تحقيقات

تعديلات قانون الزراعة: “أول مرة في تاريخ مصر يُحبس الفلاح لأنه يزرع أرضه”

■ وزارة الزراعة لم تضع تركيب محصولي مناسب للمزارعين بديلا للأرز 

■ النقابات الفلاحية ترفض تعديلات قانون الزراعة وتعتبره غير دستوري

■ حرمان المزارع السمكية من 6 مليارات متر مكعب من مياه الصرف الزراعي للأرز 

كتب: هيثم خيري استيقظ الفلاحون على وقع خبر جديد بإجراء تعديلات “تاريخية” على قانون الزراعة رقم 53 الأسبوع الماضي، وغلظت العقوبات على المخالفين بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبالغرامة التي لا تقل عن 3 آلاف جنيه، ولا تزيد عن 20 ألف جنيه عن الفدان الواحد أو كسور الفدان أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما يحكم بإزالة المخالفة على نفقة المخالف.

التعديلات اعتبرها العديد من القانونيين والمزارعين تاريخية، بتوقيع عقوبة حبس الفلاح لأنه يزرع أرضه، بعدما درجت العادة على حبس المزارعين الذين يقومون بتبوير الأرض.

إجراء التعديلات على المادتين رقم 100 و101 أثارت انتقادات واسعة من قبل المزارعين، إلا أن عددا كبيرا ممن استطلعنا آراءهم ناشدوا الرئيس عبدالفتاح السيسي بتعطيل المادة 101 لحين دراسة الأمر أكثر، ووضع خطة من قبل وزارتي الزراعة والري لإيجاد بدائل لمزراعي الأرز.

الصورة على الأرض لا تبشر بخير، فـالفلاحون يعيشون أياما صعبة باقتلاع الأراضي المشتولة بـالأرز بأيديهم، كما يقول محمد عسكر، من كبار المزارعين بمركز كفر البطيخ بمحافظة دمياط: خرج المزارعون لتوهم من صدمة توريد القمح بأسعار زهيدة فدخلنا في مشكلة زراعات الأرز، وبعد أن بدأت في شتل بعض المساحات من أرضي بـالأرز اقتلعتها بيدي لا بيد الحكومة، بعدما سمعنا عن حملات إزالة الزراعات المخالفة وتعديل قانون الزراعة.

ويقول علي عبدالعاطي، المزارع بمركز الحامول بكفر الشيخ، إنه فوجئ بمنع زراع الأرز عن أرضه كما هو الحال في الكثير من أرجاء المحافظة دون سابق إنذار ودون وضع تخطيط بديل لأراضينا، مضيفا: “والله العظيم مستعد أزرع أرضي بعيدان الخشب إذا كانت الحكومة هاتستلمه، إنما المشكلة أن وزارة الزراعة لم تعطنا أي بدائل لزراعة الأرز، كما أن أراضينا معروفة بأنها مطبلة وشديدة الملوحة وتحتاج لغسيلها أولا بأول بزراعة الأرز“.

ويبدو غريبا توقيت صدور التعديلات القانونية وقرار وزارة الري بالمناطق التي سيتم زراعة الأرز فيها بعد أيام من بدء زراعة الأرز، بحسب قول حسام عبد المغني، المزارع بمركز الحامول، قائلا أن الفلاحين بدأوا منذ أسبوعين في شتل الأرز، والآن تأتي حملات الزراعة وترش مبيدات الحشائش لقتل الأرز، وكان الأولى بـوزارة الزراعة أن تمنحنا البدائل لا أن تعدم زراعاتنا، خاصة وأن إنتاجية الكثير من المحاصيل الأخرى ستكون ضعيفة لأنها مزروعة في أراض مالحة.

رفض النقابات الفلاحية

أما حسين أبوصدام، نقيب الفلاحين، فيوضح أن القانون صدر بشكل متسرع وبدون دراسة كافية لآثاره، خاصة وأن الزراعات الأخرى لن توفر المياه حسبما تعتقد الوزارة، كما أنها ستؤثر على المحاصيل الاستراتيجية التي يتم تصديرها.

ويضيف قائلا أن تعديلات القانون الجديد تتعارض مع قانون الزراعة التعاقدية الصادر منذ عام 2015، والذي ينص على ضرورة التعاقد على المحصول قبل زراعته، فـالفلاح أصبح مجبرا على زراعة الذرة دون تعاقد مسبق على ذلك، وفي حالة زراعة الذرة فلن يستطيع الفلاح بيعها، لأن الحكومة لم تقرر شراءها منه قبل.

وانتقدت النقابة العامة للفلاحين الزراعيين موافقة مجلس النواب بشكل نهائي على القانون، ويقول الحاج عماد أبوحسين نقيب الفلاحين الزراعيين، أن التعديلات الجديدة لم تنصف الفلاح وقاسية للغاية وستؤثر بالسلب على أسرهم. واستطرد قائلا: “العقوبات التى أقرت بالمشروع “هتخرب بيت الفلاحين”، وهناك ظلم وقع عليهم جراء تلك التعديلات التى أقرها أعضاء البرلمان الذى من المفترض أن يكون مدافعا عن الفلاح وليس ضده، متسائلا عن دور أعضاء لجنة الزراعة حيال هذا المشروع الجائر – بحسب وصفه – ولماذا لم ترفض اللجنة هذا التعديل أو على الأقل تخفف من بنوده ونصوصه التى تم إقرارها؟

وأوضح أبوحسين، أن التعديلات الجديدة كان الأولى بها أن تنص علي أنه فى حالة تكرار المخالفة يتم مضاعفة الغرامة المالية مع إزالة المخالفة، إلا أن الحكومة وأغلبية النواب أصرو على إضافة نص الحبس الجوازى فى العقوبة، مشددا على أنه بدلا من التفكير فى سجن الفلاح كان الأجدى زيادة الدعم الموجه له فى الموازنة الجديدة وعودة الدورة الزراعية والسعى لاستخدام سلالات جديدة سواء الأرز أو القمح.

وقال النوبى أبواللوز، الأمين العام لنقابة الفلاحين الزراعيين، أن موافقة مجلس النواب على مشروع القانون المُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الزراعة الصادر بالقانون 53 لسنة 1966، اتخذه محافظ الأقصر الدكتور محمد بدر ذريعة لتهديد الفلاحين والمزارعين داخل المحافظة، حيث أعطي المحافظ تعليمات مشددة للمسئولين عن الزراعة بعمل محاضر فورية للمخالفين وحبسهم وتغريمهم طبقا للتعديلات الجديدة، مؤكدا أنه سيتم حبس أى فلاح أو مزارع بالاقصر يخالف تعليمات الحكومة.

وناشد أمين نقابة الفلاحين الزراعيين الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بالنظر لأوضاع الفلاحين المعيشية وإعادة النظر في تعديلات القانون أو تأجيل القرارات المبنية عليها من قبل وزارتي الزراعة والري لحين توفيق أوضاع المزارعين بوضع تركيب محصولي مناسب للأراضي التي ستخرج من مجال زراعة الأرز أو الموز أو القصب.

القانون والبرلمان

يرى الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون العام، أنه وفقا للتغيرات الاقتصادية والاستراتيجية في الدولة، وبعد أزمة سد النهضة، وتراجع حصة مصر من المياه، كان على الحكومة والبرلمان أن تبحثا عن حلول بديلة تستطيع من خلالها ترشيد الاستهلاك وفقا للضرروة التي تقتضيها الحاجة الزراعية، لذلك كان على الحكومة أن توصى بإصدار هذا التشريع، وأن تطلب من البرلمان إقرار القانون للحد من الأفراط في استهلاك المياه بالصورة التي تضر بأمن مصر المائي، وبالفعل استجاب البرلمان للتشريع الذي يستهدف وضع تنظيم قانوني وتحديد ضوابط بأماكن زراعة بعض الحاصلات الزراعية دون البعض الآخر في توقيات وأماكن معينة، وفق قرارات وتعليمات مسبقة من الوزارة المعنية، والسياسة التشريعية تستهدف الحد من استهلاك المياه والحفاظ على مقدرات الدولة واستمرار وجود المياه في النيل.

وتابع بالقول: إن القانون يهدف لتحقيق الردع الخاص للمزارعين المخالفين لقرارات الوزارات المعنية فيما يتعلق بتحديد الحاصلات الزراعية، وتحديد استهلاك المياه، إلا أن توقيع عقوبة الحبس مع الغرامة مخالف للدستور من جهة وللمبادئ الدستورية لاسيما فيما يتعلق بمبدأ تفريد العقوبة بحيث يصبح لكل جريمة عقوبة واحدة وليس الغرامة والحبس معا، أما المخالفة الدستورية الثانية فتتعلق بالحق في الزراعة وحرية الفلاح في اختيار المحصول الذي يزرعه ومواعيده.

وأبدى أستاذ القانون العام تخوفه من أن يترتب على التعديلات القانونية أن يتوقف الحق في زراعة بعض الحاصلات الزراعية على موافقة الوزارة، ومن الممكن أن تأتي هذه الموافقة بصورة تخالف الواقع، في صورة محاباة أو مجاملات لأصحاب أراض أو مناطق دون غيرهم، لأنه ليس لها ضوابط واضحة، وأن الأمر متروك برمته للسلطة التقديرية للوزير، لذا فمن الوارد أن يدخلها شبهة الفساد الإداري والتنظيمي.

واختتم كلامه بقوله: لأول مرة في تاريخ مصر يصبح هناك عقوبة حبس للفلاح لأنه يزرع أرضه، كنا نعرف دوما أن عقوبة الحبس لمن يضر بالأرض أو يبورها، وليس لمن يريد أن تستمر حياة الأرض أو على من يريد أن يحيي الأرض ويزرعها وينميها.

المحاصيل المنافسة

ويؤكد الدكتور محمد علي فهيم، مدير مركز التغيرات المناخية بـوزارة الزراعة، أن الدولة لديها محددات مهمة وبناء عليها اتخذت القرارات الجذرية الصعبة بمنع زراعة المحاصيل الشرهة للمياه على مستوى محدد، لكن المشكلة أن القرار تم اتخاذه بصورة مفاجئة على النحو الذي اتخذت به، لأن وزارة الزراعة لم تضع حتى الآن تركيبا محصوليا مناسبا للمزارعين الذين سيقلعون عن زراعة الأرز باعتباره المحصول الصيفي الأكثر ربحية.

وتابع قائلا أن نحو مليون فدان من الأراضي التي كانت تزرع بـالأرز سنويا ستخرج من حلبة الزراعة، والمحصول الصيفي المنافس هو الذرة الأقل ربحية، وبالتالي قد يحجم المزارعون عن الذرة طالما أن الحكومة لم تتعاقد معهم على استلامه مثل القمح، فضلا عن أن الأرز لم يكن مجرد زراعة إنما تقوم عليه العديد من الصناعات مثل التبييض والمضارب واستغلال قش الأرز كعلف للحيوانات في الكثير من المحافظات، كما أن مياه الصرف الزراعي الناتجة عن زراعة الأرز كانت تقوم عليها صناعة كاملة أخرى لا تقل أهمية عن الأرز وهي المزارع السمكية، وبالتالي سيواجه أصحاب المزارع السمكية مشكلات كبرى في الحصول على مياه للاستزراع السمكي بعد عدة أشهر من الآن، خاصة وأن قانون المزارع السمكية يمنع الاستزراع على المياه العذبة ويقضي باستغلال مياه الصرف الزراعي في المزارع، وبالتالي سيخرج من هذه الحسبة نحو 6 مليارات متر مكعب مياه كانت توجه للأرز ثم فائضها يوجه للمزارع.

وأضاف فهيم: “الفلاح مكوي ولن يزرع بالخسارة مجددا، والحكومة لم تمنحه دعما ولم تضع له التركيب المحصولي الأمثل ولم تحفزه بأي صورة على الزراعة، فما الذي نتوقعه من المزارعين؟

زراعات مربحة

ويوضح أن هناك بعض المحاصيل الصيفية المناسبة مثل فول صويا الذي أصبح مربحا جدا ويزرع في محافظات الصعيد الآن على نطاق واسع، خاصة وأن زراعته تحتاج لأجواء حارة، حيث قفزت المساحات المزروعة به من 100 ألف فدان إلى أكثر من 250 ألف فدان بعد تحرير سعر الصرف وارتفاع سعره في الخارج، ولكن يبقى أن فول الصويا مناسبا لمحافظات الصعيد فقط، في حين تم منع مساحات هائلة عن زراعة الأرز في محافظات الوجه البحري التي تحتاج المناطق المتشاطئة للبحر المتوسط لزراعة الأرز على وجه التحديد لتقليل ملوحة التربة، وأصحاب هذه الأراضي هم الذين سيعانون أشد المعاناة بسبب هذه القرارات بلا دراسة كافية، بمعنى أن غياب المياه عن الأراضي القريبة من البحر المتوسط لفترة طويلة سيتسبب في مشاكل كبيرة للأراضي، حيث تتضاعف معدلات البخر في أشهر الصيف وتتبخر المياه وتبقى نسب الملوحة العالية في التربة، مما يؤدي لزيادة التملح في الطبقة الأرضية، وللأسف فالدولة معذورة في قرارها والفلاح أيضا، وكان أجدى أن يتم مناقشة الأمر أكثر وطرحه على الجهات البحثية المعنية للبت فيه ووضع تركيب محصولي مغاير، مشيرا إلى أن وزارتي الزراعة والري لم يرجعا إلى مركز بحوث التغيرات المناخية المسئول الأول عن متابعة التغيرات المناخية على المستوى الزراعي في مصر.

وتوقع في الوقت نفسه منع بعض المحاصيل الشتوية في مقدمتها القلقاس الشره للمياه، فضلا عن تحديد مساحات الموز.

البرلمان يبرر

النائب رائف تمراز، نائب رئيس لجنة الزراعة والري بمجلس النواب، يسوق أسبابا عديدة لإقرار تعديلات القانون التي يراها تصب جميعها في صالح الفلاحين أنفسهم، لأن المادة 101 التي تقضي بحبس الفلاحين المخالفين تحد من بعض المتغولين على مياه النيل في أوائل الترع، وبالتالي لا تصل مياه الري إلى نهايات الترع وتتسبب في مشاكل كبيرة، وأن الدولة تسعى لزراعة المحاصيل بنسب محددة وهذا لا يعيبها في شيء.

ويضيف قائلا أن بعض المزارعين يقومون يروون الأراضي الصحراوية بالغمر ورغم ذلك يواجهون غرامات كانت ضئيلة للغاية ويدفعون 20 جنيه مقابل الغرامة، مشددا على أن القانون الجديد لن يأتي أبدا على الفلاح الصغير، وأن من سيتأثرون به هم “المافيا” على حد وصفه.

ويوضح أن هناك لائحة داخلية للقانون تنظم التغريم والحبس وأن العملية لم تترك “سداح مداح” لسلطات وزيري الزراعة والري، وخاصة فيما يتعلق بزراعات الأرز والموز، أما القصب فلا مساس به نهائيا، وأن تقنين عملية زراعة الأرز تهدف لزراعة ما يحقق الاكتفاء الذاتي لمصر فقط بدلا من تصديره للخارج بما يعني تصدير المياه بصورة ضمنية.

وفي الوقت نفسه يطالب وزارة الزراعة بإيجاد زراعات ومحاصيل بديلة للفلاحين الذين سيحرمون من زراعة الأرز خاصة في الأراضي المالحة، بمعنى وضع صيغة جديدة للزراعة التعاقدية.

واختتم بالقول: “الفلاح لا يزرع أزر على سبيل التعنت، وإنما لا يجد محصولا مناسبا لأرضه.. فهل يتركها تبور أم يزرعها بمحصول موصى به بإرشادات تحددها وزارة الزراعة حتى يتمكن من استكمال العملية الإنتاجية؟”.

تعديلات قانون الزراعة

تبقى الإشارة إلى تعديلات القانون، حيث نص مشروع القانون المادة الأولى يستبدل بنصوص المواد ( 1- 2 – 101 ) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 النصوص الآتية: مادة (1) “لوزير الزراعة بقرار منه، بعد التنسيق مع وزير الموارد والري، أن يحظر زراعة محاصيل معينة في مناطق محددة”. مادة (2) لوزير الزراعة بالتنسيق مع وزير الموارد المائية والري، أن يحدد بقرار منه مناطق لزراعة محاصيل معينة دون غيرها من الحاصلات الزراعية، وله أن يستثني من ذلك مزارع الوزارة والحقول الأخرى التي تستعمل للتجارب والإكثارات الأولى للمحاصيل”. مادة (101): “يعاقب كل من خالف أحكام القرارات التي تصدر تنفيذا لإحدى المواد (1-2-3-4 /أ,ب,ج ,د , 21 فقرة أولى) من هذا القانون بغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه عن الفدان أو كسور الفدان، ويحكم بإزالة المخالفة على نفقة المخالف.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى