رأى

تحرير الجينوم النباتي: ثورة خضراء في مواجهة الأمراض.. هل تلحق بها مصر والدول العربية؟

بقلم: أ.د.خالد سالم

أستاذ بقسم البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية جامعة مدينة السادات

في زمن تتسارع فيه التغيرات المناخية وتزداد التهديدات على الأمن الغذائي العالمي، برزت تقنيات تحرير الجينوم النباتي كأمل جديد في معركة الزراعة المستدامة ضد الأعداء غير المرئيين: الأمراض الفطرية والبكتيرية والفيروسية التي تهاجم المحاصيل وتنهك الإنتاج.

على رأس هذه التقنيات، تأتي أداة CRISPR-Cas9، التي أحدثت ثورة في علم الأحياء الجزيئية، وفتحت الباب أمام تحسين النباتات بدقة غير مسبوقة، دون الحاجة إلى إدخال جينات غريبة كما هو الحال في الكائنات المعدلة وراثيًا التقليدية. بل يتم تعديل الجينات الموجودة أصلًا في النبات لتعزيز مناعته، أو منعه من إنتاج بروتينات تسهّل على الممرضات مهاجمته.

في مختلف أنحاء العالم، بدأت الدول المتقدمة في تبني هذه التقنية ضمن برامج المكافحة الحيوية المتكاملة (IPM)، التي تقوم على تقليل استخدام المبيدات الكيميائية، والاعتماد على أدوات بيولوجية ووراثية صديقة للبيئة. في الولايات المتحدة والصين والهند، جرى تعديل سلالات من القمح والطماطم والأرز لمقاومة فطريات مثل Fusarium، وبكتيريا مثل Xanthomonas، وفيروسات مثل TMV (فيروس موزاييك التبغ).

أما في أوروبا، فقد شهدت السنوات الأخيرة تحوّلًا في السياسات التنظيمية، إذ بدأت بعض الدول تسمح باستخدام النباتات المُحررة جينيًا ضمن شروط دقيقة، ما يشير إلى اتجاه عالمي نحو تبنّي هذه التقنية في مواجهة الأمراض النباتية المستعصية.

لكن، ماذا عن مصر والدول العربية؟

الواقع الزراعي في منطقتنا يواجه تحديات جسيمة: أمراض متفشية، تراجع خصوبة التربة، وشح المياه. وتعاني محاصيل استراتيجية مثل القمح والطماطم والموز والبطاطس من أمراض فطرية وبكتيرية تؤدي إلى خسائر سنوية بالمليارات.

ومع ذلك، فإن الفرصة ما زالت قائمة. تمتلك مصر شبكة قوية من مراكز البحث الزراعي، وجامعات بها كوادر مؤهلة، ويمكن بتوفير التمويل والدعم السياسي أن يتم تطوير سلالات نباتية مُحررة جينيًا تتلاءم مع البيئة المصرية والعربية، وتكون قادرة على مقاومة الأمراض دون الإضرار بالتربة أو صحة المستهلك.

كما أن دول الخليج، التي تستثمر في الزراعة الذكية، يمكن أن تكون بيئة خصبة لتجارب رائدة في تحرير الجينوم، خاصة مع قدرتها على تبني التكنولوجيا الحديثة بسرعة.

لكن الأمر لا يقتصر على البحث والتطوير فقط، بل يحتاج إلى:

ـ إطار تشريعي واضح ينظم استخدام التقنيات الوراثية.

ـ حملات توعية للمزارعين والجمهور لكسب الثقة العامة.

ـ شراكات دولية لنقل المعرفة وتبادل الخبرات.

باختصار، تحرير الجينوم النباتي ليس مجرد تقنية متطورة، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل الزراعة. وإن استطاعت الدول العربية استغلاله بذكاء، فستكون قادرة ليس فقط على حماية محاصيلها، بل على قيادة موجة جديدة من الابتكار الزراعي في المنطقة.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى