تحقيقات

حرب رجال الأعمال ضد الاكتفاء الذاتي من محصول القمح

كتبت: جهاد المسلمي فى ظل عالم يموج بالكثير من الصراعات وأخطرها حروب المياه العنصر الرئيسى المحدد للزراعة، والزراعة تعنى الحياة وعمارة الأرض خاصة عندما يكون المحصول الذى نتحدث عنه يمثل سلعة استراتيجية ومسألة أمن وطنى لملايين المصريين والدولة المصرية وهو محصول القمح.

والسؤال الذى أضحى يطرح نفسه بشكل ملح خاصة فى تلك المرحلة التى تمر بها مصر وسط تطورات متلاحقة تشهدها على صعيد سياساتها المائية التى تؤثر بشكل كبير بل وتعد عاملا محددا لسياساتها الزراعية: هل يمكن لمصر تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح؟، وطرح “الفلاح اليوم“، هذا السؤال على خبراء الزراعة فى مصر وكانت تلك آرائهم..

رجال الأعمال وزراعة القمح

اتهم الدكتور محمد حسن يوسف، استاذ بجامعة الاسكندرية والمحاضر بالمنظمة الدولية لتنمية التعاون الزراعي، بعض اصحاب رؤوس الأموال مثل نجيب ساويرس صاحب شركة النيل للسكر من أهم معوقات نهضة زراعة القمح بمصر، لأن شركات صناعة السكر من بنجر السكر تسعى لتقليل زراعة القمح وإقناع المزارعين بأن سعر القمح مقارنة بتعب الفلاح غير مجدى دون النظر للهدف الاستراتيجى من الاكتفاء من زراعة القمح حتى تزرع مساحة أكبر من بنجر السكر لان مواعيد زراعة القمح هى نفس الفترة التى يزرع بها بنجر السكر من شهر ٨ حتى ١٢ بثلاث عروات.

وأشار يوسف، إلى إن شركات بنجر السكر تدعم المزارع بتقاوى وأدوية مجانية خاصة مغذى نقص البورون وبإشراف مجاني من مهندسي الشركة.

وشدد، على أن جشع رجال الأعمال في تحقيق أرباحهم من استيراد القمح وإعدام الرسائل العلميه الخاصة باصناف القمح الجديدة وتطويرها وزيادة انتاجها دون النظر لمصلحة الوطن ولكن المهم جنى المليارات من الدولارات من صفقات الاستيراد.

وتابع، شرفت بالعمل علي زراعة القمح بمنطقة الساحل الشمالى بمدينة الحمام علي معدلات الأمطار ووصلت الإنتاجية لـ١٦ طن للفدان الصنف مصر١ دون مياه واعتمادا فقط علي مياه الامطار، لافتا إلى أن هناك أذرع تابعة للكيان الأمريكي تنفذ أهدافه بعرقلة الإنتاج المحلي للقمح، لكي تبقي مصر ثورا في ساقية المعونة الأمريكية.

وأضاف يوسف، عملت بمؤسسة المعونة الامريكية كمدرب اساسي لفترة وكانت تدعم زراعات كالطماطم والقنبيط وغيرها وعندما سالت لماذا لا ندعم القمح لم أجد ردا، مشيرا إلى كنا نعطى للمزارع ثلاثة آلاف جنيه عبارة عن شتلات طماطم وسلفات بوتاسيوم للفدان وقاموا بدعم الفدان بوجه بحرى و٨ الاف فدان بوجه قبلى.

وأكد، على أن زراعة القمح تفيد التربة وتزيد من خصوبتها عن طريق التبادل الكاتيونى وتبادل الشحنات السالبة مع الموجبة بين الجذور والتربة عكس بنجر السكر محصول مجهد للتربة ويجعلها فقيرة فى الدوبال، ولابد من زراعة محصول بقولى بعده لاعادة التربة لخصوبتها كالبرسيم.

وأوضح المحاضر بالمنظمة الدولية لتنمية التعاون الزراعي، أن زراعة القمح تجود في الاراضى الكلسية كمناطق مطروح وسيوة، لأن احتياجه للمياه متوسط والدليل انه يتحمل الجفاف ويزرع علي مياه الامطار وحسب الصنف فتم استحداث أصناف كثيرة تتحمل الجفاف والملوحة وموجودة حاليا فى محطة بحوث سخا.

سعر التوريد وزراعة القمح

وأكد الدكتور إبراهيم العريني، مدير البحوث الزراعية بشرق القناة، أن سبب عدم التوسع في زراعه القمح يرجع الي سعر التوريد الخاص بـالقمح والذي تتبناه الدولة يكون غير مجزي بالمقارنة بتكليف ومستلزمات الإنتاج، وأيضا ارتفاع أسعار الأسمدة الكيماوية حيث يحتاج محصول القمح للأسمدة الكيماوية (سوبر فوسفات، نترات، بوتاسيوم) ما يترك الفلاح فريسة لأنياب السوق الحرة.

وتابع، محصول القمح من المحاصيل التي تحتاج إلى أرض خصبة بها العناصر الغذائية في التربة وبالتالي لو تمت الزراعة في الأراضي الحديثه يمكن التعويض باضافه الأسمدة البلدية والكيماوية وبالتالي تكون تكلفة الإنتاج عالية، لافتا إلى أنه لابد من تبني الحكومة استقرار أسعار مستلزمات الانتاج ورفع سعر التوريد لتشجيع المزارع زراعة القمح.

وطالب مدير البحوث الزراعية بشرق القناة، باتباع نظام الدورة الزراعية، وتشجيع المزارع بتوفير مستلزمات الانتاج وارتفاع سعر التوريد بما يوازي حجم التكاليف مع هامش ربح، والتوسع في الزراعة مع أماكن الاستصلاح الجديدة بمساحات كبيرة في مشروع المليون ونصف فدان، والاهتمام من الدولة بالبحث العلمي ودعم مركز البحوث الزراعية لتوفير أصناف جديدة وكذلك دعم الحملات القومية للنهوض بمحصول القمح وتوفير الآلات والمعدات مجانا للمزارعين تحفيزا علي الزراعة.

القمح على حساب البرسيم

وقال الدكتور محمود سليمان، وكيل وزارة الزراعة بالفيوم، أن المحور الاول يتعلق بالأهمية الاستراتيجية للقمح، حيث يعتبر القمح من أهم المحاصيل الاستراتيجية لانه المصدر الرئيسي لغذاء الإنسان والحيوان علي مستوي العالم، لافتا إلى أن مصر تعتبر من أكثر الدول المستهلكة للقمح بينما المساحة المنزرعة من القمح في مصر لا تكفي الا 55% من الاستهلاك المحلي وعليه يتم استكمال هذه الفجوة بالاستيراد من الخارج.

وأكد سليمان، أنه من الممكن أن تصل مصر الي 80% في السنوات القادمة علي ان يتم زراعة مساحة لا تقل عن 4 ملايين فدان سنويا، وتجهيز المخازن والصوامع علي احدث نظام لتقليل الفاقد من التخزين في الشون الترابية.

وأضاف، من الممكن زراعة القمح علي حساب محصول البرسيم وذلك بزراعة اصناف البرسيم العالية الإنتاج لتوفير نصف المساحة المنزرعة برسيم واضافتها لمساحة القمح وتعويض هذه المساحة بالتوسع في استهلاك الأعلاف الجافة.

وكشف سليمان، أن هناك مصالح شخصية لحيتان الاستيراد تعرقل الاكتفاء الذاتي للقمح، وعليه يجب التوسع في زراعة القمح في الأراضي الجديدة باستخدام أساليب الري الحديثة.

وطالب وكيل وزارة الزراعة بالفيوم، بتوفير الإمكانيات المالية والتكنولوجية الحديثة وتشجيع الشباب والشركات الاستثمارية لزراعة القمح وزيادة أسعار القمح تشجيعا للمزارعين، والأهم أن تخلص النوايا من القيادات المسؤولة عن الزراعة.

ماراثون بين الاستهلاك والإنتاج

وقال الدكتور محمد نوفل، وكيل وزارة الزراعة ورئيس الادارة المركزية للاراضي والمياه والبيئة الاسبق، أن مصر تعتمد على حصتها الثابتة منذ عام 1959 من مياه نهر النيل، التى تبلغ 55,5 مليار متر مكعب سنويا فى رى المحصول وباقى الحاصلات الشتوية الحقلية ومحاصيل الخضر والفاكهة، وهذا الثبات فى كمية المياه يرتبط ارتباطا وثيقاً بالمساحة الزراعية فى مصر، التى تسمح بالتويع الافقى فى زراعة القمح.

وأشار نوفل، إلى أنه بذلك تكون المعادلة أكثر صعوبة فى ظل محدودية مياه الرى والزيادة السكانية المطردة، لذلك يوجد سباق ماراثونى بين معدل زيادة انتاج بين معدل انتاج القمح، ومعدل زيادة النسل.

وتابع، متوسط نصيب الفرد فى مصر من حبوب القمح سنويا يبلغ 160 كيلو جرام، فيكون احتياج مصر من القمح تحت تعداد سكانى مائة مليون نسمة، فإن الاحتياج يصل إلى نحو 16 مليون طن مترى من القمح، لافتا إلى أن وباعتبار ان مجهودات الدولة المتمثلة فى تطبيق حزمة التوصيات الفنية الصادرة من الجهات البحثية التابعة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، للنهوض بانتاجية محصول القمح ، ستؤدى إلى زيادة المساحة المنزرعة، فهل تستطيع الزيادة فى انتاج القمح تخطى الزيادة السكانية فى سباقهما المارثونى؟

وقد تكون الإجابة هى: حتمية ضرورة إعادة هيكلة النظام الزراعى فى مصر سياسياً واقتصاديا ووظيفيا، باتخاذ قرارات نحو زراعة القمح خارج حدود الوطن فى إطار اتفاقيات ثنائية، مع تعظيم الاستغلال الأمثل لجميع الموارد المائية المتاحة فى مصر.

الاكتفاء الذاتي من القمح ليس مستحيلاً

يقول الدكتور محمد عبدالحميد عابدين، الباحث في مجال وراثة وتربية النبات، أن مصر يمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، وهو أمر ليس بالغريب أو المستحيل، على اعتبار أن مصر ساهمت فى إنقاذ العالم كله من الموت أعوام المجاعة بزراعة القمح.

وأضاف عابدين، أن مصر تملك العقول البشرية التى تسطيع تحقيق حلم ملايين المصريين فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من محصول القمح، مشيرا إلى أن هؤلاء العلماء الحقيقيين أفنوا أعمارهم في حقول القمح والذين تعلموا أيضا في أفضل معاهد ومراكز بحوث القمح في العالم ومازال العطاء مستمراً جيل يسلم جيل ينقلون علمهم وخبرتهم لأبنائهم من شباب الباحثين سواء في الوراثة أو التربية أو الإنتاج أو مقاومة الأمراض والآفات.

وتابع، خاض هؤلاء العلماء حروباً ضارية ضد الأمراض والآفات التى تصيب محصول القمح للوصول بالانتاجية لمعدلات عالية جداً مع جودة المنتج الخالي من الأمراض والأصداء وهو مانتج عنه تسجيل العديد من الأصناف المصرية المميزة لدى مركز البحوث الزراعية التي تحقق إنتاجية عالية بالمعاملات الزراعية الجيدة تصل إلى 30 أردبا للفدان سواء في قمح الخبز أو المكرونة.

وأشار عابدين، إلى أن الفجوة الغذائية في إنتاج القمح تصل اكثر من النصف 52% يتم تعويضها باستيراد باقي الاحتياج من الخارج، حيث أننا ننتج فقط كمية تقدر بـ8 ملايين طن من مساحة من الأرض التى تبلغ 3,5 ملايين فدان سنويا وهي مساحة قليلة جداً ويعود ذلك لعزوف كثير من المزارعين عن زراعة القمح لأسباب عديدة منها: السعر البخس الذي تشتري به الحكومة الأردب منهم مقارنة بالسعر العالمي للقمح الذي يتم الاستيراد، وزراعة البرسيم وهو المحصول المنافس في عروة الشتاء لتغذية الماشية حيث لا يقتنع المزارع بأي أعلاف اخري جافة خلاف البرسيم الطازج لما له من فوائد لصحة الحيوان وانتاجه من الألبان ومشتقاتها كما أنه يحقق له منافع كثيرة.

وأوضح الباحث في مجال وراثة وتربية النبات، أن الحلول العلمية تنقسم لشقين الأول: هو عودة الدورة الزراعية المنظمة مع تفعيل الزراعة التعاقدية حتي لا تستهلك التربة لأن القمح محصول نجيلي مجهد وتعاقبه لعدة دورات يؤدي لضعف الإنتاج كل موسم عن السابق.

والثاني: هو زيادة الإنتاجية بالتوسع الأفقي أن يتم تشجيع الاستثمار في المناطق المستصلحة حديثا واستخدام طرق الري المحوري علي مساحات وهو يحتاج امكانيات من توفير آبار عملاقة ورشاشات محورية ذات قدرة عالية وهي لا تتوفر مع أفراد أو شباب خريجين ويلزم دخول القطاع الخاص والشركات الزراعية بقوة وتقديم مغريات وتسهيلات لها لزراعة القمح وأيضا البرسيم سواء العادي أو الحجازي علي مساحات في ارض الواحات والوادي الجديد وتوشكي وشرق العوينات والظهير الصحراوي لمحافظات الصعيد.

وحذر الباحث في مجال وراثة وتربية النبات، من استمرار الوضع الحالي كما هو دون تغيير وتطبيق الحلول العلمية فستزيد المشكلات وتتفاقم في ظل نقص المساحة وبالتالي قلة الانتاج وزيادة الاستيراد لتوفير الاحتياج الكامل من القمح ليواكب الزيادة السكانية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى