رأى

حوكمة المياه والحفاظ على الموارد المائية المتاحة

أ.د/علاء البابلي

بقلم: أ.د/علاء البابلي

مدير معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة بمركز البحوث الزراعية وخبير المياه الدولي

تنقسم الموارد المائية التقليدية إلى مياه سطحية، ومياه جوفية، وتضم المنطقة العربية ثلاثة وعشرين حوضا نهريا تنتج عنها أنهار دائمة، أو نهيرات موسمية، أو أودية.

وتقوم عدة بلدان ذات معدلات سقوط أمطار شديدة التذبذب ومجاري مائية عابرة للحدود بـالاستثمار في مجالات تخزين المياه وشبكات نقلها، من أجل دعم الموارد المائية المتاحة واستدامتها، والحد من مخاطر الكوارث المرتبطة بـالمياه.

وتستعين بلدان أخرى وبخاصة تلك الواقعة في المناطق شديدة القحولة، ببناء السدود المائية. وعلى الرغم من المنافع الاقتصادية والاجتماعية للسدود المائية، فإنها قد أدت إلى انخفاض مستويات المياه وخصوبة التربة.

وتعتمد حتى البلدان الغنية إلى حد ما بموارد المياه السطحية اعتمادا كبيرا على المياه الجوفية لتلبية الطلب المتزايد، حيث تتغذى طبقات المياه الجوفية الضحلة والعميقة، سواء كانت داخل الحدود الوطنية أو عبرها، على مياه الأمطار والأنهار، أما المساحات الشاسعة التي تشغل أراضي بلدان عربية عديدة فتحتوي على موارد غير متجددة من المياه الجوفية أو طبقات المياه الجوفية الأحفورية.

وتُوظف هذه الموارد توظيفا رئيسيا في التوسع والتنمية الزراعية، وفي غياب التخطيط المتكامل في أغلب الأحيان. ولا يقتصر الاستغلال المفرط للمياه الجوفية على نضوب الموارد فحسب، ولكنه يدمر البيئة أيضا؛ إذ يؤدي تملح المياه إلى تجفيف منابع المياه الطبيعية، بالإضافة إلى تدهور أو تدمير الموائل والنظم البيئية.

وتشمل موارد المياه غير التقليدية تحلية المياه، ومعالجة مياه الصرف، وتجميع مياه الأمطار، واستمطار السحب، ومياه الصرف الزراعي. وتتصدر المنطقة العربية الساحة في مجال تحلية المياه عالميا، حيث تمتلك أكثر من نصف قدرات العالم في هذا الميدان.

وتشير التقديرات إلى أنه من المتوقع أن يزداد معدل إمداد المنطقة بـالمياه المحلاة من 1.8 في المئة إلى 8.5 في المئة بحلول عام 2025 ، وأن تتركز غالبية الزيادة المتوقعة في البلدان ذات الدخل المرتفع والمصدرة للطاقة، أي في دول الخليج تحديدا. وتُوصف تحلية مياه البحر بأنها من المعالجات كثيفة الاستهلاك للطاقة ورأس المال، على الرغم من التقدم التكنولوجي الذي قلل من تكلفة الإنتاج.

ومع ذلك، فمن شأن الاستثمار في البنية التحتية والبحث والتطوير المتعلقين بالطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى أن يقلل من تكلفة تحلية المياه، وأن يجعلها عملية أكثر استدامة؛ ويعود ذلك إلى تقليل محطات تحلية المياه من الضغط على الموارد المائية التقليدية، بيد أنها تؤثر تأثيرا ضارا على البيئة، بما في ذلك التلوث وانبعاثات الغازات الدفيئة.

ولمواجهة الطلب المتصاعد في المناطق الحضرية، تستخدم البلدان العربية بشكل متزايد مياه الصرف المنزلية المعالجة، حيث إن معالجة مياه الصرف التي يقدر حجمها بـ6.5 مليار متر مكعب سنويا، بل ويزداد توفر العديد من المزايا للبلدان العربية القاحلة.

فاحتمالية توافرها لا تقارن بالشكوك الملازمة لتوافر موارد المياه السطحية، كما أنها قادرة على إشباع جزء كبير من الطلب المتزايد على المياه بفعل التحضر والنمو السكاني. ولكن هناك عوامل عدة تعترض سبيل التوسع في إعادة استخدام المياه، ومن ضمن هذه العوامل الحواجز الاجتماعية، والعقبات الفنية، والقيود المؤسسية والسياسية. ومع هذا، ثمة حاجة إلي لوائح تتوخى حماية الصحة الإنسانية والبيئية.

وتجرب العديد من البلدان العربية تجميع مياه الأمطار واستمطار السحب. غير أن تحسين أساليب تجميع مياه الأمطار يتطلب وجود سياسة حكومية طويلة المدى تدعم مراكز البحث الوطني وخدمات الإرشاد، ووجود هياكل اقتصادية مؤسسية ملائمة، ومنظمات منتفعة) مثل الجمعيات والتعاونيات (، وبرامج تدريب للمزارعين واصحاب المراعي وطاقم خدمات إرشاد زراعي.

وقد سجلت تجارب استمطار السحب نتائج إيجابية، إلا أن نشوب نزاعات حول ملكية السحب ربما يكون من المخاوف المحتملة. وعلاوة على ذلك، تركز البلدان العربية وبالأخص مصر وسورية تركيزا شديدا على إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي. ولا سبيل إلى تحسين كفاءة إعادة استخدام المياه والحد من آثارها الملوثة سوى انتهاج سياسة طويلة المدى ورصد بيئي شامل.

وفي ظل زيادة النمو السكاني والطلب على الغذاء، اضطرت البلدان العربية إلى توفير المياه باستيراد السلع الزراعية التي تحتاج إلى كميات مياه ضخمة لزراعتها. ونظرا إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستورد نصف احتياجاتها من الحبوب، تبرز الحاجة هنا إلى تجارة المياه الافتراضية، حيث تضاعفت كمية المياه الافتراضية المستوردة إلى المنطقة من 147.93 مليار متر مكعب في عام 2000 إلى 309.89 مليار في عام 2010- 2011.

وتعتبر حوكمة المياه التي تركز على الاستدامة، والكفاءة في استخدام الطاقة، والاستثمار في تكنولوجيا المياه والبحث فيها وتطويرها من الضروريات اللازمة لتحقيق الحد الأقصى لتوفير المياه. ولا يمكن الاستغناء كذلك عن التنسيق الدولي والاتفاقيات الدولية؛ فما يزيد على ثلثي الموارد المائية السطحية يأتي من خارج المنطقة، فضلا عن أن عددا كبيرا من أنظمة المياه الجوفية يمتد بين البلدان العربية المتجاورة وعبر حدودها.

وغالبا ما توفر كل دولة احتياجاتها المائية من الأنهار أو طبقات المياه الجوفية المشتركة مع البلدان المجاورة، ومع ذلك، تفتقر معظم الموارد المشتركة إلى الاتفاقيات الدولية الشاملة. ولكن في ظل الضغط الذي تفرضه حاجة المنطقة لتوفير المياه، يصبح التعاون في إدارة شؤون الموارد المائية المشتركة أمرا حتميا لضمان استدامتها في خدمة التنمية الاجتماعية الاقتصادية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى