تقارير

المورينجا: شجرة الحياة التي تبني مستقبلاً مستداماً في سيناء

إعداد: آلاء سعيد مرة

باحث مساعد بقسم بحوث النباتات الطبية والعطرية بمعهد بحوث البساتين – محطة بحوث العريش

في قلب سيناء الشامخة، تنبت حكاية أخرى من حكايات الصمود والتجدد. بطلة هذه الحكاية ليست قبيلة بدوية عريقة أو معلمًا تاريخيًا مهيبًا، بل شجرة صغيرة تحمل اسمًا رنانًا (Moringa oleifera).

إنها المورينجا أو كما يحلو للبعض تسميتها بالشجرة المباركة أو شجرة الحياة أو الشجرة المعجزة، التي بدأت تزرع بذور الأمل في أرض الفيروز بمستقبل أكثر استدامة وازدهار.

المورينجا

المورينجا شجرة سريعة النمو تنتمي إلى الفصيلة البانية (Moringaceae). تتميز بأوراقها الصغيرة المركبة وأزهارها البيضاء العطرية وقرونها الطويلة التي تحمل البذور الغنية بالزيت. على الرغم من انتشارها الواسع في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية حول العالم، إلا أن جبل الطور في سيناء يعتبر أحد مواطنها الأصلية الهامة.

الفراعنة وزيت المورينجا الذهبي

تتجاوز أهمية المورينجا في سيناء حدود الحاضر، لتمتد بجذورها عميقًا في التاريخ المصري القديم. تشير بعض الاكتشافات الأثرية إلى وجود آثار لزيت المورينجا في بعض مقابر الفراعنة، وأنه من الزيوت السبعة الهامة للفراعنة. هذا الاكتشاف المثير يلقي الضوء على القيمة التي كان يوليها المصريون القدماء لهذه الشجرة المباركة واستخداماتهم المحتملة لزيتها في التحنيط أو الأغراض العلاجية والتجميلية.

المورينجا: كنز من الفوائد يُزهر في الصحراء

تستمد المورينجا لقب “شجرة المعجزة” من قيمتها الغذائية والعلاجية الاستثنائية. فكل جزء من هذه الشجرة يحمل في طياته فوائد جمة:

ـ الأوراق: تعتبر كنزًا حقيقيًا للفيتامينات (مثل فيتامين C، وفيتامين A، وفيتامين B) والمعادن الأساسية (مثل الكالسيوم والبوتاسيوم والحديد والزنك) والبروتينات ومضادات الأكسدة والأحماض الأمينية الأساسية. بالإضافة إلى نسبة عالية من البروتين والألياف. تفوق قيمتها الغذائية العديد من الخضروات والفواكه المعروفة، مما يجعلها إضافة غذائية قيمة لمكافحة سوء التغذية، خاصة في المجتمعات التي تعاني من محدودية الموارد الغذائية. أيضًا، تُستخدم الأوراق المجففة والمطحونة كمكون غني بالبروتين في صناعة الأعلاف الحيوانية وزيادة إنتاجيتها.

ـ البذور: غنية بالزيت عالي الجودة الذي يُستخدم في الطهي ومستحضرات التجميل والصناعات الدوائية. كما أن مسحوق البذور له قدرة مذهلة على تنقية المياه، وهو أمر بالغ الأهمية في المناطق التي تعاني من نقص المياه النظيفة.

ـ القرون: يمكن تناولها خضراء أو مطبوخة وهي مصدر جيد للألياف والفيتامينات.

ـ الجذور: لها استخدامات تقليدية في الطب الشعبي، وأظهرت الأبحاث قدرتها في علاج جرثومة وبكتيريا القولون، ولكن يجب استخدامها بحذر وتحت إشراف متخصص.

المورينجا: خصائص علاجية تقليدية وحديثة

لطالما استخدمت أجزاء مختلفة من المورينجا في الطب الشعبي لعلاج مجموعة من الأمراض (مثل فقر الدم والتهاب المفاصل ومشاكل الجلد والجهاز الهضمي). تشير الأبحاث الحديثة إلى فاعليتها المحتملة في تنظيم سكر الدم وخفض الكوليسترول وتعزيز المناعة وعلاج تليف الكبد والتوحد ومكافحة بعض أنواع الفطريات والبكتيريا. ولأنها غنية بمضادات الأكسدة التي تحارب الجذور الحرة في الجسم، فإنها تساهم في علاج ووقاية من أمراض السرطان المختلفة.

المورينجا والتنمية المستدامة في سيناء

في سياق التنمية المستدامة في سيناء، تلعب المورينجا دورًا محوريًا لما تتمتع به من خصائص فريدة:

ـ الأمن الغذائي: يمكن لزراعة المورينجا على نطاق واسع أن تساهم بشكل كبير في تعزيز الأمن الغذائي للمجتمعات المحلية، حيث توفر مصدرًا غنيًا بالعناصر الغذائية الأساسية.

ـ توفير فرص العمل: زراعة المورينجا وحصادها وتصنيع منتجاتها المختلفة (زيت، مسحوق أوراق، مستحضرات تجميل) تخلق فرص عمل جديدة للسكان المحليين، مما يساهم في تحسين مستوى معيشتهم.

ـ الاستدامة البيئية: تعتبر المورينجا شجرة صديقة للبيئة مقاومة للجفاف لا تحتاج كميات كبيرة من المياه وتنمو في التربة الفقيرة ولا تحتاج إلى أسمدة كيميائية. يمكن أن تساعد في تحسين جودة التربة ومنع تدهور الأراضي، وزراعتها تساهم في زيادة الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، مما يجعلها خيارًا مثاليًا للزراعة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة مثل سيناء.

ـ التمكين الاقتصادي: يمكن للمجتمعات المحلية تسويق منتجات المورينجا عالية القيمة، مما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وتعزيز الاعتماد على الذات.

ـ الرعاية الصحية: يمكن استخدام أوراق المورينجا وبذورها في تحضير علاجات طبيعية للعديد من الأمراض والحالات الصحية وتلعب دورًا هامًا في مكافحة سوء التغذية ونقص الفيتامينات، خاصة بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات، مما يساهم في تحسين الرعاية الصحية الأولية في المناطق النائية وتوفير غذاء صحي وغني بالعناصر الغذائية.

وضع المورينجا في مصر

في السنوات الأخيرة، شهدت مصر اهتمامًا متزايدًا بزراعة المورينجا لما لها من فوائد غذائية وطبية واقتصادية. فبعد أن كانت زراعتها محدودة ببضع أشجار في مناطق معينة، بدأت الدولة والمبادرات الزراعية في التوسع في زراعتها بشكل ملحوظ. ففي عام 2010، لم يكن يوجد سوى 6 أشجار مورينجا في مصر، ولكن بحلول عام 2014، وصل هذا العدد إلى مليون شجرة، وارتفع بشكل كبير ليصل إلى 7 ملايين شجرة في عام 2022. وقد نجحت محافظة الوادي الجديد مؤخرًا في تنفيذ مبادرة لزراعة نصف مليون شتلة من المورينجا، مما يعكس التوجه نحو الاستفادة من هذه الشجرة متعددة الفوائد على نطاق أوسع.

نحو مستقبل أخضر ومزدهر في سيناء

إن الاستثمار في زراعة المورينجا وتشجيع استخداماتها المتنوعة يمثل خطوة واعدة نحو تحقيق التنمية المستدامة في سيناء. من خلال دعم المبادرات المحلية وتوفير التدريب والتوعية بأهمية هذه الشجرة المباركة، يمكن تحويل صحراء سيناء إلى واحة خضراء تزخر بالحياة والفرص.
قصة المورينجا في سيناء هي قصة صمود وتكيف وعطاء. إنها قصة شجرة ربطت الماضي بالحاضر، وتحمل في أغصانها وبذورها وعدًا بمستقبل مشرق ومستدام لأرض الفيروز وسكانها. فلنستثمر في هذه الشجرة المعجزة، ونسعى جاهدين لنجعلها جزءًا من رؤيتنا في بناء مستقبل أفضل لسيناء.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى