تحمّض البحار والمحيطات.. الخطر الصامت الذي يُهدد الحياة البحرية ومُستقبل الكوكب
روابط سريعة :-
إعداد: د.سماح أحمد قاسم
باحث بالمعمل المركزي لبحوث الثروة السمكية – محطة البحوث الزراعية بالعريش
تشكل حموضة البحار والمحيطات تهديدا كبيرا للحياة البحرية والنظم البيئية، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي نتيجة الأنشطة البشرية. تؤدي هذه الظاهرة إلى انخفاض درجة حموضة المحيطات، مما يؤثر سلبا على الكائنات البحرية التي تعتمد على أيونات الكربونات ومعادن كربونات الكالسيوم لبناء أصدافها وهياكلها العظمية.
تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك
إن تداعيات حموضة المحيطات تمتد بعيدا، حيث تشمل إعاقة نمو الشعاب المرجانية، والإضرار بيرقات المحار، وتقليل كتلة العوالق ذات الهياكل الجيرية. وتزداد المخاطر على الكائنات الحية في البيئات الهشة داخل شبكات الغذاء، خصوصا في المناطق القطبية وشبه القطبية وأعماق البحار والمناطق التي تشهد تيارات صاعدة. وتعتمد شدة التأثير ومدى تعرض الكائنات الحية للخطر على مدى تكيفها مع التغيرات الكيميائية في المياه.
ما تحمض البحار والمحيطات؟
يُعرف تحمض البحار والمحيطات بأنه الانخفاض التدريجي في درجة حموضة المياه بسبب امتصاص ثاني أكسيد الكربون (CO₂) من الغلاف الجوي، وهو أحد الغازات الدفيئة الرئيسية المسؤولة عن تغير المناخ. وتمتص المحيطات نحو ثلث إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية، مما يؤدي إلى تغيرات كيميائية تُعرف بتحمض البحار والمحيطات.
أسباب تحمض البحار والمحيطات
يحدث تحمض البحار والمحيطات أساسا بسبب امتصاص المحيط لكميات زائدة من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الأنشطة البشرية، مثل حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات. وعندما يذوب ثاني أكسيد الكربون في مياه البحر، يتفاعل مع الماء ليشكل بيكربونات (HCO₃⁻) وبروتونات (H⁺)، مما يؤدي إلى انخفاض درجة الحموضة وتغير في توازن الكربونات في المحيطات.
ورغم قدرة المحيطات على امتصاص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، فإن المعدل الحالي للامتصاص يفوق قدرة التخزين الطبيعية، مما يؤدي إلى تغيرات كيميائية عميقة تؤثر على النظم البيئية البحرية.
أهمية توازن درجة حموضة البحار والمحيطات للحياة البحرية
يحمل توازن درجة حموضة المحيطات أهمية كبيرة بالنسبة للحياة البحرية، حيث يؤثر بشكل مباشر على نمو الكائنات البحرية وقدرتها على البقاء. ويمكن أن تؤدي التغيرات في مستويات الحموضة إلى إضعاف عمليات التكلس، وتعطيل انتقال الصوت تحت الماء، وتهديد وجود العديد من الكائنات الحية.
تأثير تحمض البحار والمحيطات على الكائنات البحرية
يؤثر انخفاض تركيز أيونات الكربونات بشكل خاص على الكائنات المتكلسة التي تعتمد على كربونات الكالسيوم (CaCO₃) في بناء أصدافها وهياكلها العظمية، مثل الشعاب المرجانية، والمحار، والعوالق الجيرية. ويعيق هذا التغير الكيميائي قدرتها على إنتاج وصيانة هياكلها، مما يجعلها أكثر عرضة للتحلل تحت الظروف الحمضية.
ويمتد تأثير هذه الظاهرة إلى شبكة الغذاء البحرية، حيث تتأثر الكائنات غير المتكلسة والمصبات الساحلية والممرات المائية. كما أن تحمض المحيطات يُلحق أضرارا جسيمة بالشعاب المرجانية، مما يؤدي إلى تدهور الأنظمة البيئية التي تدعمها. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 4000 نوع من الأسماك تعتمد على الشعاب المرجانية كمصدر للغذاء والمأوى.
وعلاوة على ذلك، من المتوقع أن يؤدي تحمض البحار والمحيطات إلى تأثيرات سلبية على العديد من الأنواع البحرية، مما قد يغير سلاسل الغذاء البحرية ويؤثر على إمدادات الغذاء للبشر. كما أنه قد يقلل من الحماية الطبيعية التي توفرها الشعاب المرجانية ضد العواصف، ويؤثر على السياحة البيئية وغيرها من الفوائد الاقتصادية.
ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة تحمض البحار والمحيطات
من الضروري اتخاذ إجراءات فورية ومشتركة لمعالجة هذه المشكلة المتفاقمة. ولا يقتصر الحل على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، بل يشمل أيضا تنفيذ تدابير للتخفيف من التأثيرات المباشرة لتحمض المحيطات. ومن خلال اتخاذ خطوات استباقية، يمكننا حماية النظم البيئية البحرية وضمان استدامة التنوع البيولوجي الثمين.
يعد التعاون الدولي والتدابير الوقائية ضروريين لمواجهة تحمض البحار والمحيطات، وهو تحدٍ عالمي له آثار بعيدة المدى على الحفاظ على التنوع البيولوجي والتنمية المستدامة والاقتصاد. ورغم عدم وجود معاهدة دولية موحدة تستهدف تحمض البحار والمحيطات بشكل مباشر، فإن الحل العملي يكمن في تعزيز الاتفاقيات البيئية القائمة وتطوير استراتيجيات جديدة لمكافحة هذه الظاهرة.
ومن الواضح أن معالجة تحمض البحار والمحيطات تتطلب جهدا متكاملا يجمع بين التعاون الدولي، والابتكار في الحلول، والالتزام العالمي بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. فقط من خلال العمل المشترك، يمكننا حماية محيطاتنا وضمان استدامتها للأجيال القادمة.