بحوث ريفية

دراسة: تراجع التماسك الأسري في الريف باستثناء صعيد مصر بسبب قوة الأعراف

كتب: د.أسامة بدير كشفت دراسة علمية حديثة عن تراجع ملحوظ في مستويات التماسك الأسري داخل عدد من المناطق الريفية بمصر، لاسيما في الوجه البحري والمناطق الساحلية، حيث أشار غالبية المشاركين في الدراسة إلى ضعف أو انخفاض واضح في روابط الأسرة وتماسكها.

وأوضحت الدراسة، التي حملت عنوان “الثقافة الريفية وآثارها على بعض جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية” (2025)، وأعدها فريق من خبراء الاجتماع الريفي بمركز البحوث الزراعية يضم الدكتور أحمد جمال الدين وهبة، والدكتور يسري عبدالمولى حسن رميح، والدكتورة سونيا محمد محيي الدين نصرت، أن الوجه القبلي شكّل استثناءً في هذا السياق، حيث أظهرت نتائج المشاركين منه استقرارًا واضحًا في التماسك الأسري.

وعزت الدراسة هذا الفارق إلى قوة الأعراف والتقاليد المتجذرة في صعيد مصر، التي ما زالت تؤدي دورًا محوريًا في ضبط سلوك الأفراد وتعزيز العلاقات الأسرية، في انعكاس مباشر لتأثير البيئة الثقافية على أنماط الحياة الريفية.

و”الفلاح اليوم” ينشر ملخص الدراسة كما ورد من معدّيها:

كثيرًا ما تفشل مشروعات التنمية الريفية نتيجة نقلها وتطبيقها كما هي في بيئات ونطاقات جغرافية مختلفة دون مراعاة لثقافات وأساليب هذه المجتمعات، لذلك فإن من أهم ضمانات نجاح هذه المشروعات هي مراعاة وفهم طبيعة وثقافات وأساليب حياة المجتمعات التي تُنفذ بها هذه المشروعات.

وتهدف الدراسة الحالية إلى محاولة الإجابة على التساؤل التالي: هل يؤثر اختلاف البيئات الثقافية الريفية على بعض الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، ومن ثم فرص نجاح أو إخفاق المشروعات التي تُنفذ في هذه الثقافات الجغرافية؟ وما هو حجم هذا التأثير ومستواه؟

وقد اعتمدت الدراسة على المنهج الاستقرائي (Inductive Approach)، كما استخدمت الأسلوب الوصفي (Descriptive Method) من خلال الأدوات الإحصائية البسيطة. وقد أُجريت الدراسة في ثلاث بيئات ثقافية ريفية مختلفة، وهي: الوجه البحري، والوجه القبلي، والمناطق الساحلية، على عينة من الريفيين بلغت 90 فردًا، موزعة بالتساوي على ثلاث محافظات هي المنوفية، والأقصر، وكفر الشيخ. كما ركزت الدراسة على 26 جانبًا اجتماعيًا واقتصاديًا، لرصد أثر اختلاف البيئة الريفية عليها. وقد جُمعت بيانات الدراسة بواسطة استمارة استبيان من خلال المقابلة الشخصية مع الريفيين، واستخدم في تحليل البيانات اختبار “مربع كاي”، بالإضافة إلى التكرارات والنسب المئوية. وقد أسفرت الدراسة عن النتائج التالية:

ـ أن ثقافة المجتمعات هي انعكاس لشخصية الأقاليم وتمايزها، فشخصية الأقاليم هي انعكاس لشخصية المكان، إلا أن تقدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد محا العديد من الملامح والخصائص المميزة لهذه الأقاليم.

ـ الغالبية العظمى من الريفيين في كل من الوجه البحري، والوجه القبلي، والمناطق الساحلية، يدركون الثقافة الريفية على أنها محصلة العادات والتقاليد التي تحكم سلوك الأفراد في البيئة الريفية، وهي مجموع الملامح والخصائص الفارقة التي تميز شعبًا من الشعوب.

ـ تميزت آراء النسب الأعلى من الريفيين بالوجه القبلي بالتحفظ أو الحيادية عند استطلاع آرائهم في مدى التغير الحادث في بعض الجوانب الاجتماعية والاقتصادية السلبية أو الإيجابية، وقد يرجع ذلك التحفظ إلى خوفهم من التعرض للأذى أو العقاب أو الشك في القائمين بالدراسة.

ـ أوضحت نتائج الدراسة أن النسب المئوية الثلاث المعبرة عن آراء الريفيين في المناطق الساحلية فيما يتعلق بمدى التغيرات الحادثة في بعض الجوانب الاجتماعية والاقتصادية (الإيجابية والسلبية والمحايدة) كانت متقاربة، وربما يرجع ذلك إلى الخصوصية الثقافية للمناطق الساحلية التي تمثل مزيجًا من سمات وأنماط لثقافات متعددة.

ـ كما بينت النتائج أنه بالنسبة للتماسك الأسري، أكدت الغالبية العظمى من الريفيين في كل من الوجه البحري والمناطق الساحلية أن مستوى التماسك قد انخفض أو ضعف، في حين أشارت الغالبية في الوجه القبلي إلى ثباته، وقد يرجع ذلك إلى قوة الأعراف الاجتماعية وتأثيرها على العلاقات الأسرية في صعيد مصر، وهذا انعكاس لتأثير البيئة الثقافية على سلوك الأفراد.

ـ تميزت مستويات الالتزام بتنظيم الأسرة بالارتفاع في البيئات الثقافية الريفية الثلاث، وقد يرجع ذلك إلى تعدد وتكرار طرح القضايا السكانية في وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي ألغى تأثير الفوارق الثقافية بين النطاقات الجغرافية المختلفة.

ـ اتسمت مستويات تعليم البنات بالارتفاع في البيئات الثقافية الريفية الثلاث، إلا أن مستوى التعليم في الوجه البحري تميز بالارتفاع النسبي مقارنة بكل من الوجه القبلي والمناطق الساحلية، وربما ارتبط ذلك بالمقدرة المالية الأعلى للريفيين في الوجه البحري، ما يدعم تباين تأثير الثقافات الريفية المختلفة على مستويات تعليم البنات.

ـ نظرًا لأن القرارات الأسرية هي قرارات جماعية، فقد اتسمت نسب المشاركة في اتخاذ هذه القرارات بالارتفاع النسبي في المناطق الجغرافية الثلاث (الوجه البحري، والوجه القبلي، والمناطق الساحلية)، وقد يرجع ذلك إلى زيادة وعي الريفيين نتيجة تقدم وانتشار وسائل المعلومات والاتصالات، مما أدى إلى تحسن وتطور خبراتهم، ومن ثم زيادة مشاركتهم في اتخاذ القرارات.

ـ كشفت نتائج الدراسة أنه لا توجد فروق معنوية ذات دلالة إحصائية لتأثير اختلاف البيئات الثقافية في مناطق الدراسة الثلاث على مستوى معيشة الريفيين، وربما يرجع ذلك إلى الارتفاع النسبي للأسعار الذي يعم الجميع.

ـ أظهرت الدراسة عدم وجود تأثير للبيئات الثقافية الثلاث على استخدام الإنترنت، وقد يرجع ذلك إلى عموم وانتشار استخدام الهواتف المحمولة في جميع المناطق.

ـ أوضحت نتائج الدراسة أيضًا عدم وجود تأثير لتباين واختلاف الثقافات الريفية الثلاث المدروسة على جودة الخدمة الإرشادية الزراعية، وقد يرجع ذلك إلى أن جودة الخدمة الإرشادية هي نتاج الجهاز الإرشادي الزراعي الحالي، والذي يحتاج إلى مزيد من الدعم والتطوير بغض النظر عن النطاق الجغرافي الذي ينتمي إليه.

ـ عدم انتشار تعدد الزوجات هو الوجه الآخر المقابل لارتفاع معدلات العنوسة، الأمر الذي قد يُعزى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة الحياة، وليس إلى تنوع أو اختلاف النطاقات الجغرافية الثلاث المدروسة.

ـ الانتماء للمجتمع هو محصلة لعوامل عديدة، منها المعنوي ومنها المادي، والذي قد يتوافر بنسب مختلفة من منطقة لأخرى، الأمر الذي قد يفسر اختلاف تأثير المناطق والنطاقات الجغرافية المتباينة على هذا الانتماء.

ـ حجم أو مستوى الاقتراض من البنوك أو الغير يرجع إلى طبيعة النشاط الاقتصادي في المنطقة، ومستوى المعيشة، والقيم والمعتقدات السائدة، وعوامل أخرى عديدة، وهي عوامل تختلف من منطقة إلى أخرى، مما قد يفسر وجود اختلافات أو فروق في مستوى الاقتراض وفقًا لاختلاف المناطق الجغرافية.

ـ أشارت نتائج الدراسة إلى وجود فروق واختلافات جوهرية في مستوى أو شدة الصراع والنزاع بين النطاقات الجغرافية، وقد يرجع ذلك إلى اختلاف العوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية بكل منطقة.

ـ ارتفاع معدلات الطلاق في البيئات الجغرافية الثلاث هو ترجمة وانعكاس لضعف التماسك الأسري، وانخفاض مستوى المعيشة، وزيادة حدة النزاع والصراع في القرية، وارتفاع معدلات البطالة في الريف.

ـ نظرًا لأن الثقافة الريفية هي محصلة العادات والتقاليد التي تحكم سلوك الأفراد وفقًا لإدراك الريفيين، فإن وجود فوارق واختلافات في تأثير البيئات الجغرافية المختلفة على انخفاض حالات زواج الأقارب يبدو منطقيًا نظرًا لاختلاف العادات والتقاليد في هذه المناطق، وكذلك اتساع دائرة استخدام الإنترنت، ومن ثم زيادة الوعي الصحي لدى الريفيين.

ـ انخفاض حالات التعاون بين الريفيين في البيئات الجغرافية المختلفة هو انعكاس لزيادة حدة الصراع والنزاع في الريف.

ـ المنزل الريفي نمط وعنصر ثقافي يتأثر بالبيئة الجغرافية المتواجد بها، ونظرًا لاختلاف البيئات الجغرافية المدروسة، فإنه من المتوقع اختلاف شكل المنزل الريفي بها، وهذا ما أظهرته نتائج الدراسة.

ـ زيادة معدلات الهجرة الداخلية والخارجية يمكن تفسيرها في ضوء ضعف التمسك بمهنة الزراعة والأنشطة المرتبطة بها، وكذلك في ضوء زيادة حالات التعدي على الأراضي الزراعية، فهي حلقات مترابطة تؤثر وتتأثر ببعضها.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى