تحقيقات

زوجة ثانية.. عُمر أطول أم همّ مُضاعف؟” تعدد الزوجات في ريف مصر بين الواقع والشرع والعاطفة

كتبت: هند محمد في قرى الريف المصري، لا تزال ظاهرة تعدد الزوجات قائمة، تثير جدلاً قديماً متجدداً بين من يراها حقاً شرعيًا ووسيلة لحياة أسرية مستقرة، ومن يعتبرها عبئاً اجتماعياً ونفسياً على الرجل والمرأة والأسرة بأكملها.

ففي الوقت الذي تتداول فيه بعض المواقع ووسائل الإعلام دراسات تقول إن “تعدد الزوجات قد يُطيل عمر الرجل”، باعتبار أن كل زوجة تضيف له جرعة من الحب والاهتمام، تتسع فجوة الواقع في القرى، حيث التعدد يُعد خياراً اجتماعياً محفوفاً بالتحديات، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية وغياب العدل أحياناً.

فما بين الطرافة التي تثيرها بعض الدراسات، والواقع المُعاش في القرى، وبين الرأي الشرعي وما تكشفه الإحصائيات، يسعى “الفلاح اليوم” من خلال هذا التحقيق إلى تقديم صورة شاملة لظاهرة تعدد الزوجات، عبر استعراض آراء علماء الاجتماع والنفس والدين، وتسليط الضوء على بيانات حديثة توضح مدى انتشار الظاهرة في الريف والمجتمعات القروية المصرية.

ظاهرة قائمة رغم التغيرات

وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت نسبة الرجال المتزوجين من أكثر من زوجة في مصر حوالي 6,5% عام 2023، بينما ارتفعت هذه النسبة إلى 11% في بعض قرى ومراكز الصعيد، في مقابل انخفاضها إلى أقل من 3% في المدن الكبرى.

ويؤكد الدكتور محمد عبدالعظيم، أستاذ علم الاجتماع الريفي بجامعة عين شمس، أن “التعدد في القرى لا يزال مقبولاً اجتماعياً في كثير من البيئات الريفية، وغالباً ما يرتبط برغبة الرجل في إنجاب عدد أكبر من الأبناء، خاصة الذكور، أو في حالة مرض الزوجة الأولى أو عدم قدرتها على الإنجاب”.

رأي علماء الاجتماع: “المرأة تدفع الثمن”

يضيف الدكتور عبدالعظيم أن “المرأة في حالات التعدد تكون هي الطرف الأضعف نفسياً ومجتمعياً، فغالباً ما تواجه ضغوطاً اجتماعية ومادية، خصوصًا إذا كان الزوج عاجزًا عن تحقيق العدل أو الإنفاق الكافي”.

وتشير الباحثة الاجتماعية أماني محمود إلى أن “التعدد في المجتمعات الريفية يحمل أحياناً طابع التفاخر الذكوري، لكنه في كثير من الأحيان يهدد استقرار الأسرة، ويؤدي إلى صراعات بين الزوجات، وقد يمتد التأثير إلى الأبناء”.

رأي علماء النفس: “الرجل ليس دائمًا المستفيد”

من جانبه، يرى الدكتور هشام يسري، أستاذ علم النفس بجامعة الزقازيق، أن “الفكرة القائلة بأن تعدد الزوجات يطيل عمر الرجل غير مثبتة علمياً بما يكفي، بل قد يكون العكس صحيحًا في بعض الحالات، حيث يتعرض الرجل لضغوط نفسية ناتجة عن الصراع بين الزوجات، ومشكلات الأبناء، وتحديات الإنفاق والعدل”.

ويضيف: “الزواج مسؤولية، وتكرارها لا يعني زيادة الحب أو الاهتمام، بل يتطلب مهارات نفسية عالية وقدرة على إدارة العلاقات المعقدة داخل الأسرة الممتدة”.

رأي الشرع: “التعدد مباح بشرط العدل”

في المقابل، يؤكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن “التعدد في الإسلام مُباح وليس فرضاً، وقد شُرع لتحقيق مصالح معينة، مثل كفالة الأرامل واليتامى، أو حل مشكلات اجتماعية مثل تأخر الإنجاب، لكن بشرط العدل التام بين الزوجات”.

ويشدد كريمة، على أن “العدل ليس مجرد واجب، بل شرط لصحة الزواج نفسه، وقد ورد في القرآن الكريم قول الله تعالى: ﴿فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة﴾”، لافتاً إلى أن كثيراً من حالات التعدد الحالية تفتقد لهذا الشرط الجوهري.

تجارب واقعية… بين الرضا والندم

في إحدى قرى محافظة المنيا، يقول الحاج مصطفى (55 عامًا) لـ”الفلاح اليوم“: “أنا متزوج من اثنتين منذ 18 سنة، وكل واحدة في بيت، والحمد لله فيه عدل. بس مش سهل، لازم الواحد يكون قادر مادياً ونفسياً”. بينما تحكي السيدة فاطمة (الزوجة الأولى) أن التعدد “كسَر قلبها في البداية”، لكنها “تقبلته حفاظاً على البيت والأبناء”، مؤكدة أن العلاقة الآن “مبنية على الاحترام”.

بين الدراسة والطرافة… الواقع لا يُجامل

الدراسات التي تشير إلى إطالة عمر الرجل بتعدد الزوجات لا تعني بالضرورة سعادة مُطلقة أو صحة نفسية أفضل، فالسياق الثقافي والاجتماعي يؤدي الدور الأكبر، وتبقى العدالة والقدرة على تحمل المسؤولية هما الفيصل بين حياة أسرية متماسكة وتجربة فاشلة تنتهي في ساحات المحاكم.

وأخيراً: تعدد الزوجات في الريف المصري ليس فقط “حقاً شرعياً” أو “مزحة اجتماعية”، بل هو واقع مُعقد يحمل في طياته الكثير من التحديات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، ويتطلب وعياً مُتبادلاً من الرجل والمرأة، وتطبيقاً صادقاً لقيم العدل، لا مجرد البحث عن الحب والاهتمام.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى