رأى

حق البحث العلمي الزراعي

أ.د/صلاح يوسف

بقلم: أ.د/صلاح يوسف

وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الأسبق

كان من الجميل التوقيع على اتفاقية حماية الأصناف النباتية الحديثة Union for the Protection of New Varieties of Plants (UPOV)، وبعضويتنا للاتحاد.. أصبحنا بموجب هذا نحمى الأصناف النباتية الأجنبية، وبالتالى زادت فرص استجلاب أصناف نباتية حديثة للزراعة بمصر للتصدير أو للإنتاج عامة محلى و/أو تصدير، وهذا يزيد فرص التصدير والمساهمة فى الاقتصاد القومى، وهذا شئ رائع يلزمه كثير من الجهود لتحقيق التوازن فى المعادلة.

أولا بموجب هذه العضوية فمنتجينا ومصدرينا يدفعون مقابل حقوق ملكية أو استخدام الاصناف الاجنبية، وهى مبالغ كبيرة يدفعها المنتج مجبرا أو عن طيب خاطر للشركات الأجنبية مبتكرة الصنف، ويظهر هنا للتساؤل الهام.. هل هناك منظومة حقيقية لإنتاج أصناف حديثة مصرية بحيث نحقق أيضا استفادة للاقتصاد القومى بأخذ حق ابتكار أو ملكية هذه الاصناف.

نحن أكبر مصدر للموالح فى العالم.. لا نملك صنف حديث نقتحم به الأسواق العالمية، وما كنا نملكه انتجناه منذ عقود طويلة جدا، لماذا لا يكون هناك رسم على كل طن موالح لصالح البحث العلمى المتعلق بانتاج أصناف مصرية جديدة، وهذا مجهود علمى ضخم يجب تنظيمه، نفس الكلام على البطاطس كأكبر محصول خضر نصدره للخارج ولا نملك صنف بطاطس واحد مصرى، ومثل هذا الكلام ينطبق على الفراولة التى لم نستفيد منها بالصنف البلدى وغيره لإنتاج أصناف ذات نكهة مصرية مميزة، أما العنب فكان لدينا أصناف لم نحميها وتتميز بنكهة الموسكات ولم نجتهد فى أن يكون لدينا خط واضح لاستحداث أصناف عنب.. والله حاجة تكسف أن يكون حولنا كيانات صغيرة تسبقنا فى هذا المجال بمراحل.. أما نخيل التمر فلقد حبانا الله بثروة قومية غير عادية من الاصناف، بعضها يسرق ويذهب إلى دول أخرى عربية وغير عربية ونحن لم نبذل الجهد الكافى بعد، ويمكن لنا بمجهود منظم أن يكون لنا أصناف كثيرة عالمية نأخذ حق ملكيتها وتساهم فى الاقتصاد القومى.

هذه مجرد امثلة على محاصيل ننتجها على مستوى عالمى بدون مجهود موازى لدعم البحث العلمى المصري الحقيقى المنظم لقيادة هذه المنظومة لضمان استمرارها وتقدمها وتطورها.

من جانب آخر.. لدينا مستوى راقى ومدارس علمية منظمة منذ ما يقرب من ثمانية عقود أو يزيد لانتاج أصناف مصرية من المحاصيل الحقلية مثل القمح والارز والذرة والقطن والكتان وفول السودانى والسمسم وغيرها من هذه المحاصيل، هذه الاصناف والسلالات تعانى الأمرين نتيجة تدهور البحث العلمى والتحاق مهندسين زراعيين بمركز البحوث الزراعية على مدى ثلاثة عقود اغلبهم لا يرتقون لتخطى بوابة المركز تم تعيينهم لمناسبات سياسية ومجاملات على حساب هذا المركز العريق، ونتج عن هذا وعن منظومة إدارة وزارة الزراعة فى تلك العقود تدهورا كبيرا فى المستوى العلمى والادارى بالمركز، وظل نشاط المركز العلمى قائم على الباحثين المخلصين المتميزين وهم يمثلون نسبة ربما أقل من ربع الباحثين بالمركز، وهذا يسبب بالتأكيد ضياع أو فقد أصناف وسلالات، ومراجعة الموقف الحالى من الاصناف والسلالات ووضع خطة للحفاظ عليها أصبح أمرا غاية فى الأهمية.

من جانب آخر فإن بنوك الجينات للاصناف النباتية والنباتات البرية وغيرها فدورها محورى وهام ويجب أن تنال اهتماما مختلف يليق بها.

ومن زاوية أخرى ننظر إلى بعض رجال المال الذين يوجهون سياسات الدولة الزراعية بشكل مباشر أو غير مباشر بما يخدم مصالحهم فقط موحين بغير ذلك وبالتعاون مع بعض التنفيذيين أو الباحثين أو السياسيين، فلابد أن تنتبه الدولة لهذا، ومثال ذلك جرم قانون الزراعة المصري خروج بذور القطن المصرية للمحافظة على تميز مصر باقطانها، وتسربت الاصناف، كما حمى القانون أصناف القطن بعدم زراعة أصناف قصيرة وحاول رجال الاعمال التسلل عبر عقود وكان الباحثون لهم بالمرصاد حتى نجحوا بشكل قانونى فى الاختراق إلى مناطق شبه معزولة وهى أصلا غير معزولة وينجح هؤلاء فى تدمير الاصناف المصرية لصالح مفاسدهم رافعين راية الوطن بغير حقيقة امرهم.

يجب وضع منظومة لحماية وتسجيل كل بذرة وشجرة على أرض مصر لأنها ثروة قومية عظيمة لو كنا نعلم.. لنا وللأجيال القادمة.

ما نتحدث عنه هو الحفاظ على ما نملك من ثروة زراعية من أصناف محلية واستحداث أصناف جديدة، وليس فقط اكثار تقاوى لا نملكها.

الموضوع بسيط.. هو حق البحث العلمى الزراعى فى توفير منظومة سليمة تكون ادارتها على اعلى مستوى، وبتمويل عالى يحسن ادارته واستغلاله، وبمعامل ومحطات بحثية على اعلى مستوى، وباحثين يتوفر لهم أدوات العلم والمعرفة والانفتاح على مدارس العلم فى العالم، ويتوفر لهم سبل معيشة مناسبة تفرغهم للبحث العلمى.. هى منظومة حقيقية تدار بمنهج علمى فنى حقيقى بعيدا عن كل التدخلات العقيمة والادارات العقيمة والمستشارين الذين ساهموا فى تدهور الزراعة والبحث العلمى على مدار عقود.

وأخيرا، يمكننا أن نتقدم على العالم فى كل المجالات بإذن الله من خلال إرادة حقيقية قوية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى