رئيس التحرير

تجارة البشر!

د.أسامة بدير

بقلم: د.أسامة بدير

إن الاتجار في البشر هو الجريمة الثانية عالميا في قائمة الجريمة المنظمة‏‏ ويرتبط النشاط السياحي لبعض الدول‏,‏ خاصة السياحة القائمة علي استغلال الأطفال والنساء في الأنشطة اللاخلاقية‏، حتي أصبح عدد الدول المتورطة في تجارة البشر وصل إلي أكثر من 160 دولة، وأصبحت تجارة البشر اليوم وباءا حقيقيا اجتاح دول العالم كله الغنية والفقيرة على السواء، وباتت تجارة رابحة ورائجة وغير شرعية لأنها تستخدم البشر كبضاعة وسلعة رخيصة تباع وتشترى بأبخس الأسعار وتقوم بأعمال حقيرة، ما يعد نوعا من الرق المعاصر وتمثل وصمة عار في جبين البشرية، لما تنطوى عليه من استعباد البشر والاتجار بهم واستغلالهم جنسيا، ضد كل مبادئ حقوق الإنسان وكرامته.

ومما يؤكد بشاعة وخطورة هذه التجارة علي مستقبل الأجيال القادمة هي الأرقام الرسمية الصادرة عن منظمة العمل الدولية التي تؤكد أن عدد ضحايا الاتجار بالبشر يصل إلي أكثر من 7 ملايين شخص سنوياً معظمهم من الأطفال والنساء و98% من ضحايا الاستغلال الجنسي هم من النساء والأطفال.

كما أن هؤلاء النخاسين الذين ماتت ضمائرهم، لا يجب التساهل معهم، ولا يجب أيضا التساهل مع الأسر التى أرغمت بناتها وأطفالها على أن تكون سلعة تُباع وتشترى فى سوق النخاسة وكأنهم قطع غيار بشرية.

لذا لابد من تضافر جميع الجهود على كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية من منظمات وهيئات وحكومات ومجتمع مدنى لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، التى باتت تهدد الأمن والسلام الاجتماعى لكثير من الدول.

وبحسب التقارير الدولية، فإن ما يتراوح بين 40 ـ 50% من حجم هذه التجارة يكون من نصيب الأطفال، وربما ما يبعث على الأمل أن المنظمات الدولية ولأول مرة يتغير المنحني الفكري لها في مواجهة ظاهرة تجارة البشر، من رصد سلبيات عمل الأطفال وآثاره المستقبلية المدمرة علي الجوانب البدنية والنفسية علي الطفل وعلي الأسرة وعلي المجتمع إلي إعداد دراسات تتناول تحليلا متكاملا لتكاليف وفوائد القضاء علي عمل الأطفال في شتي أنحاء العالم‏.‏

وأصدرت منظمة العمل الدولية خلال عام 2016 دراسة للتكاليف والفوائد المترتبة علي القضاء علي عمل الأطفال تفوق التكاليف التي تترتب علي هذا الإجراء بما يقدر بـ10 أضعاف، ولأن السياسة الاقتصادية الجيدة هي أيضا سياسة اجتماعية جيدة، فمن المنتظر وفقا لما تذهب إليه الدراسة المشار إليها أن يعود القضاء علي عمل الأطفال بمردود ضخم من وراء قضائها علي عمل الأطفال.

ولاشك أن القضاء علي عمل الأطفال هو استثمار في الأجيال القادمة لأن الفوائد ستفوق التكاليف، حيث تبلغ المنافع السنوية حوالي ‏300 مليون دولار وبمقارنة التكاليف الاجتماعية الأخرى فإن معدل التكلفة السنوية للقضاء علي عمل الأطفال تقل كثيرا عن تكلفة الفوائد علي الديون أو الصرف علي القوات المسلحة ويمثل ذلك التزام قومي وإقليمي يجب وضعه في الاعتبار‏.‏

ولما كانت الغالبية العظمي من الدول العربية قد صدقت بالفعل علي اتفاقية حقوق الطفل التي صدرت عام ‏1989‏ وأصبحت بالتالي ملزمة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذها وأمام الأعداد المتزايدة للأطفال العاملين التي بلغت عام ‏2016‏ حوالي ‏20.8‏ مليون طفل عامل، يعمل بعضهم في أعمال خطيرة أو في أسوأ أشكال تلك الأعمال، لذا وجب الإسراع بصياغة استراتيجية عربية لمواجهة تلك الظاهرة، والقضاء الفوري علي أسوأ أشكالها‏.‏

وينبغي الإشارة إلى أن مشكلة الاتجار في البشر لا يكمن حلها في الدول الفقيرة  فقط، بل لابد أن تكون هناك جهود موازية تبذلها الدول الغنية علي حد سواء‏,‏ لأنه‏ في مقابل من يبيع في دولة فقيرة‏,‏ هناك من يشتري في الدولة الغنية.

‏فـتجار البشر أو الوسطاء ينقسمون إلي شقين‏:‏ شق يعمل في الدول الفقيرة ليتم تهريب البشر منها‏,‏ والثاني في الدول الغنية التي تبحث عن هؤلاء البشر الذين يتم استخدامهم في أغلب الأحوال في أنشطة غير مشروعة كالدعارة والعصابات المنظمة أو في المصانع غير المشرعة‏,‏ وفي أفضل الأحوال‏‏ يتم بيع البشر في صورة أطفال بأسعار زهيدة إلي الأسر الراغبة في تبني طفل‏.

ما يعني أيضا أهمية أن تقوم الدول الكبرى نفسها بدور كبير للحد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة لأن القضاء عليها يعني القضاء كثيرا علي بعض المشكلات التي تواجهها بالفعل.‏

للتواصل مع الكاتب

[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى