأن غياب الرقابة الأسرية يُعرض الأطفال للانحراف، ويُهدد الاستقرار المجتمعي بشكل خطير.
لم يعد الأمر مجرد مشكلة عابرة، بل أصبح أزمة اجتماعية تحتاج إلى تدخل عاجل، فهل نجد من يستجيب؟.
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.