«تفلة المُولت».. كنز غذائي مُهمل يتحول إلى مُكون واعد في الصناعات الغذائية
إعداد: د.ريهام عادل حبليزه
باحث مساعد بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – مركز البحوث الزراعية
ينتمي الشعير (Hordeum vulgare) إلى الفصيلة النجيلية، وقد استُخدم قديمًا كمصدر لتغذية الإنسان، حيث كشفت الدراسات الأثرية عن زراعته في إيران منذ عام 8000 قبل الميلاد. وهو نوع من الحبوب القديمة تطور من حبوب غذائية إلى حبوب علفية. ويُعد الشعير أحد أهم محاصيل الحبوب المزروعة عالميًا، إذ بلغت مساحته 54 مليون هكتار، وبلغ إنتاجه الإجمالي 152 مليون طن متري في عام 2010. ويُستخدم الشعير المُخمّر خصيصًا لإنتاج البيرة والمشروبات الكحولية الأخرى.
وقد ثبت أن الشعير مصدر جيد للألياف الغذائية القابلة للذوبان وغير القابلة للذوبان، وخاصة بيتا جلوكان (β-D-glucan) متعدد السكاريد. وأظهرت الدراسات الغذائية التي أُجريت على بيتا جلوكان وجود صلة بين استهلاكه المنتظم وعدد من الفوائد الصحية، بما في ذلك انخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب المزمنة عن طريق خفض نسبة الكوليسترول في الدم وزيادة استجابة الأنسولين لدى مرضى السكري. لذلك، تواجه صناعة الأغذية تحديًا في إنتاج أغذية جديدة قائمة على الشعير تكون صحية وتلبي احتياجات المستهلك.
علاوة على ذلك، يحتوي الشعير على العديد من فئات المركبات الفينولية، مثل مشتقات حمض البنزويك وحمض السيناميك، والبروأنثوسيانيدينات، والكينينات، والفلافونولات، والكالكونات، والفلافونات، والمركبات الفينولية الأمينية. كما ارتبط استهلاك الفينولات المرتفع بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وبعض أنواع السرطان. ويكشف المحتوى الوفير من المركبات الفينولية في الشعير عن كونه مصدرًا غذائيًا ممتازًا لمضادات الأكسدة الطبيعية للوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة.
يمكن الحصول على مستخلصات طبيعية من المركبات الفينولية ذات النشاط المضاد للأكسدة العالي بعد عملية ما قبل التحلل المائي وإزالة اللجنين من قشور الشعير. وكانت المنتجات الأحادية الرئيسية، بدرجات متفاوتة من النشاط المضاد للأكسدة، والمستخلصة من جزء اللجنين القلوي القابل للذوبان الناتج عن الاستخلاص باستخدام هيدروكسيد الصوديوم، مرتبة تنازليًا حسب وفرتها: الفانيلين، السيرينغالدهيد، حمض البارا-كوماريك، البارا-هيدروكسي بنزالدهيد، حمض الفيروليك، حمض السيرينغيك، حمض البارا-هيدروكسي بنزويك، حمض الفانيليك، والأسيتوفانيلون.
لتحضير الشعير للتخمير، يُنظف ويُصنف حسب الحجم، ثم يُنبت في عملية إنبات مُتحكم بها، مما يزيد من المحتوى الإنزيمي للحبوب. وتتم عملية الملت على ثلاث مراحل: (1) النقع، (2) الإنبات، و(3) التجفيف أو الحرق. أثناء النقع، توضع حبوب الشعير المُنظفة في خزانات تحتوي على ماء بدرجة حرارة تتراوح بين 5 و18 درجة مئوية لمدة يومين تقريبًا، حتى يصل محتوى الرطوبة في الحبوب إلى ما بين 42 و48%. يُغير ماء النقع كل 6–8 ساعات، ولا يُعاد تدويره. يُحفز الترطيب الإنبات ويؤدي إلى تنشيط أيض الأليورون.
بعد النقع، يُنقل الشعير إلى وعاء إنبات، حيث يُقلب بواسطة مخاريط لولبية، ويُحافظ على اتصاله بتيار هواء رطب يتدفق عبر فراش الحبوب، مع الحفاظ على درجة حرارة بين 15 و21 درجة مئوية. تُعزز هذه المرحلة تخليق وتنشيط الإنزيمات مثل الأميليز والبروتياز وبيتا جلوكاناز. وفي نهاية عملية الإنبات، التي تستغرق عادةً 6 أو 7 أيام، يُجفف الشعير المُنبت عند درجة حرارة تتراوح بين 40 و60 درجة مئوية إلى نسبة رطوبة تبلغ 4–5%، لتجنب التلوث الميكروبي وإنتاج مكونات النكهة، ثم يُخزَّن لمدة 3 أو 4 أسابيع للوصول إلى التجانس.
خلال هذه العملية، يتحول النشا إلى سكريات قابلة للتخمير (خاصة المالتوز والمالتوريوز) وسكريات غير قابلة للتخمير (الديكسترين)، وتتحلل البروتينات جزئيًا إلى بولي ببتيدات وأحماض أمينية. تُنتج مرحلة التحويل الإنزيمي سائلًا حلوًا يُعرف باسم نقيع الشعير. ويُرشَّح هذا النقيع من خلال الجزء غير القابل للذوبان، وهو ما يُعرف بـ”تفلة المولت”.
تفلة المولت (Spent Malt أو Spent Grain)
هي المخلف أو البقايا الصلبة الناتجة بعد استخلاص مستخلص المولت من الحبوب المنبتة. وهي عبارة عن الأجزاء الصلبة المتبقية من حبوب الشعير بعد إنباتها وتجفيفها (لإنتاج المولت) ثم طحنها وخلطها بالماء الساخن لاستخلاص السكريات القابلة للتخمير، ثم ترشيح السائل، ويُسمى “Wort”، لفصله عن البقايا الصلبة. ما يتبقى من هذه العملية هو تفلة المولت.
تُعد تفلة المولت مكونًا جديدًا يمكن استخدامه بنجاح في تصنيع منتجات الألبان الوظيفية، إذ تُعد مصدرًا جيدًا للعديد من المركبات مثل البروتين، الدهون، الرماد، الألياف الغذائية، الكربوهيدرات، الفينولات، الفلافونويدات، الأملاح، الأحماض الأمينية، والعديد من المركبات ذات الفعل المضاد للأكسدة.
وتُعتبر تفلة المولت المخلف الأكثر إنتاجًا في الصناعات المتخمرة. ورغم اقتصار استخدامها سابقًا على تغذية الحيوانات، فقد بذلت مؤخرًا جهود كبيرة لاستخدامها كمصدر غني بالأحماض الفينولية. وتمتاز هذه التفلة عن غيرها من المدعمات الغذائية بانخفاض تكلفتها وارتفاع قيمتها الغذائية والصحية، فهي غنية بالمركبات الفينولية التي توفر للغذاء خصائص مضادة للأكسدة، إضافة إلى احتوائها على الأحماض العضوية والسكريات.
التركيب الكيميائي لتفلة المولت
أظهرت نتائج التحليل الكيميائي لتفلة المولت احتواءها على:
ـ بروتين: 20.86%.
ـ كربوهيدرات: 51.33%.
ـ ألياف: 12.17%.
ـ دهون: 4.34%.
ـ رطوبة: 7.40%.
ـ حموضة: 0.32%
ـ الرقم الهيدروجيني (pH): 7.01.
المحتوى الفينولي في تفلة المولت
تتميز تفلة المولت بارتفاع محتواها من:
ـ حمض الفريوليك: 1197.051 مجم/100جم.
ـ حمض السينابيك: 127.7978 مجم/100جم.
ـ حمض السيناميك: 49.7094 مجم/100جم.
ـ حمض البروتوشاتشيك: 39.9584 مجم/100جم.
ـ حمض الجاليك: 29.9649 مجم/100جم.
ـ الكومارين: 17.7463 مجم/100جم.
محتوى الكربوهيدرات في تفلة المولت
ـ سكريات مختزلة: 1.21%.
ـ سكريات غير مختزلة: 0.25%.
ـ ألياف قابلة للذوبان: 3.44%.
ـ ألياف ذائبة في الحامض: 13.62%.
ـ لجنين: 5.58%.
ـ بكتين: 2.51%.
ـ بيتا-جلوكان: 1.95%.
ـ نشا: 28.7%.
ـ ألياف غير قابلة للذوبان: 32.92%.
ـ ألياف غذائية كلية: 24.76%.
ـ سليلوز: 10.97%
ـ هيميسليلوز: 14.24%.
محتوى السكريات في تفلة المولت
ـ سكروز: 34.59 ملجم/100جم.
ـ أرابينوز: 31.51 ملجم/100جم.
ـ فركتوز: 2.969 ملجم/100جم.
العناصر المعدنية في تفلة المولت
ـ منجنيز: 0.02 ملجم/100جم.
ـ كالسيوم: 199 ملجم/100جم.
ـ فوسفور: 588 ملجم/100جم
محتوى الأحماض الأمينية في تفلة المولت
تحتوي تفلة المولت على:
ـ أحماض أمينية غير أساسية: 66.04%.
ـ أحماض أمينية أساسية: 33.69%.
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.