رأى

حفظ الأغذية بالإشعاعات النووية

د.جيهان رفاعى

بقلم: د.جيهان رفاعى

يعتبر حفظ الأغذية ذو أهمية كبيرة للحفاظ على مكونات الغذاء وقيمته الغذائية لأطول فترة ممكنة عن طريق منع نمو الكائنات الحية الدقيقة، منع حدوث التفاعلات الكيميائية غير المرغوبة مثل الأكسدة – التزنخ، منع حدوث أى تغيرات لونية غير مرغوبة أثناء حفظ المنتج، ويشمل حفظ الأغذية عادة منع كل ما يؤدى إلى تلف الغذاء وفساده.

وأهم طرق فساد المواد الغذائية فساد نتيجة الكائنات الحية قد تكون كائنات حية دقيقة مثل البكتريا، الفطريات، الخمائر أو قد تكون حشرات وقوارض… الخ أو فساد كيميائى ناتج من نشاط الإنزيمات والتى منها إنزيمات محللة للدهون، إنزيمات محللة للبروتينات، إنزيمات محللة للكربوهيدرات أو التلف الضوئي نتيجة لتاثير الضوء على بعض المكونات الغذائية.

ولو نظرنا إلى أهم مسببات الفساد لوجدنا أنها الكائنات الحية الدقيقة والفساد الكيميائى الناتج من نشاط الإنزيمات غير المرغوب فيها، أما عن الظروف التي تؤدى إلى نشاط مسببات الفساد فهي توفر درجة الحرارة المناسبة، المحتوى المائي للمواد الغذائية، وجود الأكسجين، درجة حموضة الوسط، توفر بعض العناصر الغذائية الهامة.

وقد بدأت فكرة تقنية تشعيع الغذاء منذ أكثر من ستين عاما ومرت بتجارب بحثية ودراسات مستفيضة لم تحظى بها أي طريقة من طرق حفظ الأغذية، وظلت دول الخليج طيلة الفترة السابقة تتابع بإهتمام شديد جميع المستجدات المتعلقة بإستخدام هذه التقنية خاصة مع تنامي إستخدامها على المستوى الدولي حيث أصبحت في الوقت الحالي مستخدمة في أكثر من أربعين بلداً في العالم.

فعلى سبيل المثال أجازت الولايات المتحدة الامريكية تشعيع الدواجن واللحوم المبردة وبعض الفواكه والبهارات، وأجازت فرنسا تشعيع الدواجن المبردة والجمبري والبهارات وأجازت إندونيسيا تشعيع البهارات والأرز وأجازت اليابان تشعيع البطاطس، كما أجازت بعض الدول العربية ومنها سوريا والجزائر تشعيع الدواجن والبطاطس والبهارات.

وتنص تشريعات الأغذية في بعض هذه الدول على وضع علامة في بطاقة المنتج تدل على تشعيع الغذاء، وقد إهتمت بموضوع تشعيع الأغذية عدة منظمات دولية كاللجنة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الصحة العالمية والمركز الدولي لتقنية تشعيع الأغذية بهولندا والمجموعة الإستشارية الدولية لتشعيع الأغذية والإتحادات والجمعيات الخاصة بالمستهلكين، وخلصت لجنة دستور الإغذية (الكودكس) إلى ان الأغذية المشععة تعتبر آمنة، كما خلصت لجنة خبراء سلامة الأغذية والتغذية التابعة لمعهد تقنية الأغذية والذي يعتبر المؤسسة الرئيسية في مجال علوم الأغذية بأمريكا إلى القول أن تشعيع الأغذية يعتبر آمناً وقد يفيد المستهلك في الحصول على أغذية عالية الجودة.

ويمكن تقسيم الطرق المختلفة المستخدمة في حفظ الأغذية إلى: طرق تعتمد على إستخدام المعاملات الحرارية، طرق تعتمد على تقليل المحتوى المائي للمنتجات، إستخدام المواد الحافظة في حفظ الأغذية، طرق تعتمد على التعبئة الجيدة للمنتجات في جو مفرغ من الهواء، الأكسدة بغاز ثاني أكسيد الكبريت لمنع نمو الفطريات على السطح، التشميع كما في حالة بعض أنواع الجبن لمنع نمو الفطريات، التدخين كما في بعض الأغذية، تصنيع المنتجات كأحد وسائل الحفظ مثل تصنيع اللبن إلى جبن بتركيز المكونات وتقليل المحتوى المائي، إستخدام الإشعاعات النووية في الحفظ.

ونتحدث في السطور التالية عن حفظ الأغذية بـالإشعاعات النووية، ويقصد بإستخدام تقنية التشعيع في حفظ الأغذية بتعرض الغذاء إلى أحد مصادر الطاقة الإشعاعية، إما من نظائر مشعة أو من أجهزة تنتج كميات محكمة من أشعة الإلكترون أو الأشعة السينية والتي تعمل على إمتصاص الغذاء لجرعة محددة وفعالة بهدف حفظ الغذاء وتقليل الفاقد وإطالة فترة صلاحيته بالقضاء على مسببات الفساد والتلف.

وتتميز طريقة الحفظ بالإشعاع بكونها سريعة وقليلة النفقات ولا تسبب أي أثر ضار للإنسان بدون رفع درجة حرارة الغذاء ولهذا السبب يطلق عليه بالتعقيم البارد، والفعل الحافظ للإشعاع هو تنشيط أو تحطيم خلايا البكتيريا والكائنات الحية الدقيقة الأخرى الملوثة للغذاء.

فعند مرور الإشعاع ونفاذه فإنه يعمل على تأين وتهيج ذرات المادة وينتج عن ذلك عملية تبديل وتحوير تتسبب في تكوين جزيئات كبيرة قاتلة داخل خلايا البكتريا والكائنات الحية الأخرى مما يتسبب في تحطيمها ويكون تأثيرة على التغيرات الكيميائية قليلا ولا يتسبب تأين وتهيج بعض ذرات مكونات الغذاء إكتسابها خاصية الإشعاع.

ويعتبر حفظ الأغذية بطريقة تعريض المواد الغذائية لجرعة مناسبة من الإشعاعات النووية أحدث طريقة إبتكرها الإنسان وهي تختلف عن وسائل الحفظ الأخرى مثل التجفيف والتجميد والبسترة التقليدية والتعليب والتبريد 000 إلخ.

وتنقسم طرق حفظ الغذاء بـالإشعاعات النووية إلى طريقتين هما البسترة بالإشعاع وتجري بإستخدام الجرعات المنخفضة من الإشعاع الذري لتأخير الفساد في بعض الأغذية الطازجة سريعة التلف مثل الأسماك والقشريات والدواجن وتخفيض أعداد الأحياء الدقيقة في البهارات والقضاء على بعــض البكتــيـريا مثل السالمونيلا والطفيليات وإطالة فترة صلاحية الفواكه مثل الفراولة بتاخير نمو الفطريات، التعقيم وهذه تتطلب إستخدام جرعات مرتفعة للقضاء على كافة الاحياء الدقيقة الموجودة في الغذاء، وتتم بتعرض المواد الغذائية نباتية كانت أم حيوانية لجرعات صغيرة من الإشعاعات النووية الصادرة من نظير مشع وهو يشبه عملية البسترة الإشعاعية إلا أن قيمة الجرعات التي تتعرض لها المواد الغذائية أكبر بكثير من تلك الجرعات المستخدمة في عملية البسترة الإشعاعية، وتشمل تطبيقات التشعيع أيضا الحد من الإصابات الحشرية بإستخدام جرعات منخفضة من التشعيع لقتل الحشرات في الحبوب والأغذية المخزنة الأخرى مثل التمور، وبالإمكان إحلال التشعيع لقتل الحشرات بدلاً من المواد الكيميائية المبخرة مثل إيثيلين ثنائي البروميد والذي سوف يحظر إستعماله دوليا لما يسببه من تلوث بيئي وأضراراً على طبقة الاوزن.

كما ان إستخدام التشعيع في هذه الحالة سوف يسهل من التبادل التجاري للمنتجـات الغذائية الزراعية بين الدول حيث أن كثير من الدول تمنع إستيراد الأغذية المصابة أو المشتبه في إصابتها بالحشرات خوفاً من دخول أو حدوث إصابات جديدة في بلدانها، وتقاس جرعة الإشعاعات النووية بوحدات تعرف باسم “راد”، وتستخدم في الطريقتين السابقتين جسيمات بيتا وأشعة جاما الصادرتان من نويات النظائر المشعة فضلاً عن إستخدامها للقضاء على الحشرات ومنع تنبيت المحاصيل النباتية فترة تخزينها، وعلى وجه العموم يفضل إستخدام أشعة جاما نظراً لقدرتها الكبيرة على إختراق المواد التي تتعرض لها.

وفي الحقيقة فإن حفظ الغذاء بهاتين الطريقتين الإشعاعيتين يجنبنا إستخدام المبيدات الكيميائية فضلاً عن أنهما وسيلة فعالة للقضاء على السالمونيلا وما يسببه من أمراض، كذلك أمكن حفظ كميات هائلة من الأغذية التي كانت تفقد نتيجة تعرضها للأوبئة والميكروبات المختلفة التي تفسدها، إذ أن حوالي 35% من المحصول الغذائي العالمي كان يفقد ولا يستفاد منه مطلقاً وذلك قبل إستغلال الذرة في حفظ هذه الكميات الهائلة.

وأمكن أيضا زيادة المحصول الغذائي، وبطبيعة الحال فإن هناك بعض الأغذية قد لا تصلح فيها إستخدام طريقة المعالجة الحديثة بـالتشعيع وهذا يوحي بضرورة الإبقاء على الطرق التقليدية للحالات التي لا يمكن إستخدام الإشعاعات النووية فيها، كما أن لبعض النظائر المشعة تأثيراً على نمو بعض النباتات ومن هذه النظائر الفوسفور الذي يتسبب في إعاقة نمو النبات.

مجمل القول هو أن البحوث المتعلقة بمعالجة المواد الغذائية نباتية كانت أم حيوانية بطريقة التشعيع النووي قد أثبتت جدواها ونجاحها المطلق بالإضافة إلى إمكانيات القضاء على الطفيليات وجراثيم التسمم الغذائي والميكروبات المرضية الأخرى مع المحافظة على القيمة الغذائية الموجودة في الغذاء النباتي أو الحيواني على السواء.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى