رأى

اليوم.. افتتاح أكبر متحف للآثار في العالم: مصر تفتح أبواب التاريخ وتستعد لنهضة سياحية جديدة

بقلم: أ.د.خالد فتحي سالم

أستاذ بقسم البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية جامعة مدينة السادات

تستعد مصر غدًا لحدث عالمي طال انتظاره، إذ سيتم افتتاح المتحف المصري الكبير رسميًا عند سفح أهرامات الجيزة، ليصبح أكبر وأحدث متحف للآثار في العالم، وأيقونة جديدة تعكس عظمة الحضارة المصرية القديمة وتاريخها الممتد لآلاف السنين.
يُعد المتحف المصري الكبير مشروعًا وطنيًا وحضاريًا فريدًا من نوعه، استمر العمل فيه لأكثر من عقدين بمشاركة مئات الخبراء والمهندسين والمُرمّمين من مصر والعالم. وقد بُني المتحف على مساحة تتجاوز نصف مليون متر مربع، ليضم أكثر من مائة ألف قطعة أثرية مصرية نادرة تُعرض وفق أحدث أساليب العرض المتحفي التفاعلي، بما يتيح للزائر تجربة غامرة تُحاكي التاريخ وتربط الماضي بالحاضر بطريقة غير مسبوقة.

كنوز توت عنخ آمون تتألق مجددًا

يحتل الملك الشاب توت عنخ آمون مكانة متميزة في المتحف الجديد، حيث تُعرض مجموعته الكاملة التي اكتُشفت قبل أكثر من مئة عام على يد عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر في وادي الملوك بالأقصر. ولأول مرة، تُعرض مقتنياته التي تتجاوز خمسة آلاف قطعة في مكان واحد بعد أن كانت موزعة بين متاحف مختلفة. هذه المجموعة، بما تحمله من ذهب وأحجار كريمة وأناقة فنية، تمثل رمزًا لسحر الحضارة المصرية الذي ما زال يبهر العالم حتى اليوم.
كما يضم المتحف تمثال الملك رمسيس الثاني الضخم الذي يستقبل الزائرين في البهو الرئيسي، إلى جانب تماثيل مهيبة لرموز الحضارة المصرية مثل حتشبسوت وأمنحتب الثالث، ومجموعة نادرة من النقوش والبرديات التي توثق تفاصيل الحياة اليومية في مصر القديمة، مما يجعل المتحف موسوعة حية لتاريخ الإنسانية.

متحف يجمع بين الماضي والمستقبل

لا يقتصر المتحف المصري الكبير على عرض الآثار فقط، بل يقدم رؤية جديدة للمتحف الحديث ككيان ثقافي وتعليمي متكامل. فقد تم تزويده بمراكز للبحث العلمي والترميم، وقاعات عرض رقمية تستخدم تقنيات الواقع الافتراضي، إلى جانب مسارح ومكتبات ومناطق ترفيهية ومطاعم ومناطق تسوق، ليصبح وجهة متكاملة للسياحة الثقافية والعائلية على حد سواء.
ويُتوقع أن يجذب المتحف ملايين الزوار سنويًا من مختلف أنحاء العالم، خاصة أنه يقع في موقع فريد يطل على أهرامات الجيزة، إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة، ما يمنح الزائر تجربة متكاملة لا مثيل لها تجمع بين عظمة الآثار وسحر المكان.

السينما والمتحف… علاقة تجمع بين الخيال والواقع

لم تكن فكرة المتحف كمكان للدهشة والاكتشاف غريبة عن السينما العالمية، فقد تناولت العديد من الأفلام هذا الفضاء الساحر كمصدر للمغامرة والإلهام، أبرزها سلسلة أفلام Night at the Museum الأمريكية التي قدّمت المتحف بوصفه عالمًا ينبض بالحياة ليلًا، حيث تدب الروح في التماثيل والآثار القديمة في مزيج من الخيال والتاريخ.
هذا النموذج السينمائي العالمي يعكس كيف يمكن للفن أن يُسهم في الترويج للسياحة والمتاحف. ومع افتتاح المتحف المصري الكبير، تمتلك مصر فرصة استثنائية لتوظيف السينما كقوة ناعمة للترويج للحضارة المصرية. يمكن أن يتحول المتحف الجديد إلى موقع تصوير لأفلام عالمية تجمع بين التاريخ والمغامرة والجمال البصري، ليصبح مثلما كانت باريس مع متحف اللوفر أو نيويورك مع متحف التاريخ الطبيعي، مركز جذب ثقافي وسينمائي وسياحي في آن واحد.
كما أن إقامة مهرجانات سينمائية ووثائقية في محيط المتحف المصري الكبير تُبرز قصص الاكتشافات الأثرية والرحلات التاريخية، مما يُسهم في ترسيخ مكانة مصر كعاصمة للفنون والثقافة في الشرق الأوسط.

السياحة الثقافية… ركيزة الاقتصاد المصري

يمثل افتتاح المتحف المصري الكبير نقلة نوعية في مستقبل السياحة الثقافية في مصر، التي تُعد من أهم مصادر الدخل القومي. فمصر، التي تمتلك أكثر من 30% من آثار العالم، تسعى إلى تقديم تجربة سياحية متكاملة تمزج بين الأصالة والتكنولوجيا، وبين عبق التاريخ وروح العصر.
ويُتوقع أن يُعيد المتحف الجديد رسم خريطة السياحة في مصر، إذ من المنتظر أن يُسهم في زيادة عدد السياح بنسبة تتراوح بين 20 و30% خلال السنوات الأولى بعد الافتتاح. كما أنه سيساعد في تنشيط السياحة الداخلية، خاصة مع وجود أنشطة تعليمية وثقافية موجهة للأطفال والشباب، ما يجعل المتحف مركزًا للتعلم والإبداع.

مصر… من مهد الحضارة إلى مستقبل الثقافة العالمية

إن افتتاح المتحف المصري الكبير لا يُعد مجرد حدث أثري أو سياحي، بل هو رسالة من مصر إلى العالم مفادها أن هذا البلد الذي أنجب أولى حضارات الإنسان لا يزال قادرًا على الإبداع والعطاء. فالمتحف لا يُجسد فقط تاريخ مصر القديم، بل يُعبر عن قدرتها على تحويل تراثها إلى قوة ناعمة اقتصادية وثقافية تساهم في بناء مستقبلها وتأكيد ريادتها الإقليمية والدولية.
ومن خلال هذا الصرح الضخم، تؤكد مصر أنها ليست فقط أرض الفراعنة، بل أرض الفن والثقافة والحداثة أيضًا. فهي تُعيد تقديم نفسها للعالم بلغة جديدة، لغة تجمع بين جلال الماضي وجمال الحاضر، وبين الأصالة والانفتاح على المستقبل.
وبينما تتجه أنظار العالم غدًا إلى القاهرة، يقف المتحف المصري الكبير شاهدًا على عبقرية المصريين الذين بنوا الأهرامات قبل آلاف السنين، ويواصلون اليوم كتابة فصل جديد من تاريخ الحضارة الإنسانية، في لوحة تمتد جذورها إلى الماضي، لكنها ترنو بثقة نحو المستقبل.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى