الأجندة الزراعية

النرجس.. زهرة الجمال والشفاء: أسرار الزراعة والاستخلاص

إعداد: أ.د.ربيع مصطفى

أستاذ النباتات الطبية والعطرية بمعهد بحوث البساتين بمركز البحوث الزراعية، وكيل وزارة الزراعة الأسبق بالفيوم – (خبير في زراعة وإنتاج النباتات الطبية والعطرية للتواصل: 01010490336 – 01224982537)

زراعة النرجس Narcissus (plant)
Narcissus tazetta, L أو Narcissus vulgaris, L
Fam. Amaryllidaceae

أخرج ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (14/36) وابن الجزري في “مناقب الأسد الغالب علي بن أبي طالب” (ص: 49) وغيرهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “شموا النرجس، فما منكم من أحد إلا وله شعرة بين الصدر والفؤاد من الجنون والجذام والبرص، فما يذهبها إلا شم النرجس، شموه ولو في العام مرة”. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا النبات من أهم نباتات الأبصال المزهرة على مستوى العالم بعد التوليب.

الأسماء الشائعة

النبات المعروف باسم “النرجس” له عدة أسماء باللغة العربية، من بينها: النرجس – العبهر – القهد – الفغو – الفاضية، كما يُعرف أيضًا بأسماء أخرى مثل النرجس البري ودموع الملائكة.

الموطن الأصلي

الموطن الأصلي لمعظم أنواع النرجس أواسط آسيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، ومنها انتقل إلى الأمريكيتين بواسطة المستعمرين الأوائل. تنتشر أنواع النرجس في المروج والغابات في جنوب أوروبا وشمال إفريقيا، مع مركز تنوع في منطقة البحر الأبيض المتوسط الغربية، خاصة في شبه الجزيرة الإيبيرية. وقد انتشرت النباتات البرية والمزروعة على نطاق واسع، وأُدخلت إلى الشرق الأقصى قبل القرن العاشر.

وتروي الأساطير القديمة أن زهرة النرجس كانت فتىً معجبًا بنفسه كثيرًا، وبينما كان ينظر لانعكاس صورته في الماء، تحولت الصورة إلى زهرة النرجس. وتشير المصادر التاريخية إلى أن النرجس زُرع منذ العصور القديمة، لكنه اكتسب شعبية متزايدة في أوروبا بعد القرن السادس عشر، وبحلول أواخر القرن التاسع عشر أصبح محصولًا تجاريًا مهمًا يتركز بشكل أساسي في هولندا. وفي مصر، ينمو بريًا في مناطق مريوط وبرج العرب.

الوصف النباتي

ـ النرجس هو جنس من النباتات المعمرة العشبية الأرضية التي تنتج الأبصال، يتبع العائلة أو الفصيلة النرجسية، ويضم ما بين 50 و100 نوع، الكثير منها غير عطري أو عديم الرائحة، وآخر يحتوي على الرائحة العطرية مثل النرجس البلدي.

ـ البصلة: ينمو النبات من بصلة شتوية مبكرة معمرة، وتتكون من حراشف لحمية وقواعد ورقية. يقتل نبات النرجس أعداءه، فهو يقتل أي نبات ينمو بجواره. يظهر في الشتاء بعد نزول المطر.
والنرجس أحد أكثر الزهور شعبية في العالم، وخاصة في إسبانيا. حيث تموت الأجزاء الظاهرة بعد الإزهار، تاركةً بصيلة تخزين تحت الأرض، تنمو منها النباتات من جديد في العام التالي من بصيلات بيضاوية الشكل مغطاة بقشرة بنية، ولها أعناق بارزة، وتصل ارتفاعاتها إلى 5–80 سم حسب النوع.

الأنواع القزمة مثل النرجس الأستوري لا يتجاوز ارتفاعها 5–8 سم، بينما يمكن لنوع النرجس الشائع أن ينمو ليصل إلى 80 سم. ومن المهم – كباقي النباتات البصلية – تعرّض الأبصال لفترة من البرودة قبل أن يبدأ النمو في الربيع، فيما يُعرف بكسر طور السكون في الأبصال.

ـ الساق: يتميز نبات النرجس بساق نباتية منفردة وخالية من الأوراق، تظهر من أوائل إلى أواخر الربيع حسب النوع، وتحمل من 1 إلى 20 زهرة. الجزء العلوي من الساق أجوف، بينما الجزء القريب من البصلة يكون أكثر صلابة وممتلئًا بمادة إسفنجية.

ـ الأوراق: يحتوي نبات النرجس على ورقة قاعدية واحدة أو عدة أوراق، شكلها خيطي أو شريطي أو على شكل حزام (طويلة وضيقة)، وأحيانًا تكون مقعرة من الجانب العلوي أو شبه أسطوانية. قد تكون الأوراق ذات سويقات (pedicellate) أو غير مزودة بسويقات (sessile). تنشأ الأوراق من البصلة، وتكون مسطحة وعريضة عند القاعدة أو أسطوانية الشكل. يظهر النبات الناشئ عادة بورقتين، بينما يحتوي النبات الناضج عادة على ثلاث أوراق، ونادرًا أربع. يغطي الأوراق طبقة شمعية (كيوتين) تحتوي على جليدة تمنحها مظهرًا لامعًا. لون الأوراق يتراوح بين الأخضر الفاتح إلى الأزرق المخضر في النباتات الناضجة. تمتد الأوراق أعلى من ساق الزهرة، لكن في بعض الأنواع تكون الأوراق متدلية. قاعدة الورقة محاطة بغلاف عديم اللون. بعد الإزهار، تتحول الأوراق إلى اللون الأصفر وتذبل بمجرد نضج ثمرة النبات (الكبسولة البذرية).

ـ الأزهار: أزهار النرجس خنثى (ثنائية الجنس)، وهي خيمية وغالبًا ما تكون ملفتة للنظر، بيضاء أو صفراء أو كليهما، وأحيانًا – نادرًا – خضراء. تتكون من ثلاثة أجزاء: أنبوب زهري فوق المتاع (الأقرب للساق)، وحلقة خارجية من ست بتلات (التويج)، وتاج مركزي ذو شكل قرصي أو مخروطي. يمكن أن تكون الأزهار متدلية أو قائمة. تحتوي الزهرة على ستة أسدية محيطة بميسم مركزي، ويكون المتاع سفليًا (أسفل أجزاء الزهرة) ويحتوي على ثلاث حجرات.

ـ الثمار: تتكون الثمرة من كبسولة جافة، شكلها بيضاوي إلى كروي، تنشق (تتفتح) لإطلاق البذور السوداء.

ـ البذور: تحتوي الثمرة على العديد من البذور شبه الكروية، المستديرة والمنتفخة، ذات غلاف صلب، وأحيانًا مزودة بجزء ملحق يسمى “إلايوسوم”. يكون غلاف البذور أسودًا، بينما يكون الغلاف الثمري جافًا.

الظروف البيئية

ـ يحتاج النرجس إلى جو معتدل، ويحتاج للتعرض إلى الشمس يوميًا على الأقل 6 ساعات، أو ما يسمى تظليل جزئي.

ـ التربة: يجب أن تكون التربة جيدة التصريف والخصوبة، ويفضل أن تكون رطبة قليلًا ولكن غير مشبعة بالماء (تجنب التربة الطينية الثقيلة).

ـ درجة الحموضة (pH): تربة متعادلة إلى قلوية قليلًا (6–7).

أنواع النرجس

النرجس نبات له أنواع كثيرة، واليوم يُعتبر النرجس شائعًا كزهور مقطوفة وكزينة في الحدائق العامة والخاصة. أدى التاريخ الطويل لتطوير الأنواع إلى ظهور آلاف الأصناف المختلفة، ومنها ما هو عطري وآخر غير عطري، ونذكر بعضًا منها:

1- النرجس الكاذب: N. pseudonarcissus
أحد أنواع النرجس عديم الرائحة وغير عطري، ولذا يقتصر استخدامه على أغراض الزينة وتجميل الحدائق والمباني والشرفات.

الأصناف العطرية والتي تحتوي على زيت عطري
2- نرجس الشاعر: N. poeticus
3- نرجس تازتا: N. tazetta
4- النرجس البري أو البلدي: N. vulgaris

الزراعة:

ـ التكاثر: يتكاثر النرجس في جميع أنواعه بالأبصال. الطريقة الأكثر شيوعًا للتكاثر التجاري هي انقسام البصيلات، حيث تُقطع البصيلات إلى قطع صغيرة مع إبقاء قشرتين متصلتين بجزء صغير من قاعدة البصيلة. تُعقم الأجزاء وتُوضع في وسط غذائي. يمكن إنتاج حوالي 25–35 نباتًا جديدًا من بصيلة واحدة بعد أربع سنوات. لا يُستخدم الإكثار الدقيق في الإنتاج التجاري، بل يُستخدم لإنشاء مخزون تجاري.

ـ موعد الزراعة: تُزرع الأبصال في المناطق المعتدلة في الخريف، ابتداءً من شهر سبتمبر حتى شهر نوفمبر، أما في المناطق الدافئة فيمكن تأخير الزراعة حتى شهر ديسمبر في حالة شتاء معتدل. وقد تُترك الأبصال في الأرض لتجديد النمو في العام التالي. ويمكن إكثار النرجس بالبذرة عقب نضجها مباشرة، ولكن في هذه الطريقة يتأخر التزهير، حيث إن النرجس لا يُزهر إلا في العام الثالث.

ـ طريقة الزراعة: يتم تجهيز الأرض للزراعة (طينية خفيفة أو صفراء) وتُخطط بمعدل 12 خطًا في القصبتين. تُزرع الأبصال على عمق ثلاثة أضعاف ارتفاع البصلة (10–15 سم) وبين البصلة والأخرى من 10–15 سم، ويكون اتجاه البصيلة الطرف المدبب إلى أعلى.

الري:
يُروى بعد الزراعة مباشرة أسبوعيًا، ثم كل أسبوعين كلما انخفضت درجة الحرارة، وقد تزيد إلى ثلاث أسابيع في الشتاء. وتتوقف الفترة بين الريات على طبيعة التربة.

التسميد:
يُضاف السماد العضوي بمعدل حوالي 20 م³ لكل فدان، بالإضافة إلى حوالي 100 كجم سماد سوبر فوسفات، و50 كجم من الكبريت الزراعي، وتُخلط المكونات وتُضاف قبل الزراعة. بعد الزراعة وأثناء النمو، يمكن إضافة سماد سائل مخفف عند ظهور البراعم، وبعد التزهير يُضاف سماد غني بالبوتاسيوم لمساعدة البصيلات على تخزين الغذاء للعام القادم.

العناية بالنباتات

ـ إزالة الأزهار الذابلة: يتم قطع الأزهار الذابلة لمنع إنتاج البذور ونترك الأوراق حتى تذبل طبيعيًا (لتمتص الغذاء وتخزنه في البصيلة).

ـ عدم قص الأوراق: لا تُقص الأوراق الخضراء حتى تتحول إلى اللون الأصفر وتجف تمامًا.

ـ تقسيم البصيلات: كل (3–5) سنوات يمكن حفر البصيلات بعد ذبول الأوراق وتقسيمها لإعادة زراعتها أو تخزينها في مكان جاف وبارد حتى موسم الزراعة التالي.

الأمراض التي قد تصيب زهرة النرجس وعلاجها

1ـ مرض عفن القاعدة: ينتج هذا المرض خلال فصل الصيف، بسبب ارتفاع درجة الحرارة، إذ يؤدي إلى ظهور بقع بنية على بصيلة النبات. ويمكن علاجه عن طريق استخدام مضادات فطريات مناسبة.

2ـ مرض عفن الرقبة: ينتقل من عنق الزهرة إلى كافة أجزاء النبتة. تشمل أعراضه عدم نمو الأزهار، وظهور نموات رمادية، كما تلتصق الأوراق ببعضها. ويمكن علاجه باستخدام مضادات الفطريات.

3ـ مرض احتراق الأوراق: يؤدي إلى تحول أطراف أوراق النبتة إلى اللون البني، كما تتحول حدود الأوراق إلى اللون الأصفر، وتظهر بقع على الأزهار وتموت. يمكن علاج المرض باستخدام مضادات الفطريات.

الجمع والحصاد

يبدأ إزهار النرجس في أواخر ديسمبر وأوائل يناير حتى مارس وأبريل، حيث تُجمع الشماريخ الزهرية المتفتحة في الصباح الباكر في سلال مثقبة وتُرسل مباشرة عقب جمعها إلى أماكن الاستخلاص.

1- طريقة الاستخلاص بالدهن على البارد (Extraction with non-volatile solvents): كان المتبع قديمًا في استخلاص زيت النرجس أن يتم نثر الأزهار على ألواح مخلوط دهني (دهن الخنزير، دهن البقر، دهن الماعز). هذه الطريقة تُعرف بطريقة الاستخلاص بالدهن على البارد، حيث يمتص المخلوط الدهني الزيوت العطرية الطيارة من الأزهار. تُترك الأزهار حوالي 48 ساعة، ويتم استبدالها بأخرى طازجة حتى يتشبع المخلوط الدهني، وتستمر العملية حتى شهر. يتم إذابة الدهن في كحول 90%، ويُفصل الزيت عن الدهن. وهذه الطريقة بطيئة ومكلفة.

2- الاستخلاص بالمذيبات العضوية الطيارة (Extraction with volatile solvents): تُجمع الأزهار في الصباح الباكر، وتُعبأ في سلال من السلك المجلفن وتُغمر في المذيب العضوي الطيار (الإيثر البترولي) داخل جهاز خاص على شكل أسطوانة أفقية. يدور داخلها محور حديدي. تعبأ الأسطوانة إلى نصفها، ومع دورانها يغمر المذيب الأدراج بالتناوب. يتوقف زمن الغمر على سرعة الدوران. عند التشبع، يُصفى المذيب ويُفصل منه الماء ويُرشح، ثم يُفصل الزيت عن المذيب بالتقطير تحت ضغط.
في حالة الزيوت التي لا تتأثر بالحرارة، يمكن استخدام جهاز الاستخلاص المستمر بدرجة حرارة ثابتة. المذيب لا يقتصر على استخلاص الزيت فقط، بل يذيب الشموع والمواد الدهنية والصبغات. بعد التبخير تنتج مادة ذات قوام شبه صلب تُعرف تجاريًا باسم “العجينة” مثل عجينة الياسمين والفل. تُستخدم هذه العجائن مباشرة أو تُستخلص بالكحول لترسيب الشموع وفصل الزيت بالتقطير.

كل 450 كجم من أزهار النرجس تعطي كيلو واحدًا من دهن النرجس، ويحتوي الدهن على 40 – 55% من الزيت النقي.

المكونات الكيميائية: يحتوي زيت النرجس على المواد الفعالة التالية:

ـ يوجينول Eugenol

ـ كحول البنزايل Benzyl alcohol

ـ كحول السناميل Cinnamyl alcohol

ـ بنزالدهيد Benzaldehyde

ـ حمض البنزويك Benzoic acid

استخدامات زيت النرجس

1- يستخدم زيت النرجس مع غيره من الزيوت في صناعة الروائح والعطور.

2- يمكن إنتاج زيت النرجس صناعيًا بتكاليف أقل، ويُستخدم في العطور وبودرة التلك.

3- استُخدم في الطب العربي لعلاج الصلع وكمنشط جنسي.

4- استُخدمت الزهور المطحونة طبيًا كمقيّء ومزيل للاحتقان ولتخفيف الزُحار، وفي فرنسا كمضاد للتشنجات.

5- بسحق الجذور وخلطها بالعسل تُستخدم لعلاج الحروق والكدمات والمفاصل المخلوعة والنمش، ولإزالة الأشواك.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى