«سد النهضة».. هل يحتدم الصراع على المياه بين مصر السودان وإثيوبيا بعد الملء الرابع؟ (فيديو)
روابط سريعة :-
DW بعد أن أكملت إثيوبيا الملء الرابع لسد النهضة. تقول أديس أبابا إنه الأخير لكن خبراء يرون أن هناك عمليات ملء أخرى ستحدث مستقبلا، وأن إثيوبيا ستواصل تجاهل الاتفاقيات الدولية مع مصر والسودان ولن تلتفت لأي آثار سلبية قد تصيبهما.
تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك
إثيوبيا تتحدى
أعلنت أثيوبيا انتهاء عملية ملء سد النهضة الضخم المقام على النيل الأزرق في تحد لمحاولات مصرية وسودانية لوضع أطر لمراحل احتجاز المياه خلف السد الأضخم في إفريقيا.
ونشرت رئاسة الوزراء الإثيوبية صورة لرئيس الوزراء أبيي أحمد على موقع X (تويتر سابقا) وكتب تحتها “أعلن بسرور بالغ أن التعبئة الرابعة والأخيرة لسد النهضة تمت بنجاح”. وأضاف “واجهنا الكثير من التحديات، واضطررنا مرارا إلى التراجع. واجهنا تحديا داخليا وضغوطات خارجية”، لكنه أكد أن بلاده “ستنجز ما تعهدت به”.
شاهد: الحل العبقري لأزمة سد النهضة الإثيوبي
ويهدد الملء الرابع – الذي يرى البعض أنه قد لا يكون الأخير بعكس ما أعلنت إثيوبيا – بإحياء التوترات الإقليمية مع مصر والسودان الواقعتين عند مصب النهر. ويتزامن الإعلان الإثيوبي مع استئناف المفاوضات بين الدول الثلاث في 27 أغسطس، بعدما كانت متوقفة منذ أبريل 2021.
اقرأ المزيد: “الفلاح اليوم” ينفرد بنشر أول دراسة عن: الآثار الاجتماعية الاقتصادية المتوقعة لسد النهضة الإثيوبى على الريف المصرى
سد الحياة لإثيوبيا
أشاد المكتب الاعلامي للحكومة الإثيوبية في رسالة على المنصة نفسها بما اعتبره “هدية للأجيال”، مضيفا أن “الجيل البطل الحالي سيبني إثيوبيا الغد القوية على أسس صلبة”.
يعتبر “سد النهضة الإثيوبي الكبير” حيوياً بالنسبة لأديس أبابا، وقد بلغت تكلفته أكثر من 3,7 مليارات دولار، ويبلغ طوله 1,8 كيلومتر وارتفاعه 145 مترا، ومن خلاله تعتزم إثيوبيا مضاعفة إنتاجها من الكهرباء، التي لا يصل إليها سوى نصف سكّانها البالغ عددهم حوالى 120 مليون نسمة. وباكتمال بناء السد وملحقاته سيكون لدى إثيوبيا أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في إفريقيا وسابع أكبر محطة في العالم.
شاهد: ماذا سيحدث لمصر والسودان إذا انهار سد النهضة الإثيوبي؟
من المتوقع أن يولد سد النهضة ما يصل إلى 6500 ميجاوات من الكهرباء، وهو ما يكفي لتزويد نحو 60% من سكان البلاد بالطاقة ما سيساعد على تحسين حياة ملايين الإثيوبيين وتعزيز اقتصاد البلاد.
تقول إثيوبيا إن السد سينظم تدفق نهر النيل الأزرق – المصدر الرئيسي للمياه لمصر والسودان – وسيساعد على ضمان حصول هذه البلدان على إمدادات موثوقة من المياه حتى أثناء فترات الجفاف.
تخطط إثيوبيا لتحقيق إيرادات كبيرة من تصدير فائض الإنتاج الكهربائي للدول المحيطة، الأمر الذي سيجلب العملات الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها.
غضب مصري وقلق سوداني
شاهد: هل تعلن مصر الحرب على إثيوبيا بعد فشل مفاوضات سد النهضة؟
فور الإعلان عن الملء الرابع لسد النهضة، نددت مصر بالتصرف “الأحادي” لأديس أبابا، مؤكدة أن هذا الإجراء يشكل “مخالفة قانونية”. وقالت الخارجية المصرية في بيان إن “اتخاذ إثيوبيا لمثل تلك الإجراءات الأحادية يُعد تجاهلا لمصالح وحقوق دولتي المصب وأمنهما المائي الذي تكفله قواعد القانون الدولي”، في إشارة إلى مصر والسودان.
شاهد: تساؤلات باحث زراعي حول مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا!
تخشى مصر والسودان أن يؤدي ذلك إلى تقليل إمدادات المياه لديهما. وتعتبر مصر هذا السد الكبير تهديداً وجودياً لأنها تعتمد على نهر النيل في 97% من احتياجاتها المائية. أما الخرطوم، فقد تباين موقفها في السنوات الأخيرة.
يقول الدكتور فؤاد إبراهيم، أستاذ الجغرافيا في جامعة بايرويت بألمانيا، إنه مع استمرار ملء السد الإثيوبي ستعاني مصر – الفقيرة مائيا بالأصل – من عجز في المياه، لأنه حصتها من مياه النيل تبلغ 55,5 مليار متر مكعب في السنة، وأي اقتطاع من هذه الكمية من المياه سيكون بمثابة خسارة من كافة النواحي لمصر، لأن السودان سيستغل نصيبه بشكل طبيعي خصما أيضا من حصة مصر”، وقدر حجم هذه الخسارة خلال فترات ملء السد بنحو 30% من حصة مصر.
اقرأ المزيد: دراسة: تبوير 4,6 مليون فدان بسبب ملء خزان سد النهضة فى 3 سنوات
وأضاف إبراهيم، في حوار مع DW عربية، أن “هذه النسبة التي ستفقدها مصر مهمة للغاية، لأن استهلاك مصر من الماء في الزراعة وغيرها من الأنشطة أكثر من حصتها السابق ذكرها بكثير، ولذلك تحاول مصر إعادة استخدام المياه بوسائل مختلفة سواء بإعادة تنظيم توزيع هذه المياه أو تقليل الفاقد من المياه عن طريق تبطين قنوات الري وقنوات الصرف ورغم ذلك يصعب جدا تعويض هذه الكمية المقتطعة من حصتها”.
شاهد: إثيوبيا تستنزف الوقت من أجل إنهاء بناء سد النهضة
شكك أستاذ الجغرافيا في جامعة بايرويت بألمانيا، في أن يكون هذا هو الملء الأخير لسد النهضة “والدليل على ذلك أن حجم ما أعلنت عنه إثيوبيا من احتياجها لتخزين المياه خلف بحيرة السد يتجاوز بكثير ما تم الإعلان عنه الآن في الملء الرابع، والذي يتعدى 75 مليار متر مكعب من المياه، ما يعني أنه قد يكون هناك ملء خامس وملء سادس حتى تصل إثيوبيا إلى حجم المياه الذي أعلنت عنه أول مرة عند إنشاء السد، ويضيف الخبير: “ليس معقولا أن تكتفي إثيوبيا باحتجاز خمسين مليار متر مكعب فقط بل ستحاول الوصول للسعة القصوى”.
وعن الموقف السوداني، قال الدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا ومصادر المياه بجامعة القاهرة أنه باكتمال التخزين الرابع للمياه خلف سد النهضة يكون نظام الزراعة الفيضية على جانبي النيل الأزرق فى السودان قد انتهى، ويتطلب ذلك إقامة السودان لشبكة ري من ترع وماكينات رفع المياه، واستخدام الأسمدة لتعويض فقد الطمي الحادث بسبب سد النهضة مما يزيد من تكلفة الإنتاج الزراعي السوداني في المستقبل.
شاهد: الحل النهائي لأزمة المياه بمصر بسبب سد النهضة الإثيوبي
لا اتفاقات مُلزمة لإثيوبيا
رغم المحاولات المصرية الحثيثة – والسودانية على استحياء – للتوصل لاتفاق إطاري بشأن مراحل احتجاز المياه وخصوصا خلال فترات الجفاف، إلا أن إثيوبيا رفضت بشكل قاطع تماما على مدار 10 سنوات تقريبا الالتزام بأي اتفاق في هذا الإطار.
من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، ميليس آلم، أن بلاده لم توقع أي اتفاقية بشأن نهر النيل، مُشددا على أن أديس أبابا “لن توقف جهودها التنموية بسبب اتفاقيات استعمارية أحادية الجانب”، على حد وصفه. وقال آلم أن التعبئة الرابعة لسد النهضة، تأتي “وفقا لسيادة أثيوبيا على أراضيها”.
يقول علي هندي الباحث الأريتري في مركز التقدم العربي للسياسات في لندن، إن “هناك خلاف لازم قضية ملف سد النهضة وهو أن للجانب الإثيوبي قراءة خاصة تماما بنى عليها قضيته وهي رفض الالتزام بحصتى دولتي المصب، مصر والسودان. ولذلك ترفض اديس أبابا أي مطالب مصرية سودانية بشان التوصل لاتفاق يلزمها بإمداد القاهرة والخرطوم بكميات محددة من المياه وطريقة ملء السد وتوقيته أو حتى الاتفاق على الأمور الفنية”.
شاهد: الحل العبقري لأزمة سد النهضة الإثيوبي (2)
يشير الباحث الاريتري في حوار هاتفي مع DW عربية، أن “إثيوبيا ترى أن هذا الأمر ينتقص من ’حقها التاريخي’ ولذلك حاولت إثيوبيا أن تعيد المسألة إلى المربع الأول في المفاوضات وتجاوز الاتفاقيات القديمة، بحيث تدخل الأطراف كلها في مفاوضات فنية ولديها الحظوظ نفسها دون أي ميل لجانب على حساب الآخر وهذا هو في تصوري ما دفع إثيوبيا للإصرار على توقيع اتفاق المبادئ 2015”.
من جانبه، يقول أحمد النجار الخبير الاقتصادي المصري إن إثيوبيا تتعامل بمنطق ما يسمى “السيادة المطلقة على الإقليم” بما فيه السيادة على المياه “وهي نظرية فاسدة أصلا ومصدرها الولايات المتحدة التي أصدرت عام 1906 قرارا في مواجهة المكسيك بشأن أحد الأنهار الذي رغبت الولايات المتحدة في الانفراد بالتحكم فيه”.
ويضيف النجار أنه “بغض النظر عن الجانب التاريخي، فإن الولايات المتحدة نفسها – صاحبة المقترح – تخلت عنه ووقعت اتفاقية جديدة مع المكسيك مختلفة عن اتفاقية 1906 التي كان فيها نوع من الجور والتسلط. وكانت الاتفاقية بالمعنى الحرفي تقول: نحن لنا سيادة كاملة على الإقليم بما فيه المياه .. نعطي أو لا نعطي.. في حين أن هناك شيء اسمه الحياة التي ترتبت على التدفق التاريخي للمياه وخلقت حقوق لا يمكن تغييرها إضافة إلى وجود جزء آخر من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا عام 1902، وهو ألا تمس إثيوبيا أي قطرة مياه من حصة دولتي المصب وألا تنشأ أي أعمال على النيل الأزرق ونهر السوباط وبحيرة تانا من شأنها إعاقة التدفق الحر للمياه إلى مصر والسودان”.
شاهد: ماذا قال وزير الزراعة بشأن تطورت أزمة سد النهضة الإثيوبي؟
يشير النجار، إلى أن تذرع إثيوبيا بأن اتفاقيات المياه مع مصر والسودان جرت في عهد الاحتلال البريطاني وأنها لم تكن طرفا فيها ولا تلزمها هو “أمر غير قانوني وغير صحيح، لأن الاتفاقيات تمت مع أثيوبيا ولم تكن خاضعة لاحتلال لا بريطاني ولا إيطالي. وجرت الاتفاقيات بين منليك الثاني ملك أثيوبيا فيما عقدتها بريطانيا نيابة عن مصر وفقا لقاعدة الاستخلاف في القانون الدولي وورثت مصر المعاهدة لاحقا”.
خسائر مصر المتوقعة
يحذر خبراء مصريون وأجانب من التأثيرات السلبية على كل من مصر والسودان. ويقول خبراء في دراسات وأبحاث ومقالات مختلفة إن سد النهضة سيؤدي لعدة آثار سلبية منها انخفاض تدفق المياه، حيث سيقوم سد النهضة بتخزين المياه خلال موسم الأمطار وإطلاقها خلال موسم الجفاف (وهذا الأمر أصبح الآن رهن الإرادة الإثيوبية فقط) الأمر الذي قد يقلل من كمية المياه التي تتدفق إلى مصر والسودان في الأوقات الحرجة وهو أكثر ما يثير قلق البلدين.
في المقام الثاني، تعتمد كل من مصر والسودان على نهر النيل للري ويمكن أن يؤدي انخفاض تدفق المياه من سد النهضة إلى مشاكل في الري، مما قد يؤدي إلى تلف المحاصيل وتقليل الإنتاج الزراعي. ويقول علماء إن سد النهضة سيمنع هجرة الأسماك بين النيل الأزرق والنيل الأبيض. وقد يؤدي ذلك إلى تقليل أعداد الأسماك والإضرار بصناعة صيد الأسماك في مصر والسودان.
شاهد: الحل العبقري لأزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا
في هذا السياق يقول أحمد النجار الخبير الاقتصادي المصري، إنه لا يمكن لأحد أن يمنع إثيوبيا من بناء السدود لتوليد الكهرباء “فلا يستطيع أحد أن يجور على حق إثيوبيا في هذا الأمر، خاصة وأن النيل الأزرق بالتحديد لديه معامل انحدار مرتفع للغاية يصل إلى ستة عشر متر في الكيلومتر الواحد وذلك في أول مئة كيلو متر من مجرى النهر، وبعد ذلك في إجمالي مجرى النهر يصل معدل الانحدار إلى 1,5 متر لكل كيلو متر، ما يعني أن هناك مساقط مياه على طول مجرى النهر يمكن توليد الكهرباء منها من خلال السدود، لكن المشكلة تكمن في فترات الجفاف وكميات المياه المنصرفة من السد خلالها”.
وأضاف النجار، أن الاتفاقيات المتعلقة بالنيل الأزرق تقتضي التدفق الحر والكامل للنهر حتى يصل إلى مصر والسودان وفقا للمعاهدات القديمة في عام 1902 لأن إثيوبيا لديها كمية هائلة من مياه الأمطار، قد تتعدى 900 مليار متر مكعب إضافة إلى ثلاثين نهر إلى جانب اثنين وعشرين مليار مياه داخلية لا تستهلك منها إلا 10%.
وتابع: في حين أن مصر لا تملك اي مصدر للمياه إلا نهر النيل وخلال فترات الملء السابقة قامت مصر بسحب المياه من مخزون بحيرة ناصر في السنوات الماضية لكي تعوض ما تخصمه إثيوبيا من حصتها من خلال عمليات الملء السابقة بما فيها الملء الرابع”.
شاهد: هل يقرر الشعب المصري إنهاء مشكلة سد النهضة الإثيوبي؟
في هذا السياق، يتحدث خبراء عن سوء استخدام شديد للموارد المائية الداخلية في إثيوبيا وأن استغلالها بشكل علمي كان سيكفي أديس أبابا للزراعة والتنمية والاكتفاء بإقامة سدود لتوليد الكهرباء، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول الأهداف الاستراتيجية ووالسياسية الخفية وراء إنشاء إثيوبيا لسد بهذا الحجم الهائل.
وحذر خبراء مصريون من أن مخزون مصر من المياه في حالة حرجة.
شاهد: سد النهضة الإثيوبي.. مصر تستعد للحرب
أرقام غير واضحة
يقول خبراء ومحللون إن إثيوبيا تفرض ستارا من الغموض الشديد حول كل ما يتعلق بالسد، سواء كميات المياه المحتجزة خلفه أو المنصرفة منه أو كمية المياه اللازمة لإدارة توربيات المياه المولدة للكهرباء، بل وحتى الدراسات البيئية المتعلقة بالسد وتأثيراته سواء عليها أو على جيرانها وبالذات دولتي المصب.
ويقول علي هندي الباحث في مركز التقدم العربي للسياسات في لندن: “إننا حتى الآن لا نعرف كمية المياه التي احتجزت في الملء الرابع ولا يوجد أي تأكيد سواء من الجانب المصري أو حتى من الجانب السوداني بشأن حجم الفاقد .. ومن الجانب الأثيوبي فإن كل ما هو مطروح هو أنه بعد الملء الثالث كانت سعة الخزان خلف السد قد وصلت إلى اثنين وعشرين مليار متر مكعب لكن ما حجم المياه الآن؟ لا أحد يعلم”.
شاهد: سد النهضة وكشف المستور وراء تعنت إثيوبيا وإصرارها سرقة مياه النيل
ويرى هندي أن الإجراءات الأثيوبية جعلت مصر تلجأ لاتخاذ قرارات في غاية الأهمية لتقليل الفاقد من المياه لديها، وهي إجراءات ترى أثيوبيا أن مصر كان عليها تلجأ إليها منذ زمن طويل، أهمها قضية إصلاح الترع ومصارف المياه في مصر لأن المياه المهدرة من منظومة الترع الحالية كانت تصل لأكثر من تسعة عشر مليار متر مكعب، وأيضا لجأت مصر إلى إعادة تكرير واستخدام المياه مرة أخرى.
ويضيف الباحث والخبير الاريتري أن “مصر بدأت في التفكير باحتجاز المياه عند المصب أي قبل الدخول إلى البحر الأبيض المتوسط وإقامة أماكن لاختزان المياه في تلك المناطق وليس فقط في توشكا. بالتالي مجموعة الإجراءات هذه التي اتخذتها مصر تقول إن هنالك فعلا تغير في السياسة المائية المصرية نتيجة لبناء السد الأثيوبي واحتجاز المياه خلفه”.