رأى

سد النهضة والخيار الدبلوماسي

د.عادل عامر

بقلم: د.عادل عامر

مستشار تحكيم دولي‏ لدى الهيئة المصرية الدولية للتحكيم

إن الحل الدبلوماسي هو الأمثل الآن في التعامل مع قضية سد النهضة التي تعمل إثيوبيا على إنشائه على النيل الأزرق، لأن ضرب السد لن يؤدي الى النتائج المرجوة منه، ولن يفيد بشكل كبير.

وأن الحل الآخر هو التوجه القانوني إلى محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة للحفاظ على الحق التاريخي لـمصر في مياه النيل.

ومن ضمن أضرار إنشاء هذا السد، من شأنه إحداث توتر سياسي بين مصر والسودان وإثيوبيا، لأن المشروع يشكل تهديدا وخصما من الحصة المائية الواردة لـمصر والسودان، فيقلل منها بصورة واضحة، ومن ثم فمن المحتمل أن تدخل المنطقة كلها في حروب وصراعات لا قدر الله .. المدقق في الخطاب السياسي المصري المعلن يلحظ لغة الهدوء والتريث، ذلك لأن العلاقات المصرية الإثيوبية ليست وليدة اللحظة بل هي علاقات تاريخية وممتدة شئنا أم أبينا، ومن هنا يجب أن نتحرك من هذه القاعدة.. فهل ستقوم الدبلوماسية الناعمة بدورها إزاء هذه الأزمة، أم أن الأصوات ستظل تتعالى مطالبة باستخدام لغة التهديد في الأيام المقبلة.

ومع تأكد القيادة المصرية بأن السد من شأنه حرمان مصر من حصتها في مياه النيل، فهل سيكون للجيش المصري دور في القيام بضربات جوية ضد إثيوبيا لوقف بناء السد أو تدميره نهائيًّا. وإذا كان الجيش المصرى قادرا على حماية مصر وأمنها القومى وحماية ثرواتنا المائية من نهر النيل.

فهل تستخدم الإدارة المصرية مستقبلا “الخيار العسكري” فى حال فشلت الدبلوماسية فى حل أزمة سد النهضة الإثيوبي.. وهل مصر بوضعها الحالي جاهزة لمثل ذلك… وما مدى إيمان القوات المسلحة المصرية بفكرة شن الحرب على دولة يرتبط أمننا المائي بها بصورة ممتدة، وهل من الممكن أن تلوث (وتسرطن) إثيوبيا المياه التي تصل لـمصر لإنهاك المصريين؟ وهل من المنطق التفريط في حقوقنا المائية؟ وما السبيل لمعالجة هذه المخاطر بأقل الأضرار على الجميع؟!

من الواضح أن الخطاب الرسمي المعلن (الحكومي والعسكري) يتسم بالروية والهدوء الحذر، فاللواء محمد على بلال، قائد القوات المصرية خلال حرب الخليج، يؤكد على الملأ أن القوات المسلحة المصرية لن تقوم بأية عملية عسكرية استباقية لضرب سد النهضة؛ لأنه لا توجد أي صواريخ أو قوات جوية تستطيع ضرب السدود؛ لأن السدود تحتاج إلى قنابل نووية حتى يتم تفجيرها وهدمها… كما أن إثيوبيا لم تقم بإنشاء سد النهضة بعد، بما يعنى عدم وجود هدف عسكرى من الأساس حتى يتم ضربه.. مطالبًا بضرورة فتح قنوات اتصال قوية مع الجانب الإثيوبى. والمعنى السابق.

إن فكرة ضرب سد النهضة مرفوضة تماما لأن تدميره -بعد بنائه- سيؤدى إلى غرق الخرطوم وصعيد مصر فضلاً عن أنه سيدخلنا في صراعات نتيجة توجيههم ضربة مماثلة للسد العالى. وأن علاقة مصر بـإثيوبيا متوترة منذ فترة بعدما تم إيقاف اتفاقية أحمد أبو الغيط لاستيراد 30 مليار كيلو من اللحوم الإثيوبية والخطير في الأمر والذي من شأنه أن يهدد الجهود الدبلوماسية أن السلفية الجهادية دخلت على خط الازمة مؤكدة أن لديها أبناءها فى الصومال والسودان وجيبوتى ولن يسمحوا ببناء سد النهضة.

على أية حال فإن الخيار العسكري يجب أن يستبعد تماما وإفساح المجال للمفاوضات والحوار بين كافة الأطراف تجنيبا للمنطقة من الدخول في حرب عالمية جديدة من شأنها أن تأكل الأخضر واليابس في المنطقة.. وبعد أن تأكد لنا خطورة التسرع باستخدام الخيار العسكري للحيلولة دون تشييد سد النهضة، فإن الخيار الدوبلوماسي هو الأجدى في هذه المرحلة،

 ومن هنا فلابد من العمل على إظهار حسن النية من جميع الأطراف، والبعد عن التلويح بالخيارات العسكرية، والتفاوض بشكل منطقى مع السلطات الإثيوبية ودول حوض النيل، ومن الأهمية استثمار هذه الفرصة لتوقيع اتفاقية جديدة مع إثيوبيا تحت إشراف الأمم المتحدة تنبني على قواعد الحقوق التاريخية التي تؤكد حق مصر والسودان في كل قطرة مياه تصل لكل منهما من المياه الإثيوبية نظرا لترتب حياة البشر والثروة الحيوانية والنباتية عليها وحق الارتفاق للمياه التي حصلت عليها لضمان حصتي مصر والسودان من المياه كشرط للموافقة على بناء السد، وأن تقر فيها إثيوبيا صراحة بحصتي مصر والسودان من مياه النيل، مقابل الموافقة على إنشاء السد، وتنظيم عملية ملء الخزان بصورة تقلل الإضرار على مصر والسودان خلال فترة الملء التي ينبغي أن تكون 15 سنة على الأقل وتشارك مصر والسودان في الإشراف على ملء الخزان.

كما أنه في السنوات التي ينخفض فيها إيراد النيل عن المتوسط (84 مليار متر مكعب عند أسوان) تتوقف عملية ملء الخزان بصورة مؤقتة .. والذكاء السياسي يحب يسعى في هذا الاتجاه ويستثمر تصريحات المسؤولين الإثيوبيين التي تؤكد أن حصة مصر من المياه لن تنقص، لتوقيع الاتقافية الجديدة ومن ثم تستريح جميع الأطراف.. وإن كان البعض يرى أن هذه التصريحات من قبيل المراوغات السياسية وأنها مجرد تهرب ومحاولة استدراج لإضاعة الوقت لحين الإعلان عن إتمام بناء السد.. وإلا فهناك البدائل.

كأن تتواصل مصر مع المؤسسات المانحة، وتصعد الموضوع دوليًّا للضغط على إثيوبيا، ومن ذلك أيضا اللجوء إلى التحكيم الدولي الذي سيكون في صالح مصر، وحينها سترفض أي مؤسسة مانحة توفير المال اللازم لهذا السد.

كما يمكن لـمصر أن تطلب رسميا من البنك الدولي وقف تمويل بناء السد. ففي الوقت الذي نؤكد فيه علي حق إثيوبيا في إنتاج الطاقة، فإننا في الوقت نفسه نؤكد على أن مصر لن تقبل أن ينقص أحد من حصتها المائية قطرة واحدة.. لذلك يجب أن يتوحد المصريين لمواجهة هذا الخطر.

وكما سبق فإن نهر النيل هو المورد الرئيسي للمياه في مصر، حيث تحصل مصر من خلاله على حصتها السنوية ومقدارها 55.5 مليار متر مكعب، والأمطار لا تتعدي مليار متر مكعب في السنة علي الساحل الشمالي وساحل البحر الأحمر وبعض مناطق سيناء.

أما المخزون الجوفي في الصحراء الغربية فهو غير متجدد ولا يسمح بأكثر من 3-5 مليارات متر مكعب سنويًا لمدة 50 – 100 عام. أما عمليات التحلية فإن تكلفتها عالية ولا تزيد كمياتها حاليًا عن 200 مليون متر مكعب ولكن الاحتياجات المائية تزيد على 75 مليار متر مكعب سنويًا بما يفوق كثيرًا الموارد المتاحة بـ 30% ويتم تغطية العجز عن طريق إعادة الاستخدام، وقد تناقص نصيب الفرد المصري من المياه ليصل إلى أقل من 700 متر مكعب سنويًّا.

ويتوقع الخبراء أنه بحلول عام 2050م ستحتاج مصر إلى 21 مليار متر مكعب فوق حصتها الحالية لسد احتياجات سكانها الذي يتوقع أن يصل إلى 150 مليون نسمة.. وحوض النيل هو مسمي يطلق علي عشرة دول إفريقية يمر فيها نهر النيل وهي: أوغندا، إثيوبيا، السودان، جنوب السودان، الكونغو الديمقراطية، بوروندي، تنزانيا، رواندا، كينيا، مصر، بالإضافة إلى دولة أريتريا كمراقب.

ونتيجة للإمكانات الهائلة التي يوفرها نهر النيل (باعتباره أطول أنهار الكرة الأرضية إذ يبلغ إجمالي طوله 6650 كم) فقد كان مطمعا للقوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر. فقد تحكمت الدول الأوروبية في دول حوض النيل في تلك الفترة؛ فبينما كانت بريطانيا تحكم قبضتها علي مصر والسودان وأوغندا وكينيا، فقد أحكمت ألمانيا قبضتها على تنزانيا، رواندا، وبوروندي. وفي نفس الوقت فقد قامت بلجيكا بالسيطرة علي الكونغو الديمقراطية والتي كانت تعرف في هذا الوقت باسم زائير.

وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) أوزارها، فقد قسمت الإمبراطورية الألمانية بين كل من بريطانيا وبلجيكا؛ فحصلت إنجلترا على تنزانيا، بينما حصلت بلجيكا على رواندا وبوروندي، في حين بقيت إثيوبيا دولة مستقلة. وقبل الحديث عن سد النهضة الإثيوبي، ومدى قانونية إنشائه بهذه الصورة.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى