رأى

سد النهضة يدفع ثمن الهرولة

بقلم: سيد علي

كانت خسائر الأمطار الغزيرة في كينيا سببًا لمقتل ١١٨، ونزوح ٢٧١ ألفًا، وانهيار سد باتيل صفارة إنذار لـسد النهضة الإثيوبي؛ خاصة أن كلا السدين مقام على أرض وتربة من نوعية واحدة، ولكن قبل التسرع والقفز على النتائج فيما يخص احتمال توقف بناء سد النهضة؛ ذلك أن البعض قرأ نصف تصريحات أبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي؛ لأن النصف الثاني تحدث عن عطاءات لشركات جديدة لاستكمال بناء السد، وأغلب الظن أن أديس بابا تدفع ثمن تسرعها واستعجالها في تنفيذ السد استغلالا لظروف مصر خلال فوضى ٢٥ يناير؛ الأمر الذي أدى لزيادة التكلفة ووجود أخطاء جسيمة في التنفيذ؛ ولهذا لم تكن تصريحات أبي أحمد مفاجأة لخبراء السدود.

فقد سبق وحذر عدد من العلماء من خطورة ما بعد بناء السد؛ لإنه مقام في منطقة الفالق الإفريقي العظيم؛ مما يضاعف الحِمل على أحد الفالقين؛ نتيجة حجم السد الكبير، وكمية المياه الهائلة التي سيتم تجميعها خلف السد؛ مما يؤثر على التوازن الإستاتيكي بالمنطقة، بالإضافة لاستخدام الشركة المنفذة طريقة تفجير الصخور داخل باطن الأرض، دون النظر للمخاطر الناجمة عن تلك التفجيرات التي تزيد من الفراغات بين الفوالق الأرضيّة، والأخطر أن الـ٧٤ مليار متر المخزنة خلف السد يتسرب منها ما بين ١٥ إلى ٢٠ مليار متر إلى الفوالق الأرضيّة حول السد، وتزيح الصخور الأرضيّة بين الفوالق؛ نتيجة قوة اندفاع المياه، ويتوقع علماء الجيولوجيا أن يتسبب ذلك في وقوع عدد من الزلازل بالمنطقة؛ خاصة في مصر والسودان والصومال وإريتريا وجيبوتي والسعودية، وخلال ذلك كانت مصر تتحسب لذلك؛ فقامت ببناء قناطر أسيوط وسحارات سرابيوم، وبالتالي حجمت أي مخاطر لإغراق مصر إذا تم هدم سد النهضة في أي لحظة؛ بل قيام مصر بإنشاء عدة محطات لتحلية المياه في حال نقصها، وهكذا فقد استعدت مصر لكل الاحتمالات بدون ضجيج.

ولكن تصريحات أبي أحمد ليست بسبب تلك المخاطر، ولكن ربما هي تصريحات تكتيكية لتوقف تمويل السد من قطر وتركيا وإسرائيل، بالإضافة للمحاولة الفاشلة لاغتيال أبي أحمد؛ وبالتزامن مع ذلك، مقتل المهندس سميو بقل مدير مشروع سد النهضة، وحتى هذه اللحظة لم يتم الإعلان عن مدبر محاولة اغتيال أبي أحمد، ولا عن قاتل المدير؛ بما يشير إلى أن أجهزة مخابرات تدير أكبر مشروع للفتنة بين إثيوبيا ومصر؛ ولكن صمود إثيوبيا أمام تلك المخططات ستدفع المتآمرين لمحاولات أخرى؛ ولذلك كان إعلان رئيس وزراء إثيوبيا الأسبوع الماضي عن المشكلات التي تواجه إتمام بناء السد نتيجة مشكلات داخلية، وفِي ظني إن كلامه كان بمثابة رسالة للخارج يستنفر بها شعبه ضد الثورة المضادة، التي يقف خلفها قوى معادية للإصلاح والسلام مع الجيران التي اتبعها أبي أحمد.

وكانت القاهرة من الذكاء بحيث لم تتسرع في رد فعلها، ورأت أن ذلك أمر إثيوبي داخلي، ولكن كلام أبي أحمد فتح نوافذ مهمة؛ لكي تصبح القاهرة الشريك الأول لأديس أبابا في حل مشكلتي التمويل للسد، ثم المشكلات الفنية المتعلقة بمقدرة إثيوبيا على التشغيل، وهو ما يحقق مطالب مصر بالمشاركة في إدارة وتشغيل السد، وهو ما كانت ترفضه الحكومات الإثيوبية السابقة، وربما تكون الخطوة التالية هي مشاركة الشركات المصرية المتخصصة، وصاحبة الخبرة الطويلة في استكمال بناء السد، بعدما أعلن أبي أحمد إطلاق مناقصات جديدة لتلقي عطاءات شركات مقاولات جديدة لاستكمال بناء السد؛ بعد استبعاد هيئة المعادن والهندسة التابعة للقوات المسلحة الإثيوبية.

وفِي كل الأحوال علينا التأني في قراءة المشهد الداخلي والصراعات السياسية الإثيوبية، وأن يتسلح المفاوض المصري بخبراء جيولوجيين، وتقارير عن التربة والفوالق الأرضيّة، ودراسات مقارنة بين تربة سد النهضة، وتربة سد بتل الكيني، وهو ما يستدعي إعادة الاعتبار للمكاتب الاستشارية التي تماطل أديس أبابا في جدوى عملها؛ خاصة في ظل تقارير تقلل من ضمانات الأمان للسد، وهو إذا كان ضروريًا لمصر، فإنه بالتأكيد أكثر للسودان وإثيوبيا.

وقد حان الوقت لعلاج أمراض السد الإنشائية التي خلقتها السياسة الإثيوبية أيام فوضى يناير وما بعدها.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى