رئيس التحرير

ثلاثون جنيهاً تهز القلوب… حين انتصرت كرامة سيدة مُسنة على الحاجة

بقلم: د.أسامة بدير

في زحام البنوك وصفوف الانتظار، قد تمر مئات الوجوه دون أن نلحظ قصصها، لكن أحيانًا تتوقف اللحظة أمام موقف يختصر كل معاني الحياة.

كنت شاهد عيان على هذا الموقف الإنساني، فقررت أن أكتب هذه السطور لتكون شاهدًا مؤثرًا على انتصار الكرامة الإنسانية على كل معاني الحاجة، ولتذكرنا أن العزة لا تحتاج ثروة، وأن القلوب الكبيرة تسكنها الأرواح العفيفة، لا الحسابات البنكية الضخمة.

في أحد فروع البنك الأهلي، كانت القاعة تعج بالمنتظرين، وبينهم سيدة مُسنة جلست بهدوء وملامحها تحكي عن سنين مرّت بثقلها. حين سألها أحد الموظفين عن سبب انتظارها، أجابته في بساطة مُوجعة: “باقيلي من معاش المرحوم جوزي 30 جنيه، ومش عارفة أسحبهم من الماكينة… عايزة أدخل البنك أسحبهم”.

لم تكن تطلب صدقة ولا تسولاً، بل أرادت فقط حقها، ثلاثين جنيهاً تمثل لها ما لا نتخيله، ربما دواء، أو لقمة، أو حتى شعوراً بأن ما تبقى لها من حياة لا يزال محفوظ الكرامة. وعندما قال لها الموظف أن تحاول سحب 20 جنيهاً من الماكينة وتترك العشرة للجولة القادمة، ردت بعفوية طفلة وصدق أم: “طيب ممكن تدوني العشرة جنيه دلوقتي وأبقى أديهالكم المرة الجاية؟”

كلماتها البسيطة اخترقت القلوب قبل الآذان، وأمام مشهدٍ إنساني بهذا النقاء، انهالت عليها المساعدات من الواقفين، كلٌ مد يده بقدر استطاعته: 50، 200، 500 جنيه… لكن الأعجب من كرم الناس كان في ردها: رفضت كل ذلك، سحبت فقط العشرين جنيهاً ومضت في طريقها.

لم يكن المشهد مجرد لحظة عابرة في طابور بنك، بل صفعة على وجه غفلتنا، وتذكير قاسٍ بأن ما نعتبره “مبلغاً زهيداً” قد يكون طوق نجاة لغيرنا. كانت تلك السيدة درساً متحركاً في القناعة والكرامة، في العفة عن السؤال، في احترام النفس رغم ضيق الحال.

ثلاثون جنيهاً كانت كفيلة بأن تذكرنا جميعاً بقيمة النعمة التي في أيدينا، وبأن الكرامة لا تُقاس بالحسابات البنكية، بل بما في القلب من عزة، وما في النفس من رضا.

في زمن طغت فيه الماديات، لا تزال هناك نفوس تشع نقاءً، ووجوه لا تعرف سوى الكرامة…
لعلنا نتعلم.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يدعونا هذا الموقف الصعب حقا الي ضز
    ضرورة البحث عن أدوات حقيقة وواقعية للتكافل الاجتماعي خصوصا تلك الحالات الغنية بالكرامة والكبرياء وعزة النفس كما قال الله تعالى في كتابه لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)
    شكرا لسرد هذا الموقف لعله يكون نور لكثير من الناس التي الفت النعم وآخرون تركوا القناعة والرضى وآخرون تاهوا في خضم الحياة المادية
    وندعو الله سبحانه وتعالى أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى