تقارير

تأثير التغير المناخي على الزراعة.. تحديات وفرص التكيف

إعداد: د.شكرية المراكشي

الخبير الدولي في الزراعات البديلة ورئيس مجلس إدارة شركة مصر تونس للتنمية الزراعية

تشكل الزراعة العمود الفقري للأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية في العديد من البلدان، لا سيما تلك التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل والعمالة. ومع ذلك، فإن التغير المناخي يهدد بشكل متزايد هذا القطاع الحيوي، مما يستدعي التفكير الجدي في تحديات التكيف مع هذه التغيرات واستغلال الفرص الممكنة.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

التغير المناخي وتأثيراته على الزراعة

تشمل التأثيرات المناخية تغيرات في درجات الحرارة، وأنماط الهطول، وتكرار حدوث الظواهر الجوية المتطرفة. هذه التغيرات تؤدي إلى تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الزراعة:

اولا تؤدي الفترات الطويلة من الجفاف أو الأمطار الغزيرة إلى تقلبات حادة في الإنتاج الزراعي. فالجفاف يؤدي إلى تراجع الموارد المائية وزيادة تملح التربة، في حين أن الفيضانات تسبب تآكل التربة وتدمير المحاصيل.

التغيرات في أنماط الأمطار تعد من أبرز التحديات التي تواجه الزراعة في العصر الحديث، حيث تساهم بشكل كبير في تقلب الإنتاج الزراعي واستدامته.

ا. يؤدي الجفاف إلى نقص حاد في الموارد المائية الضرورية لري المحاصيل، مما يتسبب في إجهاد النباتات وتقليل الإنتاجية.  تتفاقم مشكلة تملح التربة في المناطق الجافة، حيث تتراكم الأملاح نتيجة لعدم وجود كميات كافية من المياه لغسلها. هذا التراكم يضعف نمو النباتات ويقلل من خصوبة التربة على المدى الطويل.

ب. تؤدي الأمطار الغزيرة إلى فيضانات تؤثر سلبا على الأراضي الزراعية من خلال تآكل التربة، وهو ما يقلل من خصوبتها ويجعلها أقل قدرة على دعم نمو المحاصيل. الفيضانات تدمر المحاصيل بالكامل، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة للمزارعين ويؤثر على الأمن الغذائي.

ت. الاستراتيجيات للتكيف: اعتماد أنظمة ري فعالة وتقنيات زراعية متطورة تساعد في تقليل الاعتماد على المياه وتخفيف تأثير الجفاف. تطوير خطط طوارئ لمواجهة الفيضانات والجفاف، بما في ذلك بناء حواجز للحماية من الفيضانات وتحسين نظم الصرف.تعد مواجهة هذه التحديات أمرا ضروريا لضمان استدامة الإنتاج الزراعي وقدرته على تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان.

ثانيا، يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على المحاصيل الحساسة للحرارة مثل القمح والذرة. إذ يؤدي هذا الارتفاع إلى تسريع نمو المحاصيل، مما يقلل من فترة تطورها ويؤثر على إنتاجيتها. كما أن درجات الحرارة المرتفعة تزيد من تبخر المياه، مما يزيد من احتياجات الري.

– ارتفاع درجات الحرارة هو أحد الآثار الجانبية لتغير المناخ التي تؤثر بشكل كبير على الزراعة وإنتاج المحاصيل حيث يؤدي الى  اولا تسريع نمو المحاصيل المحاصيل الحساسة للحرارة، مثل القمح والذرة، تتأثر بارتفاع درجات الحرارة التي تؤدي إلى تسريع مراحل نموها. هذا التسريع يمكن أن يقلل من فترة التطور الطبيعي للمحصول، مما يؤثر سلبا على إنتاجيته وحجم الحصاد. ثانيا ان ارتفاع الحرارة يؤثر على جودة المحاصيل، حيث يقلل من محتوى البروتين في الحبوب مثل القمح، مما يؤثر على قيمتها الغذائية والاقتصادية.

– ارتفاع معدل التبخر، مع ارتفاع درجات الحرارة، يزداد تبخر المياه من التربة ومن سطح أوراق النباتات. هذا الفقدان السريع للمياه يزيد من احتياجات الري، مما يمثل تحديا إضافيا للمزارعين خاصة في المناطق التي تعاني من نقص في الموارد المائية. كما ان زيادة التبخر تؤدي إلى جفاف التربة، مما يجعلها أقل قدرة على دعم نمو النباتات ويزيد من صعوبة زراعة المحاصيل دون ري إضافي.

– الاستراتيجيات للتكيف: تحسين كفاءة استخدام المياه يمكن باستخدام أنظمة ري حديثة مثل الري بالتنقيط أو الرش لزيادة كفاءة استخدام المياه وتقليل الفاقد. وخصوصا تطوير أصناف مقاومة للحرارة، الاستثمار في البحث والتطوير لإنتاج أصناف نباتية مقاومة للحرارة والجفاف يساعد في الحفاظ على الإنتاجية في ظل ارتفاع درجات الحرارة.

التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة يتطلب جهودا مشتركة بين الحكومات والمزارعين والعلماء لضمان استدامة الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في ظل التغيرات المناخية المستمرة.

ثالثا، الآفات والأمراض، يؤدي التغير المناخي إلى تغير في نطاق توزيع الآفات والأمراض الزراعية. فارتفاع درجات الحرارة والرطوبة يعزز من انتشار بعض الآفات والأمراض، مما يضيف أعباء جديدة على المزارعين.

تعتبر الآفات والأمراض الزراعية من التحديات الكبرى التي تواجه الزراعة، ويؤدي التغير المناخي إلى تعقيد هذه المشكلة من خلال التأثير على توزيع وانتشار الآفات والأمراض.

– توسع المناطق المتأثرة مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة، تنتشر بعض الآفات إلى مناطق كانت في السابق غير مناسبة لعيشها. على سبيل المثال، الآفات التي كانت تقتصر على المناطق الاستوائية أن تنتشر إلى المناطق الأكثر اعتدالا.

– زيادة أعداد الآفات حيث ان الظروف المناخية الأكثر دفئا تتيح للآفات التكاثر بمعدلات أسرع، مما يؤدي إلى زيادات كبيرة في أعدادها وضغط أكبر على المحاصيل.

– تصبح الظروف ملائمة للأمراض عند ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة تخلق بيئة مثالية لنمو الفطريات والبكتيريا التي تسبب الأمراض النباتية. هذا يعني أن المحاصيل تكون أكثر عرضة للإصابة بأمراض مثل العفن الفطري والصدأ.

– صعوبة السيطرة على الأمراض: التغير في أنماط توزيع الأمراض يجعل من الصعب التنبؤ بتفشيها والسيطرة عليها باستخدام الأساليب التقليدية.

– المراقبة والكشف المبكربتطوير أنظمة مراقبة متقدمة للتنبؤ بتفشي الآفات والأمراض يساعد المزارعين في اتخاذ تدابير وقائية في الوقت المناسب.

– المكافحة البيولوجية والمتكاملة باستخدام وسائل المكافحة البيولوجية، مثل الأعداء الطبيعيين للآفات، واعتماد استراتيجيات المكافحة المتكاملة يساهم في تقليل الاعتماد على المبيدات الكيميائية وزيادة استدامة الأنظمة الزراعية.

مواجهة تحديات الآفات والأمراض تتطلب التعاون بين الباحثين والمزارعين والحكومات لتطوير حلول فعالة ومستدامة يمكنها تقليل تأثير التغير المناخي على الزراعة.

رابعا، يؤدي التغير المناخي إلى تدهور الأراضي الزراعية وتوسع التصحر، خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة، مما يقلل من القدرة الإنتاجية للأراضي ويزيد من الضغط على الموارد الطبيعية.

التصحر وتدهور الأراضي هما من أبرز الآثار السلبية للتغير المناخي، خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة. هذه الظواهر تؤثر بشكل كبير على الإنتاجية الزراعية وعلى القدرة على تأمين الأمن الغذائي.

– حيث ان فقدان الخصوبة يؤدي التغير المناخي إلى تدهور خصوبة التربة من خلال عدة عوامل، منها تآكل التربة بسبب الرياح أو الأمطار الغزيرة، وانخفاض المحتوى العضوي في التربة. هذا التدهور يقلل من قدرة الأراضي على دعم المحاصيل الزراعية ويجعل الإنتاج الزراعي أقل استدامة.

– ملوحة التربة في المناطق الجافة، يؤدي نقص الأمطار والري المفرط إلى تراكم الأملاح في التربة، مما يقلل من خصوبتها ويجعلها أقل قدرة على دعم المحاصيل.

– زيادة مساحة الأراضي القاحلة: مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض كميات الأمطار في بعض المناطق، تتسع مساحة الأراضي التي تتعرض للتصحر، مما يؤدي إلى تقليص الأراضي الصالحة للزراعة. هذا التوسع في التصحر يمثل تهديدا كبيرا للأمن الغذائي خاصة في المناطق التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة.

– التصحر يؤدي إلى نزوح السكان من المناطق المتضررة نتيجة لفقدان مصادر الدخل والزراعة. هذا النزوح يزيد من الضغط على المناطق الأكثر استدامة ويخلق تحديات اجتماعية واقتصادية إضافية.

حلول لمواجهة  التحديات

– إدارة الأراضي المستدامة: تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة التي تحافظ على خصوبة التربة وتمنع تدهورها مثل الزراعة المتجددة وتقنيات الري الذكية.

– التشجير وإعادة التأهيل: تشجيع برامج التشجير وزراعة الأشجار في المناطق المتضررة يساعد في تثبيت التربة، وتقليل التآكل، وتعزيز التنوع البيولوجي.

– تطوير تقنيات مقاومة للجفاف: استثمار في تطوير محاصيل مقاومة للجفاف يمكن أن يساعد في الحفاظ على الإنتاجية في المناطق المعرضة للتصحر.

مكافحة التصحر وتدهور الأراضي يعد أمرا بالغ الأهمية لضمان استدامة الزراعة والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

تحديات التكيف مع التغير المناخي

تواجه الزراعة عدة تحديات في التكيف مع التغير المناخي، ومنها:

1. نقص الموارد المائية: يشكل نقص المياه أحد أكبر التحديات، حيث أن الزراعة تعتمد بشكل كبير على توفر المياه للري. مع ازدياد الطلب على المياه وتناقص المصادر المائية، يصبح من الضروري اعتماد أساليب ري حديثة وكفاءة في استخدام المياه.

2. نقص التكنولوجيا والمعرفة: في العديد من المناطق الريفية، يفتقر المزارعون إلى الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة والمعرفة اللازمة لتطبيق استراتيجيات التكيف مع التغير المناخي. يؤدي هذا النقص إلى عدم القدرة على تنفيذ تقنيات الزراعة الذكية مناخياً.

3. التكاليف الاقتصادية: تتطلب استراتيجيات التكيف مع التغير المناخي استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والبنية التحتية. يجد العديد من المزارعين، خاصة في الدول النامية، صعوبة في تحمل هذه التكاليف بدون دعم حكومي أو دولي.

فرص التكيف واستراتيجيات المواجهة

بالرغم من التحديات الكبيرة، توجد فرص يمكن استغلالها للتكيف مع تأثيرات التغير المناخي على الزراعة:

1. الزراعة الذكية مناخيا: اعتماد تقنيات الزراعة الذكية مناخيا التي تشمل استخدام المحاصيل المقاومة للجفاف والحرارة، واعتماد أنظمة ري فعالة، وتحسين إدارة التربة. هذه التقنيات تساعد في تعزيز الإنتاجية مع تقليل الأثر البيئي.

2. التخطيط الزراعي القائم على التنبؤات المناخية : استخدام التنبؤات المناخية بعيدة المدى في التخطيط الزراعي، مما يتيح للمزارعين اختيار المحاصيل المناسبة والوقت الأنسب للزراعة. هذا يقلل من الخسائر المرتبطة بالتقلبات المناخية غير المتوقعة.

3. التنوع الزراعي: تعزيز التكيف من خلال تنويع الأنشطة الزراعية والمحاصيل. فالتنوع يساعد في تقليل المخاطر المرتبطة بتغير المناخ ويزيد من القدرة على التحمل.

4. التعاون الدولي والإقليمي: يجب أن يكون هناك تعاون دولي وإقليمي لمواجهة التحديات المشتركة. يشمل هذا التعاون تبادل المعرفة والتكنولوجيا، وتقديم الدعم المالي والفني للدول والمزارعين الأكثر تضررا.

إن التغير المناخي يشكل تهديدا كبيرا للزراعة، ولكنه أيضا يوفر فرصا للتغيير والابتكار. من خلال التكيف السريع والفعال، يمكن للزراعة أن تستمر في تلبية احتياجات العالم الغذائية مع مواجهة التحديات البيئية المتزايدة. يتطلب الأمر تكاتف الجهود بين الحكومات والمزارعين والمجتمع الدولي لضمان استدامة هذا القطاع الحيوي للأجيال القادمة.

ملاحظة:

للتعمق في فهم تأثير التغير المناخي على الزراعة والتحديات والفرص المرتبطة به، يمكنكم الاطلاع على مجموعة متنوعة من المصادر التي تغطي هذا الموضوع من زوايا مختلفة.

1. تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية:

– التقارير الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC: توفر معلومات شاملة حول تأثير التغير المناخي على مختلف القطاعات، بما في ذلك الزراعة.

– تقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO: تقدم معلومات وبيانات حول الزراعة والأمن الغذائي في ظل التغيرات المناخية.

2. الأبحاث والدراسات الأكاديمية:

– البحث في قواعد البيانات الأكاديمية مثل PubMed وGoogle Scholar للعثور على دراسات حديثة حول تأثير التغير المناخي على الزراعة واستراتيجيات التكيف.

– الاطلاع على أبحاث الجامعات الرائدة في مجال الزراعة والبيئة مثل جامعة كاليفورنيا، ديفيس، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT.

3. الكتب والمقالات المتخصصة:

– كتب مثل The Uninhabitable Earth لديفيد والاس ويلز، الذي يناقش تأثير التغير المناخي على مختلف القطاعات بما في ذلك الزراعة.

– مقالات في مجلات متخصصة مثل Nature وAgricultural Systems التي تقدم تحليلات ودراسات معمقة حول التغير المناخي والزراعة.

4. تقارير ومنشورات المنظمات غير الحكومية:

– التقارير الصادرة عن معهد الموارد العالمية WRI ومنظمة الصليب الأخضر تقدم معلومات حول استراتيجيات التكيف والتخفيف في الزراعة.

– المبادرات البحثية من منظمات مثل معهد سياسات الأرض EPI التي تركز على الابتكارات الزراعية في مواجهة التغير المناخي.

5. المؤتمرات والندوات:

– متابعة المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر الأطراف COP وتوصياتها المتعلقة بالزراعة والتغير المناخي.

6. التقارير الحكومية والإقليمية:

– متابعة المبادرات الإقليمية للتكيف مع التغير المناخي مثل الاتحاد الأوروبي وبرامج الاستدامة في دول مجلس التعاون الخليجي.

الاطلاع على هذه المصادر سيوفر لكم فهما عميقا وشاملا لتأثير التغير المناخي على الزراعة والفرص المتاحة للتكيف معه.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى