تقارير

حموضة التربة ودورها في كفاءة امتصاص العناصر الغذائية والأسمدة

إعداد: أ.د.خالد فتحي سالم

أستاذ بقسم البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية جامعة مدينة السادات

أ.د.خالد فتحي سالم

في عالم الزراعة الحديثة، كثيرًا ما تُسلَّط الأضواء على نوعية الأسمدة ومعدلات استخدامها وتوقيت إضافتها، باعتبارها مفاتيح الإنتاجية والجودة.
غير أن هناك عاملًا خفيًا، لكنه بالغ الأثر، يتحكم في مدى استفادة النبات من تلك الأسمدة، وهو درجة حموضة التربة (Soil pH).
إنها البوابة التي إمّا أن تُفتح لتتيح للعناصر الغذائية المرور إلى جذور النبات، أو تُغلق لتمنعها، مهما زادت كميات السماد المضافة.

ما درجة حموضة التربة ولماذا هي مهمة؟

تُقاس درجة حموضة التربة بمقياس pH من 0 إلى 14، حيث يشير الرقم 7 إلى التربة المتعادلة، وما دون ذلك يعني تربة حمضية، وما فوقه يعني تربة قلوية.
هذا الرقم البسيط يحدد مصير المغذيات داخل التربة، إذ يقرر ما إذا كانت العناصر قابلة للذوبان والامتصاص أم محبوسة وغير متاحة للنبات.
عندما تكون التربة حمضية جدًا (pH أقل من 5)، تُحتجز عناصر مهمة مثل النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم، فلا يستفيد منها النبات.
أما في الترب القلوية (pH أعلى من 7.5)، فتصبح العناصر الدقيقة مثل الحديد والزنك والمنغنيز والنحاس غير متاحة، رغم وجودها في التربة بكميات كافية.

الشاي نموذج حي لتوازن الحموضة

من المحاصيل الحساسة لدرجة الحموضة نبات الشاي، الذي يزدهر في بيئة حامضية معتدلة تتراوح بين 4.5 و5.5 درجة pH.
في هذا النطاق المثالي تبقى المغذيات قابلة للذوبان، وتعمل الكائنات الدقيقة النافعة بكفاءة عالية، وتظل الجذور قادرة على امتصاص العناصر بسهولة.
لكن عند انخفاض أو ارتفاع درجة الحموضة خارج هذا المجال، تتعطل عمليات الامتصاص، فتظهر أعراض نقص العناصر على شكل اصفرار الأوراق وضعف النمو وتراجع الإنتاجية.

كفاءة استخدام الأسمدة تبدأ من ضبط الحموضة

كفاءة استخدام الأسمدة (Fertilizer Use Efficiency) لا تتعلق بكمية السماد أو نوعيته فحسب، بل بقدرة النبات على الاستفادة منه فعليًا.
فعندما تكون درجة الحموضة غير مناسبة، فإن كثيرًا من العناصر المضافة عبر الأسمدة تبقى في التربة دون أن تدخل في الدورة الغذائية للنبات.
تشير الدراسات إلى أن ضبط pH التربة في النطاق المثالي يمكن أن يزيد كفاءة استخدام الأسمدة بنسبة 30 إلى 50%،
مما يعني إنتاجية أعلى، وتكلفة أقل، وأثرًا بيئيًا أقل نتيجة تقليل الفاقد من المغذيات.

الحموضة والتوازن الميكروبي

درجة الحموضة لا تؤثر فقط على الذوبان الكيميائي للعناصر، بل تمتد لتؤثر على النشاط الحيوي في التربة.
الكائنات الدقيقة التي تثبّت النيتروجين وتُحلّل المادة العضوية تزدهر في بيئة متوازنة،
أما في الترب الحمضية أو القلوية الشديدة، فيتراجع نشاطها، مما يبطئ دورة المغذيات ويقلل من خصوبة التربة على المدى الطويل.

علامات اختلال pH التربة

من أبرز المؤشرات التي تُنبّه المزارع إلى وجود خلل في الحموضة أو القلوية:

1ـ اصفرار الأوراق رغم التسميد الجيد.

2ـ تباطؤ نمو الجذور وضعف امتصاص الماء.

3ـ تراكم الأملاح البيضاء على سطح التربة.

4ـ انخفاض الاستجابة للأسمدة بشكل واضح.

هذه العلامات تستدعي إجراء تحليل دوري للتربة لتحديد درجة الحموضة ومستوى الصوديوم والأملاح قبل اتخاذ أي إجراءات تصحيحية.

الجبس الزراعي: الحل الذكي لتقليل القلوية واستعادة التوازن

عندما تكون التربة قلوية بشدة، فإن أحد أفضل الحلول وأكثرها أمانًا هو الجبس الزراعي (كبريتات الكالسيوم CaSO₄·2H₂O).
ورغم أن الجبس لا “يخفض” الرقم الهيدروجيني مباشرة كما يفعل الكبريت الزراعي، فإنه يؤدي دورًا حيويًا في إزاحة الصوديوم الزائد واستبداله بالكالسيوم، مما يُحسّن خواص التربة الكيميائية والفيزيائية.

آلية عمل الجبس

في الأراضي الصودية، يرتبط الصوديوم بجزيئات الطين مسببًا تماسكها، مما يقلل من نفاذية الماء والهواء ويزيد القلوية.
عند إضافة الجبس، يحل الكالسيوم محل الصوديوم في معقد التبادل الكاتيوني، ويتحول الصوديوم الذائب إلى Na₂SO₄، وهو ملح يمكن غسله بسهولة مع مياه الري،
فتتحسن بنية التربة وتقل القلوية تدريجيًا.

كمية الجبس المطلوبة حسب درجة القلوية

تختلف الكمية حسب درجة pH ونسبة الصوديوم المتبادل (ESP)، لكن الجدول التالي يقدم تقديرًا إرشاديًا:

درجة القلوية (pH) حالة التربة كمية الجبس المقترحة (طن/فدان) الملاحظات
7.8 – 8.0 قلوية خفيفة 1 – 2 طن تحسين دوري سنوي
8.1 – 8.5 قلوية متوسطة 3 – 4 طن يخلط مع التربة حتى عمق 20 سم
8.6 – 9.0 قلوية مرتفعة 5 – 6 طن يضاف على دفعتين مع غسيل التربة
> 9.0 قلوية شديدة (صودية) 6 – 10 طن تحديد دقيق عبر تحليل ESP

قاعدة عامة:
كل زيادة بنسبة 1% في ESP تحتاج تقريبًا إلى 1.7 طن جبس للفدان لتصحيحها.

طريقة الإضافة المثلى

ـ إجراء تحليل تربة قبل الإضافة لتحديد درجة القلوية ونسبة الصوديوم.

ـ فرد الجبس بالتساوي على سطح الأرض.

ـ حرث التربة بعمق 15–20 سم لخلط الجبس جيدًا.

ـ الري الغزير بعد الإضافة لغسل الصوديوم الذائب من منطقة الجذور.

ـ متابعة التحسن بعد 3 إلى 6 أشهر بإعادة التحليل.

نتائج استخدام الجبس

بعد معالجة القلوية بالجبس، تبدأ ملامح التحسن في الظهور تدريجيًا:

1ـ انخفاض قيمة pH إلى نطاق 7.5–7.8.

2ـ تحسّن تهوية التربة ونفاذية الماء.

3ـ نشاط ميكروبي أفضل وامتصاص أسرع للعناصر.

4ـ زيادة نمو الجذور واستجابة أعلى للأسمدة.

كما يمكن تعزيز فعالية الجبس بإضافة السماد العضوي المتحلل جيدًا، لأنه يساعد في تحسين بنية التربة وزيادة كفاءة التبادل الأيوني.

الموجز المختصر
اضبط الحموضة قبل أن تضيف السماد

يمكن القول إن درجة حموضة التربة هي الأساس الحقيقي لكفاءة الأسمدة.
فلا جدوى من زيادة معدلات السماد أو تغيير نوعه إذا كانت التربة لا تسمح بامتصاصه.
عندما تكون درجة الحموضة متوازنة، تعمل الأسمدة بذكاء أكبر، والجذور تصبح أكثر كفاءة، والمزرعة أكثر إنتاجية واستدامة.

لذلك، وقبل التفكير في رفع معدلات التسميد، ضع قاعدة ذهبية أمامك:
ابدأ دائمًا بتثبيت درجة الحموضة وتقليل القلوية.
فكل جرام سماد يُضاف إلى تربة متوازنة الحموضة يساوي أضعاف قيمته في تربة مختلة التوازن.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى