تقارير

درجة حرارة التربة.. العامل الخفي في نجاح الزراعة

إعداد: أ.د.خالد سالم

أستاذ بقسم البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية جامعة مدينة السادات

في خضم التحديات المناخية المتزايدة التي تواجه الزراعة حول العالم، برزت عوامل عديدة تؤثر بشكل مباشر في جودة المحاصيل وإنتاجية الأرض، من بينها درجة الحرارة، الرطوبة، نوع التربة، وكمية الأمطار. لكن يظل أحد العوامل “المنسية” أو التي لا تحظى بالاهتمام الكافي رغم أهميته القصوى: درجة حرارة التربة.

الصورة الشائعة لدى العديد من المزارعين أن ما يحدد توقيت الزراعة هو تقلبات الطقس أو درجات الحرارة الجوية، لكن الواقع يؤكد أن درجة حرارة التربة هي المحدد الأساسي لنجاح إنبات البذور ونمو البادرات بشكل صحي وسريع.

لماذا تعتبر درجة حرارة التربة مهمة؟

تتحكم درجة حرارة التربة في مجموعة من العمليات الحيوية، أبرزها:

  • نسبة وسرعة إنبات البذور: لكل نوع نباتي درجة حرارة مثالية للإنبات. إذا زُرعت البذور في تربة باردة، فإنها إما أن تتأخر في الإنبات أو تفشل كليًا.

  • نشاط الكائنات الحية الدقيقة: هذه الكائنات مسؤولة عن تحليل المواد العضوية وتحويل العناصر الغذائية إلى صور قابلة للامتصاص من قبل النبات. كلما كانت حرارة التربة مناسبة، زاد نشاط هذه الكائنات، وبالتالي زادت خصوبة التربة.

  • امتصاص الجذور للعناصر الغذائية: تتأثر قدرة النبات على امتصاص الفوسفور والنيتروجين والبوتاسيوم بحرارة التربة؛ حيث تصبح بعض العناصر أقل توفرًا عند انخفاض درجة الحرارة.

  • نمو الجذور وتطورها: يحتاج نمو الجذور إلى حرارة معتدلة. الحرارة الزائدة أو البرودة الشديدة تؤثر سلبًا على نمو الجذور واستقرار النبات.

أمثلة على متطلبات بعض المحاصيل

  • الذرة: تحتاج تربة بدرجة حرارة لا تقل عن 10 درجات مئوية للإنبات السليم.

  • القطن: يفضل أن تُزرع بذوره عند وصول حرارة التربة إلى 15 درجة مئوية على الأقل.

  • القمح والشعير: يمكن أن تنبت في درجات حرارة أقل نسبيًا (من 5 إلى 10 درجات)، لكنها تظل حساسة للفروقات الحرارية في مراحل النمو.

هذه الأرقام ليست ثابتة تمامًا، إذ قد تختلف حسب نوع التربة والرطوبة والموقع الجغرافي، لكنها تعطي مؤشرًا على مدى أهمية مراقبة هذا العامل عند التخطيط للموسم الزراعي.

كيف يمكن قياس درجة حرارة التربة؟

تُستخدم أدوات بسيطة مثل:

  • ميزان حرارة التربة (Soil Thermometer): يُغرس في التربة على عمق الزراعة المتوقع، ويتم أخذ القراءات في الصباح الباكر.

  • أجهزة الاستشعار الذكية: والتي توفر بيانات فورية على الهاتف الذكي أو الحاسوب، وتُستخدم في الزراعة الدقيقة.

من المهم أن تُؤخذ القراءات في نفس التوقيت يوميًا، وعلى عمق ثابت (مثل 5 أو 10 سنتيمترات)، للحصول على بيانات دقيقة.

التغير المناخي وتأثيره على حرارة التربة

مع تفاقم التغير المناخي، لم تعد درجات الحرارة الجوية وحدها هي التي تشهد اضطرابات، بل امتد الأثر إلى التربة نفسها. فقد أصبحت التربة أكثر عرضة للجفاف السريع، أو لتغيرات حرارية مفاجئة تؤثر على التوازن البيئي داخلها.

كما أن الانخفاض المفاجئ في درجات الحرارة خلال فترات النمو قد يُسبب ما يُعرف بـ”الصدمة الحرارية”، مما يؤدي إلى ضعف النباتات أو حتى موتها. لذا، فإن التكيف مع الظروف الجديدة يبدأ من متابعة دقيقة لدرجة حرارة التربة على مدار الموسم.

نصائح للمزارعين:

  • لا تتعجل الزراعة: ازرع فقط عندما تصل حرارة التربة إلى الدرجة المناسبة للمحصول المطلوب.

  • استخدم المهاد (Mulch): لتثبيت حرارة التربة وتقليل فقدان الرطوبة.

  • اعتمد على أدوات دقيقة: التكنولوجيا الآن تتيح قياسًا يوميًا بتكلفة بسيطة.

  • راقب التغيرات اليومية: خاصة في الفترات الانتقالية بين الفصول.

  • تعلم من التجربة: سجل درجات الحرارة ونتائج المحاصيل سنويًا لبناء قاعدة بيانات محلية تفيدك على المدى الطويل.

الموجز المختصر

في وقت تتجه فيه الزراعة نحو التحول الذكي والمستدام، تبرز درجة حرارة التربة كأحد العوامل المحورية التي لا يجب تجاهلها. إنها المفتاح الخفي وراء نجاح أو فشل موسم زراعي بأكمله. فكما أن البذرة لا تُثمر إلا في بيئة مناسبة، كذلك لا تنجح الزراعة دون تربة “دافئة بالقدر الكافي” و”باردة حين يلزم”.

إذا أردنا أن نضمن أمنًا غذائيًا مستدامًا، فعلينا أن نعيد النظر في علاقتنا مع التربة، ليس فقط كمصدر إنتاج، بل كمؤشر حساس يتطلب رعاية ومراقبة مستمرة. فدرجة حرارة التربة ليست رقمًا على ميزان، بل هي نبض الأرض الذي يُحدد الحياة في كل حبة زرع.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى