تحقيقات

سد النهضة بين الطموح الإثيوبي والحذر المصري

كتبت: هند محمد عاد ملف سد النهضة الإثيوبي إلى واجهة الجدل الإقليمي من جديد، بعد تشغيل وحدات جديدة من التوربينات خلال الأسابيع الماضية دون تنسيق مسبق مع مصر والسودان. وبينما تؤكد أديس أبابا أن المشروع “تنموي” ويهدف لتوليد الطاقة، يرى خبراء مصريون أن التحركات الأحادية تحمل مخاطر جسيمة على الأمن المائي المصري، مشيرين إلى أن القاهرة تتعامل مع الأزمة بسياسات تجمع بين الدبلوماسية الرصينة والتخطيط المائي الداخلي لتعزيز مواردها وحماية حقوقها التاريخية في مياه النيل.

خبير مائي: إنجازات إثيوبية غير مكتملة

قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، إن تشغيل التوربينات الجديدة في السد “لم يتم كما أعلنت الحكومة الإثيوبية”، موضحًا أن أديس أبابا واجهت صعوبات فنية حالت دون تشغيل المنظومة الكهربائية بالكامل، ما اضطرها إلى فتح بوابات المفيض لتصريف كميات ضخمة من المياه دون إنتاج فعلي للطاقة.

وأضاف شراقي، أن رئيس الوزراء الإثيوبي “يتحدث بلهجة سياسية أكثر منها فنية”، مشيرًا إلى أن السد احتجز نحو 110 مليارات متر مكعب من المياه منذ بدء الملء، مما أثر على تدفقات النيل الأزرق وأحدث تغيرات واضحة في معدلات الفيضان داخل الأراضي المصرية والسودانية.

خبير استراتيجي: ضغوط خارجية وتوازنات إقليمية

من جانبه، أكد اللواء خالد عبدالوارث، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن مشروع سد النهضة لا يمكن فصله عن “توازنات إقليمية ودولية معقدة”، مشيرًا إلى وجود قوى خارجية تدعم الموقف الإثيوبي بهدف ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على مصر.

وأوضح عبدالوارث أن القاهرة تعاملت مع الأزمة بحكمة وهدوء من خلال محورين متوازيين:

ـ التحرك الدبلوماسي والقانوني لتأكيد حقوق مصر التاريخية في مياه النيل.

ـ تنفيذ مشروعات قومية كبرى لتعظيم الاستفادة من كل قطرة ماء، مثل تبطين الترع، ومحطات المعالجة، والتوسع في تحلية مياه البحر.

تحذيرات من تصريفات غير منسقة

وحذر خبراء من أن التصريفات غير المنسقة من السد تسببت في فيضانات مفاجئة ببعض المناطق المصرية خلال الشهر الماضي، بعدما تجاوزت كميات المياه المتدفقة من بحيرة السد 400 مليون متر مكعب يوميًا في بعض الفترات. وأشاروا إلى أن استمرار هذه السياسة دون تنسيق علمي أو إشراف دولي قد يؤدي إلى اختلالات مائية تهدد استقرار دلتا النيل والزراعة في الوجه البحري.

مصر بين الدبلوماسية والجاهزية الميدانية

وفي مقابل التصعيد الإثيوبي، تواصل مصر التمسك بالحلول السلمية والتفاوضية، مع استعدادها الكامل لأي سيناريو مائي محتمل. ويرى مختصون أن القاهرة استطاعت خلال السنوات الأخيرة إعادة بناء منظومتها المائية على أسس حديثة تجعلها أكثر قدرة على مواجهة التحديات، عبر خطط متكاملة تشمل الزراعة الذكية، وإعادة استخدام المياه، وتطوير البنية التحتية للري والصرف.

السيناريوهات المحتملة للمفاوضات

رغم الجمود النسبي في مفاوضات سد النهضة، يتوقع محللون مصريون أن تشهد الأشهر المقبلة تحركات دبلوماسية جديدة بفعل الضغوط الإقليمية والدولية، لا سيما في ظل تغير المناخ والاحتياج المتزايد للطاقة في إفريقيا.

1ـ العودة للمسار التفاوضي الشامل:
هناك مؤشرات على رغبة الأطراف الثلاثة في استئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الإفريقي وبمشاركة مراقبين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تتركز على آليات التشغيل أثناء فترات الجفاف والتعبئة السنوية.

2ـ التفاهمات الثنائية المتدرجة:
قد تتجه القاهرة وأديس أبابا إلى اتفاقات فنية جزئية مثل تبادل البيانات أو إنشاء نظام إنذار مبكر لتصريفات السد، ما يمهّد لاحقًا لاتفاق شامل.

3ـ استمرار الوضع الراهن:
في حال فشل المساعي الدبلوماسية، قد تبقى الأزمة في حالة جمود محكوم بضبط النفس، مع استمرار التشغيل الأحادي للسد وتركيز مصر على تحصين أمنها المائي داخليًا، وهو السيناريو الأكثر خطورة على المدى الطويل.

نحو اتفاق عادل يضمن الحق في التنمية والحياة

يؤكد الخبراء أن مستقبل السد لن يُحسم بعدد التوربينات العاملة، بل بقدرة الأطراف الثلاثة على التوصل إلى اتفاق قانوني شامل وملزم يوازن بين حق إثيوبيا في التنمية وحق مصر والسودان في الحياة.
ويجمع المراقبون على أن الشفافية والتعاون والاحترام المتبادل هي المفاتيح الوحيدة لضمان الاستقرار في وادي النيل لعقود قادمة.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى