رئيس التحرير

رسالة لصديقي بشأن تداعيات سد النهضة علي المزارعين

د.أسامة بدير

بقلم: د.أسامة بدير

تلقيت عشرات المكالمات الهاتفية خلال الأيام القليلة الماضية، إضافة إلى مئات الشكاوى التى ترد إلى موقع “الفلاح اليوم” بشأن أزمة نقص مياه الرى التى يعانى منها المزارعين فى غالبية محافظات مصر خاصة ممن تقع حيازاتهم الزراعية فى نهايات الترع وقنوات الرى.

وطلب منى المزارعين تسليط الضوء على تلك المعاناه التى باتت تهدد زراعاتهم بالموت عطشا وتكبدهم خسائر فادحة.

ولأن طرح هذه الإشكالية ليس بالجديد على اعتبار أننا كأسرة تحرير تناولها فى صور شتى منها المقال والتقرير والتحقيق والشكاوى وغيرها من القوالب الصحفية، إلا أنها حتما سوف تتصاعد حدتها خاصة مع الزراعات الصيفية القادمة، رغم كل الجهود التى تبذل من قبل وزارتى الرى والزراعة، لكنها من وجهة نظرى يبدو أنها جهود متواضعة لا ترقى لحل الإشكالية التى أضحت تؤرق واقع ومستقبل آلاف المزارعين الذين بُح صوتهم تحت ضغط الخراب الذى ضرب المحاصيل التى يزرعونها وتعرضت للذبول والجفاف بسبب العطش.

كنت بالأمس فى زيارة لصديق عزيز، يتمتع بخصائص شخصية واجتماعية رائعة ويعد من النخب الوطنية العاشقة لتراب هذا الوطن، ودار بيننا حوار مفتوح بشأن تداعيات سد النهضة الإثيوبى على حصة مصر من مياه نهر النيل التى حتما سوف تتأثر خلال السنوات القليلة القادمة، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على الزراعة المصرية، وتداعياته الاجتماعية الاقتصادية على المزارعين؟.

لقد كان حوار راقى اتسم بالموضوعية والصراحة رغم اختلافى معه فى بعض النقاط وهذا أمر صحى، فنحن لسنا نسخ مكررة من بعضنا البعض، فلابد من طرح رؤى مختلفة من أجل إثراء الحوار قيمة ومعنى.

صديقى العزيز، تبنى وجهة نظر تقوم على أساس أن الحكومة تعاملت مع تلك الإشكالية بتحديات كبيرة، فبدأت فى إقامة عشرات من محطات التحلية لـمياه البحر من اجل توفير مياه الشرب وسد العجز الهائل المتوقع حدوثه إذا ما قررت إثيوبيا ملء خزان سد النهضة فى ثلاث سنوات فقط.

وأشار صديقى، إلى أن الحكومة شرعت فى بناء عشرات من محطات المعالجة الثلاثية لـمياه الصرف الصحى والزراعى من أجل تدوير هذه المياه واستخدامها مرة اخرى فى الزراعة، فضلا عن إقامة مشروع المفاعل النووى بالضبعة الذى سيوفر طاقة هائلة تحتاجها مثل هذه المحطات الخاصة فى تحلية المياه ومحطات المعالجة.

وأضاف صديقى، كل هذه الجهود التى تبذلها الحكومة ينبغى تسليط الضوء عليها ليعرف المزارعين أن الحكومة عازمة على علاج هذه الإشكالية وتوفير الموارد المائية اللازمة لـرى زراعاتهم تحسبا لأسوء سيناريو متوقع حدوثه جراء سد النهضة الإثيوبى.

لقد اتسم حديث صديقى بشأن إشكالية شح المياه اللازم للشرب والزراعة لملايين المصريين ربما بالتفاؤل المحفوف بالمخاطر، خاصة ونحن دولة حكومة وشعب لهما سمات خاصة كشفت عنها نتائج مشروعات وسلوكيات 6 عقود ماضية، تمثلت فى تفشى حزمة من القيم السلبية التى اصابت البنية التحتية والفوقية فى إدارة كثير من الملفات الحساسة وإسناد الأمر إلى غير أهله وإغفال التنبؤ بالمستقبل فى ظل تطورات وتغيرات متلاحقة فى جميع مناحى الحياة.

ولا شك أن قيم اللامبالاة والفهلوة وسطحية التفكير وغياب الرؤية والبصيرة الاجتماعية من المؤكد أنها جميعا سوف تؤثر بالسلب على تلك الجهود التى ستبذل فى المستقبل القريب، فليس بالنوايا الحسنة تعالج المشاكل وتنتصر إرادة الحل لكل ما يعانى منه المزارعين.

فقط أؤكد احترامى لحديث صديقى العزيز الذى أثمنه وأقدر كل ما جاء به وأتمنى أن تكون هذه المحطات سواء كانت للتحلية أو المعالجة واقع ملموس تشهده العين ليطمئن ملايين المزارعين على مستقبل الزراعة وعدم بوار أراضيهم.

والسؤال الذى يطرح نفسه الان بعد يقين صديقى العزيز بأن الحكومة اتخذت إجراءات صحيحة استعدادا لمواجهة نقص المياه المتوقع حدوثه بسبب سد النهضة: كم سيتكلف إنشاء هذه المحطات؟ وهل ستتم إدارتها وصيانتها بالشكل الذى يتيح لها إنتاج مياه آمنة للبشر وللزراعة؟ وما التكلفة التى سيتحملها المواطن والمزارع من أجل الحصول على هذه الخدمة اللازمة لاستمرار الحياة، خاصة ودراسات الجدوى تؤكد على التكلفة الباهظة لإنشاء وإدارة وصيانة مثل هذه المحطات ونحن شعب أضحى غالبيته تعانى ارتفاع تكاليف المعيشة وفقر مدقع بات ينهش فى واقع ومستقبل ملايين الأسر المصرية خاصة الريفية؟

وربما للحديث بقية مع صديقى العزيز..

للتواصل مع الكاتب

[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى