تقارير

الموارد المائية ومستقبل التنمية

إعداد: أ.د.عطية الجيار

أستاذ إدارة الأراضي والمياه والبيئة بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة – مركز البحوث الزراعية

مقدمة: الماء شريان الحياة ولا يستطيع الإنسان والنبات والحيوان البقاء بدونها بل هي سبب وجودهم، وتقدر كمية المياه في العالم بحوالي 1500 مليون كم3 تغطي 71% منة مساحة الكرة الأرضية، وتمثل كمية المياه العذبة حوالي 45 مليون كم3 بنسبة 3% من جملة المياه، منها 2.25% مياه عذبة متجمدة، 0.12% أنهار وبحيرات عذبة، 0.5% مياه جوفية، 0.15% مياه عذبة تتخلل التربة وأجسام الكائنات الحية.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

تقع مصر في منطقة ذات مناخ جاف، وتبلغ مساحتها الكلية حوالي مليون كم2، وتقدر مساحة الأراضي الزراعية بحوالي 8.45 مليون فدان أي حوالي 3% فقط من مساحة مصر الكلية، وتتمثل في الشريط الضيق حول نهر النيل والدلتا، ويعد نهر النيل المصدر الرئيسي للمياه في مصر وتعتبر الزراعة المستهلك الأول لمياه النيل، حيث تستهلك 83% من المياه العذبة في مصر، كما أن أكثر من 95% من الناتج الزراعي يتحقق من الأراضي الزراعية المروية.

​كما أن نهر النيل يأتي بمياهه من خارج مصر من أقاليم ممطرة ثم تسير المياه في النهر في مناطق جافة غير ممطرة، مما يفقده الكثير من إيراده بالبخر والتسرب، وتعتمد مصر على مياه النيل بنسبة تتعدي 90% والباقي من المصادر الأخرى، مما يجعل ضرورة الفهم الواضح لاستثمار الموارد المائية النيلية والتي تضيع معظمها والحفاظ على نوعيتها من التلوث وترشيد استخدامها وذلك كمتطلبات التنمية المستدامة لصالح الأجيال القادمة. ومع الزيادة السكانية وثبات حصة مصر من مياه النيل عند55.5 مليار م3 فان نصيب الفرد من المياه ينخفض سنه تلو الاخري، حيث بلغ حوالي 860 م3/السنة عام 2003 بانخفاض قدره 67% عن متوسط نصيب الفرد عام 1947 والذي بلغ 2604م3/السنة ومن المتوقع أن يصل متوسط نصيب الفرد عام 2025 إلى حوالي 582م3 وهو مستوي الفقر المائي.

الزراعة هي المستهلك الرئيسي للمياه في مصر، ومن ثم فإن العجز المائي يعني عجز القطاع الزراعي عن الوفاء بمتطلبات التنمية، وإمداد أفراد المجتمع باحتياجاتهم، كما أن عنصر المياه يخضع لضوابط ومعايير معينة في استخدامه في الزراعة بالإضافة إلى ما يتمتع به من ندرة شديدة نجعله متميزاً في الاستخدام بوجه عام وفي الزراعة بوجه خاصة، ويؤكد ذلك أن استخدام المياه في الإنتاج الزراعي يتم وفق ضوابط غير دقيقة يتم اغلبها بالتوزيع النسبي على مستوي الماكرو دون الاهتمام المناسب بأهمية كفاءة الاستخدام والتطبيق على مستوي الميكرو والتي بلغت حوالي 50%، كما أن نظرة المزارعين إلى عنصر المياه على انه مورد حر ليس له سعر أدي إلى الإسراف في استخدامه، كما أن زيادة الفاقد من المياه خلال مراحل التوزيع وحتى وصولها للحقل بلغ (20-25%) وزيادة الملوثات في المياه كل ذلك أدي إلى عدم كفاءة استخدام مياه الري في الزراعة، وبالتالي تكمن مشكلة المقالة في سوء تخصيص الموارد المائية والحفاظ عليها من التلوث والفقد وليس في ندرتها فقط.

يهدف المقال ايضا إلى التعرف على سبل ترشيد الموارد المائية في ضوء الاحتياجات المائية المتزايدة في المجالات المختلفة وخاصة استخدامها في الري، وسبل تمية تلك الموارد لمواجهة احتياجات التنمية المتواصلة من المياه.

​ومن هذا الهدف الرئيسي يمكن استخلاص مجموعة من الاهداف الفرعية:

اولا: التعرف على حجم المياه من الموارد المائية والاحتياجات المائية الحالية.
ثانيا: تنمية الموارد المائية لمقابلة الطلب المتزايد عليها مستقبلا.
ثالثا: ترشيد استخدام مياه الري.
رابعا: فواقد المياه وتلوثها وكيفية المحافظة عليها.
خامسا: الاستنتاج.
سادسا: الخلاصة.

أولاً: الموارد المائية الحالية في مصر

تتمثل الموارد المائية المصرية في نوعين من الموارد وهي الموارد التقليدية والموارد غير التقليدية.

1- الموارد التقليدية للمياه:

وتتمثل في نهر النيل والمياه الجوفية والينابيع والأمطار والسيول:ـ

1- نهر النيل: يعتبر نهر النيل هو المصدر الرئيسي للمياه العذبة في مصر ويبلغ طوله 6825كم، ويدخل نهر النيل الأراضي المصرية من الجنوب عند قرية أوبدان والتي تغطيها مياه السد العالي حالياً، ويمتد في مصر مسافة 1530كم حتى ينتهي بالبحر المتوسط شمالاً، ويغذي النيل الأمطار التي تسقط على منابعه في هضبة البحيرات الاستوائية والهضبة الاثيوبية، وهما المصدران الرئيسيان لمياه النيل، اما المصدر الثانوي فهو حوض بحر الغزال وهو قليل الإيراد بالنسبة للمصدر الأول، كما تأتي مياه النيل من عدة رواقد أهمها الرواقد الاثيوبية وهي النيل الأزرق ونهر السوباط وعطبرة والذي يمد النيل بحوالي 85% من إيراده، أما النيل الأبيض والذي يأتي مياهه من البحيرات الآسيوبية فيمد النيل بحوالي 15% فقط. وقد بلغت حصة مصر من مياه النيل حوالي 55.5 مليارم3 وهي حصة ثابتة طبقاً لاتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل المبرمة بين مصر والسودان.

2- المياه الجوفية في الوادي والدلتا: على الرغم من ضخامة المخزون المائي الجوفي المتجدد والذي بلغ حوالي 500 مليار م3، (خزان وادي النيل 300 مليار م3، خزان الدلتا 200 مليار م3) فانه سيظل المسحوب منه في حدود مستوي الشحن السنوي لهذه الخزانات وذلك للمحافظة على التوازن المائي للخزانات، كما يمكن سحب كمية من المياه الجوفية تفوق التغذية السنوية في فترات أقصي الاحتياجات وترك الخزان يمتلئ في فترة اقل الاحتياجات، ويعد نهر النيل هو المصدر الرئيسي لتغذية هذه الخزانات حيث نظم الري المتبعة حالياً في مصر تعمل على تغذية الوادي بالمياه الجوفية، وبالتالي فان المياه الجوفية ليست مستقلة عن الكمية المتاحه من نهر النيل، كما يوجد بجانب خزانات الوادي والدلتا خزان الحجر الرملي في الصحراء الشرقية والغربية وشبه جزيرة سيناء وحول بحيرة السد العالي، وخزانات الصخور الجيرية المتشققة والمنتشرة في مصر والخزانات الجوفية الثانوية مثل المياه الجوفية في سيناء والمياه الجوفية الضحلة بجنوب سيناء، والمياه الجوفية العميقة بسيناء وتظهر مياهها في صورة عيون وهي محدودة، والخزان الجوفي بالساحل الشمالي الغربي وتتغذي تلك الخزانات بمياه الأمطار، وتبلغ كمية المياه المسحوبة من الخزان الجوفي في الوادي والدلتا ومياه الينابيع حوالي 7.9 مليار م3.

3- مياه الأمطار والسيول: تتساقط الأمطار الشتوية على الأجزاء الشمالية لمصر وعلى الشريط الضيق بعرض 30كم، وتتساقط الأمطار في المتوسط بنحو 192مم وعلى الدلتا (120مم) وعلى الساحل الشمالي الشرقي لسيناء (بالعريش 150مم، ورفح 250مم)، وكذلك مياه السيول في مصر خاصة في سيناء، وقد بلغت كمية الأمطار والسيول في مصر حوالي 1.43 مليار م3 عام 2007/2006.

2- المصادر غير التقليدية للمياه: وهي تدوير مياه الصرف الزراعي والصرف الصحي وتحلية مياه البحر:ـ

1- تدوير مياه الصرف الزراعي وإعادة استخدامها: وتتوقف كمية مياه الصرف الزراعي على كل من كمية مياه الري المتوفرة عند أسوان وكفاءة نظم الري والتركيب المحصولي السائد وتتراوح كميتها بين (12-14)مليار م3 سنوياً تصرف في البحر ، وفي السنوات القليلة الماضية بدأت السياسة المائية في استخدام مياه الصرف الزراعي في الري بعد خلطها بمياه عذبة بنسبة (1:1) وقدرت هذه الكمية بحوالي 7 مليار م3 عام 2006/2007، كما تهدف السياسة المائية إلى التوسع في استخدام مياه الصرف الزراعي بعد خلطها بمياه عذبه مثل ترعة السلام حيث تبلغ مساحتها الكلية حوالي 600 ألف فدان منها 400 ألف فدان شرق قناة السويس بسيناء ، 200 ألف فدان غرب قناة السويس في بور سعيد.

2- تدوير مياه الصرف الصحي: تستخدم مياه الصرف الصحي بعد معالجتها في الري بشرط ان تفي بالشروط الصحية المتعارف عليها عالمياً ويستفاد منها في زراعة الأراضي الصحراوية وخاصة زراعة الأشجار الخشبية ، وتقدر هذه الكمية بنحو 2.5 مليار م3 سنوياً، وقد بلغت كمية مياه الصرف الصحي المعالجة عام 2006/2007 بحوالي 1.3 مليار م3 ومن المخطط لها أن تروي في كل من القاهرة والإسكندرية حوالي 280 ألف فدان حول القاهرة وفي الساحل الشمالي للبلاد.

3- تحلية مياه البحر: يعتبر هذا المصدر في مصر غير اقتصادي في الوقت الحالي نظراً لارتفاع تكلفته، وكذلك توافر المياه العذبة البديلة، وتوجد بعض العمليات الصغرى لتحلية مياه البحر في المناطق الساحلية النائية بغرض الشرب، وقد بلغت هذه الكمية حوالي 0.06 مليار م3 عام 2007/2006، وبفضل التطور التكنولوجي لتكنولوجيا تحلية مياه البحر وانخفاض تكلفتها في المستقبل وتحت ضغط زيادة الطلب على المياه سوف يزيد الطلب على تحلية مياه البحر.

ثانياً: الاستخدامات الحالية للموارد المائية (جانب الطلب)

ويمكن تقسيمها إلى نوعين من الاستخدامات وهي الاستخدامات الاستهلاكية للمياه وتشمل الاحتياجات المائية للزراعة ومياه الشرب والاستخدامات الحضرية والصناعة، والاستخدامات غير الاستهلاكية للمياه وتشمل المياه اللازمة للملاحة النهرية والموازنات وتوليد الكهرباء.

1- الاستخدامات الاستهلاكية للمياه:

1- الاحتياجات المائية للزراعة: ​بلغت احتياجات الزراعة حوالي 54.7 مليار م3 تمثل نحو 71.7% من جملة الموارد المائية المصرية عام 2007/2006، ونظراً لمحدودية الأرض الزراعية في مصر والتي بلغت 8.45 مليون فدان وهي لا تتعدي 3.5% من المساحة الجغرافية لمصر عام 2007، ونظراً لتعرض الأرض الزراعية في مصر للعديد من الفواقد على مر السنين وذلك من استقطاع مساحات منها وتحويلها من الاستخدام الزراعي إلى الاستخدام الحضري، والتدهور في خصوبة الأراضي الزراعية، والفاقد الناتج عن التفتت الحيازي وكثرة عدد القطع بالحيازة الواحدة وكثرة الحواجز بين الحيازات وبين القطع وما يفقد من الأرض نتيجة شق القنوات والمصارف وإنشاء الطرق وزيادة عدد السكان، كل ذلك أدي إلى ضرورة غزو الصحراء والخروج من الوادي الضيق، وتتمثل المشاريع الزراعية في استصلاح 3 ملايين فدان في الوادي والدليا وسيناء والساحل الشمالي الغربي للبلاد وشرق العوينات والواحات الجنوبية وحول بحيرة ناصر بالإضافة إلى مشروع توشكي العملاق، وهذا يعني زيادة الاحتياجات المائية مستقبلاً لمواجهة زراعة هذه المساحات مما يستوجب العمل على زيادة الموارد المائية وترشيد استخدامها واستنباط محاصيل اقل استهلاكاً للمياه، ويتوقف حجم الاستهلاك في الزراعة على كل من المساحة المحصولية والتركيب المحصولي وطرق الري المستخدمة والمقننات المائية للمحاصيل.

بدراسة تطور كميات مياه الري للمحاصيل الزراعية عند كل من الحقل وافمام الترع وأسوان خلال الفترة (2002-2007) تبين أن الاحتياج الفعلي من مياه الري عام 2007 بلغت نحو 61.4 مليار م3 عام 2007 بينما بلغت عند اقمام الترع حوالي 48.1 مليار م3 وعند الحقل 42.1 مليار م3 وبلغ متوسط مياه الري لتلك الفترة عند كل من أسوان واقمام الترع والحقل حوالي 54.6، 42.9، 37.3 مليار م3 على الترتيب، كما أتضح أن الفرق بين كميات مياه الري بين أسوان واقمام الترع والحقل يفقد في شبكة الري بالبخر والتسرب.

وبدراسة كميات مياه الري للعروات الزراعية تبين أن إجمالي كميات مياه الري على مستوي الجمهورية عند الحقل حوالي 29.8 مليار م3 موزعة بين الزراعات الشتوية والصيفية والنيلية والفاكهة بنسب بلغت نحو 33.1%، 52.7%، 3.9%، 10.3% على التوالي وكانت نسبة الوجه البحري 64% ومصر الوسطي 17% ومصر العليا 19% من إجمالي كميات المياه عند الحقل .
في حين بلغت جملة الاحتياجات عند افمام الترع حوالي 35.4 مليار م3 موزعة بين الزراعات الشتوية والصيفية والنيلية والفاكهة بنسب بلغت نحو 31.7%، 54.4%، 4%، 9.9% على التوالي وبلغت نسبة احتياج الوجه البحري حوالي 64% ومصر الوسطي 17% ومصر العليا 18.8% من كمية المياه المنصرفة عند افمام الترع.

كما بلغت كميات 0مياه الري المنصرفة عند أسوان حوالي 46.1 مليار م3 موزعة بين الزراعات الشتوية والصيفية والنيلية والفاكهة بنسب بلغت نحو 31.3%، 55%، 3.7%، 10% على التوالي وبلغت نسبة الوجه البحري منها حوالي 65.8% ومصر الوسطي 16.4%، ومصر العليا 17.8% من كمية المياه المنصرفة عند أسوان.

2- الاحتياجات المائية للشرب والاستخدامات الحضرية: ​تتوقف كمية مياه الشرب والاستخدامات الحضرية على العديد من العوامل أهمها عدد السكان ومعدل نموه السنوي ومعدل استهلاك الفرد اليومي من المياه ومكان المعيشة في الريف أو الحضر حيث اختلاف مستوي الدخل واختلاف سلوك الأفراد بين الريف والحضر.

​وتقدر الاحتياجات المائية من مياه الشرب والاستخدامات الحضرية بنحو 6.5مليار م3 عام 2007/2006 تمثل نحو 8.5% من إجمالي الاستخدامات المائية وتتضمن هذه الكمية، المياه اللازمة للصناعات الصغيرة والمتوسطة والمنتشرة داخل المدن والقري، وكذلك مياه ري الحدائق المنزلية ورش الشوارع صيفياً وان كان القانون يمنع رش الشوارع بالمياه النقية، وغسيل السيارات ومن المتوقع أن تزيد هذه الكمية كثيراً في المستقبل نتيجة ارتفاع معدل النمو السكاني والذي بلغ حالياً حوالي 2.1% سنوياً.

ان تطور إجمالي كميات المياه النقية المنتجه موزعة على محطات الإنتاج المختلفة في مصر خلال الفترة (2003/2002-2006/2005) ومنه يتبين أن كميات المياه النقية المنتجة في محطات الشركات والهيئات بلغت نحو 4794 مليون م3 عام 2005/2006 وبمعدل تغير بلغ نحو 0.6% عن عام 2005/2004، بينما كان إنتاج المحطات التابعة لمجالس المدن والأحياء فقد بلغت نحو 1536 مليون م3 عام 2006/2005 وبمعدل تغير بالزيادة بلغ نحو 0.4% عن عام 2005/2004، أما إنتاج المحطات التابعة للمدن الجديدة فقد بلغ إنتاجها حوالي 851 مليون م3 عام 2006/2005 وبمعدل تغير بالزيادة بلغ نحو 0.4% عن عام 2005/2004.

كما أتضح زيادة معدل التغير لجميع محطات الإنتاج بين عامي 2003/2002، 2004/2003 بمعدل تغير بلغ نحو 23.7% في محطات الشركات والهيئات، بينما بلغ 35.1% في محطات التابعة لمجالس القري والمدن، 123% لمحطات المدن الجديدة.
ان كميات المياه النقية المنتجة والمستهلكة وفاقد الشبكات حسب محطات الإنتاج في مصر عام 2006 ومنه يتبين أن محطات الهيئات والشركات احتلت المرتبة الأولي في الإنتاج بنسبة 66.8% من إنتاج جميع المحطات والذي بلغ نحو 24.9 مليار م3 يستهلك منها 73.2% من الانتاج وبالتالي يبلغ الفاقد في شبكات التوزيع حوالي 26.8% من حجم الإنتاج أي نحو 1.3 مليار م3.

بينما تحتل المحطات التابعة لمجالس المدن والأحياء المرتبة الثانية في الإنتاج بنسبة 41.4% من الإنتاج الكلي لجميع المحطات وبلغ إنتاجها حوالي 1.5 مليار م3، يستهلك منها 1.2 مليار م3 بنسبة 80.7% من إنتاجها، وبالتالي يكون الفاقد حوالي 0.3 مليار م3 بنسبة 19.3% من إنتاجها، أما محطات المدن الجديدة فقد احتلت المرتبة الأخيرة في الإنتاج حيث بلغ إنتاجها حوالي 0.9 مليار م3 بنسبة 11.1% من إنتاج جميع المحطات، وبلغ حجم الاستهلاك من محطات المدن الجديدة حوالي 0.7 مليار م3 وبنسبة 76.1% من إنتاجها وبالتالي بلغ الفاقد في الشبكات حوالي 0.2 مليار م3 تمثل حوالي 24% من إنتاجها.

وأخيراً بلغ إجمالي إنتاج جميع المحطات حوالي 7.2 مليار م3 وبلغ حجم الاستهلاك منها حوالي 5.4 مليار م3 وبنسبة 75.1% من حجم الإنتاج الكلي لجميع المحطات وبالتالي بلغ الفاقد في جميع شبكات التوزيع لجميع المحطات في مصر حوالي 1.8 مليار م3 تمثل حوالي 24.9% من إجمالي إنتاج المياه النقية في مصر.

ومما سبق تبين أن نسبة الفاقد كبيرة جداً في جميع شبكات التوزيع وبالتالي يجب العمل على تقليل هذا الفاقد بتغير الشبكات القديمة ومتابعة وإصلاح الحنفيات العامة وهي مصدر الشرب للمناطق العشوائية.

3- احتياجات الصناعة: قدر احتياج قطاع الصناعة من المياه بنحو 7.8 مليار م3 تستهلك منها فعليا حوالي 1.15 مليار م3 والكمية الباقية 6.65 مليار م3 تعود مرة أخري إلى النيل وفروعه والترع والمصارف بحالة ملوثة بعد استخدامها في مراحل الصناعة.

4- الاستخدامات غير الاستهلاكية للمياه: ​وتشمل المياه اللازمة للملاحة والموازنات وتوليد الكهرباء من السد العالي وتقدر كمية المياه التي تطلق في النيل بغرض الملاحة والموازنات وتوليد الكهرباء حوالي 3.2 مليار م3 في فترة اقل الاحتياجات وهي في شهور أكتوبر ونوفمبر وديسمبر ويناير حيث تكون احتياجات الري في هذه الشهور لا تكفي للوصول إلى المناسيب المناسبة للملاحة مما يستلزم صرف هذه الكمية سنوياً وخاصة أن هذه الفترة هي فترة الرواج السياحي الشتوي، أما بقية شهور السنة فان التصرفات المائية التي تطلق من أسوان للري والاستخدامات الاستهلاكية الاخري تعطي احتياجات الملاحة النهرية وتوليد الكهرباء.

​​وأخيراً وبمقابلة الموارد المائية بالاحتياجات المائية يتحقق الميزان المائي المصري وبالتالي يكون هناك فائض في جانب العرض يستخدم في عمليات الاستصلاح واستزراع الأراضي المدرجة بخطة الدولة، وقد بلغت حوالي 2 مليار م3 وهذا لا يفى باحتياجات الخطط الطموحة لعمليات الاستصلاح.

ثانيا: تنمية الموارد المائية كأهم متطلبات التنمية في مصر: نظراً لارتفاع معدل النمو السكاني ودخول مصر في مرحلة الندرة النسبية للمياه بدءاً من عام 1996 حيث بلغ متوسط نصيب الفرد السنوي من المياه نحو 936 م3/السنة بعد ان كان في وضع أفضل عام 1947 حيث بلغ نحو 2604 م3/السنة وهو ما يطلق عليه مستوي الوفر المائي، ومن المنتظر أن يصل هذا المتوسط عام 2025 إلى حوالي 582 م3/السنة وهو مستوي الفقر المائي، ويشكل العجز المائي مشكلة كبيرة أمام نجاح أي برنامج إنمائي وخاصة برامج التوسع الزراعي الافقي، كما أن مصر أصبحت على مشارف الحد الحرج والدخول في حزام الفقر المائي، وبالتالي يجب ان تتغير المفاهيم حول أهمية وكيفية استخدام المياه والحفاظ عليها من الفقد والتلوث، وتنميتها للوفاء بمتطلبات التنمية.

​​إن طموحات السياسة الزراعية هي استصلاح واستزراع حوالي 4.3 مليون فدان حتى 2017 وذلك للوفاء بالاحتياجات الغذائية للسكان وتحقيق الأمن الغذائي فمن المقرر استصلاح وزراعة 1.3 مليون فدان في الوادي والدلتا، 540 ألف فدان بالصحراء الغربية، 620 ألف فدان شمال وغرب قناة السويس، 540 ألف فدان بسيناء، وبالتالي فان هذه المساحة يلزمها موارد مائية إضافية حوالي 20.4 مليار م3، وبالتالي يجب اتخاذ الإجراءات والسياسات الكفيلة بتنمية الموارد المائية لتفي بالاحتياجات المائية عام 2017 حيث من المتوقع أن تبلغ احتياجات الزراعة حوالي 67.13 مليار م3 وبنسبة 77.9% من إجمالي الاحتياجات المائية عام 2017 والتي من المنتظر أن تبلغ 86.2 مليار م3 أما احتياجات الشرب والاستخدامات الحضرية والصناعة والملاحة النهرية والموازنات والفاقد بالتبخر من النيل والترع والقنوات فمن المتوقع ان تبلغ حوالي 6.6، 1015، 2.3 مليار م3 وبنسبة 7.7%، 11.6%، 0.1%، 2.7% من جملة الاحتياجات المائية على التوالي، وبالتالي فان الحاجة ملحة للحفاظ على المياه وتنميتها، وتشمل تنمية الموارد المائية في مصر كل من التنمية الأفقية والتنمية الرأسية للموارد المائية الحالية.

أ – التنمية الأفقية للموارد المائية:

وتعني زيادة الموارد المائية الحالية من إقامة المشروعات في أعالي النيل خارج الحدود المصرية لزيادة الإيراد المائي النيلي وتخزين المياه في البحيرات المصرية والتوسع في استخدام المياه الجوفية ومياه الصرف الزراعي والصناعي والصحي .

أولاً: مشروعات أعالي النيل: يحمل النيل 8% فقط من الأمطار التي تسقط على هضبة البحيرات ويفقد الباقي في منطقة المستنقعات جنوب السودان، وقد تم الاتفاق بين حكومة مصر والسودان على تنفيذ بعض المشروعات لزيادة الإيراد المائي النيلي ويقسم مناصفة بينهما، وقد اتخذت خطوات عملية وجادة في بعض منها غير أن الأحداث والاضطرابات في جنوب السودان أوقفت التنفيذ ، ومن أهم تلك المشروعات:

1- مشروع تقليل الفاقد من مستنقعات بحر الجبل والزراف: يبلغ الإيراد المائي الداخل للمستنقعات حوالي 28 مليار م3 والخارج منها حوالي 14 مليار م3، وبالتالي يبلغ الفاقد حوالي 50% من الإيراد المائي لها ، ويستهدف المشروع حفر قناة جونجلي كمرحلة أولي مساعدة لبحر الجبل والزراف وتوفر 3.8 مليار م3، أما المرحلة الثانية فهي إقامة سدود على البحيرات الآستوائية (فكتوريا وكيوجا والبرت) لتخزين مياهها وتوفير 3.2 مليار م3 وبالتالي تبلغ الفائدة المرجوه من هذا المشروع حوالى7 مليار م3 عند أسوان.

2- مشروع تقليل الفاقد من مستنقعات بحر الغزال: يقدر الفاقد من تلك المستنقعات بحوالي 96% ولا يخرج منها سوي 4% فقط من مياهها ويتضمن المشروع حفر قناة لتجميع مياه الأنهار الجنوبية ليصب في بحر الغزال، وحفر قناة أخري لتجميع مياه الأنهار الشمالية لتصب في النيل الأبيض، وإقامة سدود على الأنهار الهامة في المنطقة للتحكم في تصرفاتها، وقدرت الفائدة المرجوة منها بنحو 7 مليار م3 عند أسوان.

3- مشروع تقليل الفاقد من مستنقعات خورمشار ونهر السوباط: تجميع مياه مستنقعات خور مشار في قناة صناعية وإقامة خزان على نهر السوباط سعته التخزينية 15 مليار م3 للتخزين المستمر ، وتقدر الفائدة المرجوة منه حوالي 4 مليار م3 عند أسوان.

ثانياً: التخزين المستمر في البحيرات الشمالية المصرية: ويهدف إلى تخزين مياه النيل في البحيرات الشمالية المصرية (المنزلة، البرلس، أذكو، مريوط) وتبلغ المياه المخزونة حوالي 5 مليار م3، إضافة إلى 3.5 مليار م3 يمكن تخزينها في منخفض وادي النطرون ويمكن زيادة المخزون سنوياً بعد تنفيذ مشروعات أعالي النيل.

ثالثاً: تنمية الموارد المائية الجوفية: أدي الإسراف في استخدام مياه الري وجريان نهر النيل لمسافة 1530كم داخل الحدود المصرية إلى زيادة مستوي المياه في الخزان الجوفي في مصر والذي بلغت سعته التخزينية حوالي 400 مليار م3 وتستخدم المياه الجوفية في الوادي والدلتا في سد بعض الاحتياجات، وتستخدم في الصحراء بأساليب الري الحديثة مثل الري بالرش والري بالتنقيط نظراً لخلو تلك المياه من الشوائب وبالتالي لا تسد الرشات أو فنية التنقيط بعكس مياه الصرف، أما في الوجه القبلي فيستخدم الصرف الرأسي للآبار للحد من ارتفاع منسوب المياه الجوفية الضحلة، ومن ثم تحسين إنتاجية الأراضي الزراعية، كما تستخدم في مزارع الأسماك، ويستغل حالياً من المياه الجوفية حوالي 6.6 مليار م3 عام 2006/2007 وهي توازي 50% من التغذية السنوية للخزانات الجوفية في الوادي والدلتا وبالإضافة إلى 0.57 مليار م3 من خزانات الأراضي الصحراوية، ويمكننا زيادة الكمية لتصل إلى 9.4 مليار م3، وبالتالي تبلغ الزيادة المستقبلية حوالي 2.8 مليار م3.

هناك إمكانية تنمية المياه الجوفية مستقبلاً ومنه تبين انه يمكن سحب مستقبلي حوالي 6.4 مليار م3/السنة بالوادي والدلتا والصحراء الشرقية منها نحو 3.1 مليار م3 في حوض النيل والدلتا وحوافه، بينما يمكن سحب مستقبلي حوالي 2.8 مليار م3 من مياه الصحراء الغربية، 0.5 مليار م3 من مياه الصحراء الشرقية وسيناء، وبالتالي يمكن مستقبلاً استخدام 11.5 مليار م3 من المياه الجوفية في مصر طبقاً لبيانات معهد بحوث المياه الجوفية.

توجد استراتيجية لتنمية المياه الجوفية بالصحراء والهدف منها الحفاظ على المياه الجوفية والسحب منها في حدود التغذية السنوية والمراقبة السنوية والمستمرة للحفاظ على نوعيتها ومناسيبها والحفاظ على الخزانات الجوفية من التلوث إلى جانب تجنب وتخفيف الآثار البيئية الضارة مع المحافظة على التنمية المتواصلة للمصدر المائي الجوفي.

رابعا: إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي

​أخطر ما يهدد استخدام مياه الصرف الزراعي هو تلوثها بالمبيدات الكيماوية والأسمدة الكيماوية وبمياه الصرف الصحي والصناعي والناتج من طول المصارف وطبيعتها المكشوفة مما يجعلها مجالاً سهلاً للتخلص من الفضلات عند مرورها بالتجمعات السكنية والمراكز الصناعية، وهذا التلوث يزيد مع الزيادة السكانية والتوسع الصناعي وقلة الوعي البيئى، وقد بلغت الكمية المرجوة من مياه الصرف الزراعي مستقبلاً حوالي 3 مليار م3 بعد معالجتها وخلطها بمياه عزبة بنسبة (1:1) ويفضل استخدامها في الأراضي الطينية الثقيلة.

خامساً: إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة (تدوير المياه) 

​يمكن توفير 1.3 مليار م3 يتم خلطها بمياه عذبة بعد معالجتها ويستخدم في ري الأشجار الخشبية، وتنقسم مياه الصرف الصحي إلى قسمين، الأول المياه الناتجة عن الاستحمام والغسيل وغيرها وتسمي المياه الرمادية ويمكن استخدامها بسهولة عن طريق تكنولوجيات بسيطة، أما المياه السمراء وهي الخارجة من المراحيض فتحتاج إلى معالجة أولاً ثم تستخدم بعد خلطها بمياه عذبة في ري الأشجار الخشبية، ولكن شبكة المجاري في مصر هي شبكة واحدة تحمل النوعين من مياه الصرف الصحي الرمادية والسمراء معاً ولا يمكن فصلها إلا بتغيير شبكات الصرف الصحي وجعلها فرعين فرع يحمل المياه الرمادية والأخر يحمل المياه السمراء وهذا يحتاج إلى استثمارات كبيرة وبالتالي تعالج كلها أولاً من المواد الضارة ثم يتم خلطها بمياه عذبة قبل استخدامها في ري الأشجار الخشبية.

سادساً: الموارد المائية من مياه البحار

​يلزم التوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة التي تعمل على تحلية مياه البحر ويركز هذا الأسلوب على تغذية المدن الساحلية بمياه الشرب والاستخدامات الحضرية والاستخدامات الصناعية ومن المنتظر زيادة تلك المحطات مستقبلاً وتوفير نحو 0.14 مليارم3 كذلك يلزم تحلية مياه الآبارالتي تزيد ملوحتها عن 1000 جزء في المليون بواسطة وحدات تحلية مصغرة . وتتوقف نجاح استخدام مياه البحار مباشرة في ري المحاصيل الصحراوية وعلى الساحل الشمالي على نجاح معالجة النباتات وراثياً لإنتاج أصناف عالية التحمل للملوحة الشديدة.

سابعاً: الموارد المائية المطرية

​يتم تنمية مياه الأمطار بطريقة تتناسب مع الظروف المحلية لكل منطقة تسقط عليها الأمطار، وذلك بإقامة الحواجز الترابية والسدود وتوجيه الأمطار الى مناطق ذات نفاذية ومسامية عالية فيتسرب المياه في باطن الأرض حيث يمكن تخزينها، وإعادة استخدامها من خلال الآبار.

ب- التنمية الرأسية للموارد المائية: يمكن توفير 10.7 مليارم3 عن طريق تطوير نظم الري الحالية وتقليل الفاقد والحد من تلوث المياه مع ترشيد استخدام المياه.

ـ ترشيد الاحتياجات المائية: أن من المتوقع أن تبلغ احتياجات الزراعة حوالي 67.12 مليارم3 تمثل نحو 77.9% من إجمالي الاحتياجات المائية عام 2017 والتي بلغت نحو 86.18 مليارم3، أما احتياج الشرب والاستخدامات الحضرية والصناعة والملاحة النهرية والموازنات فقد بلغت نحو 6.6، 10، 0.15 مليار م3 تمثل نحو 7.7%، 11.6%، 0.1% من جملة الاحتياجات المائية عام 2017 على التوالي، كما يتوقع ان يبلغ الفاقد بالتبخر والتسرب من النيل والترع حوالي 2.3 مليارم3 وبنسبة 2.7% من جملة الاحتياجات المائية مستقبلاً.

ـ ندرة المياه: ​بالرغم من الإنجازات الكبيرة في مجال تنمية الموارد المائية فان السنوات القادمة تشير بوجود عجز مائي لا محالة، حيث انخفاض متوسط نصيب الفرد من المياه سنة تلو الاخري ودخول مصر في نطاق الفقر المائي، وبالتالي كان من الضروري تحسين وتطوير طرق توزيع المياه على مستوي الميكرو أي مستوي ترع التوزيع الفرعية والحقول لتحقيق عدالة توزيع المياه، وإتباع الأساليب التي تحقق الاستخدام الاقتصادي الامثل للمياه.

وتنحصر أسباب ندرة مياه الري في القطاع الزراعي المصري إلى عدة أسباب اهمها:

1- نقص استثمارات تطوير الموارد المائية مع وجود عجز مستمر ومتزامن في الموازنة العامة للدولة مما يعد قيداً لتنفيذ هذه الاستثمارات.

2- انخفاض نصيب القطاع الزراعي من المياه إلي حوالي 79% بسبب إعادة تخصيص الموارد المائية لصالح القطاعات الاخري غير الزراعية.

3- زيادة عدد السكان وزيادة درجة التحضر مما أدي إلى زيادة استهلاك المياه النقية لسكان الحضر.

4- انخفاض مستوي كفاءة إدارة المياه على مستوي الميكرو (المزرعة) بسبب استخدام طرق الري التقليدية، وتبلغ مساحة الأراضي التي تروي بطرق الري الحديثة 9% فقط من إجمالي المساحة المروية.

5- التوسع في زراعة المحاصيل الأكثر استهلاكاً للمياه كالأرز وقصب السكر حيث بلغ المقنن المائي للأرز (7575م3) وقصب السكر (17733م3) كمتوسط عام للجمهورية، كما يستهلك الأرز وقصب السكر حوالي 30% من المياه على مستوي الحقل.

6- عدم الاستقرار السياسي لدول حوض نهر النيل، ونظرة بعض تلك الدول الخاطئة بعدم أحقية مصر بحقوقها التاريخية من مياه النيل أدي ذلك إلى عدم تنفيذ مشروعات اعالى النيل والتي تفيد معظم الدول سواء دول المنبع أو دول المصب.

* ولمواجهة ندرة المياه فقد اعتمدت استراتيجية تنمية الموارد المائية على ثلاث محاور أساسية هي اولها: ترشيد استخدام الموارد المائية الزراعية الراهنة من خلال دراسة التركيب المحصولي الراهن وتعديله بحيث يتم التوسع في مساحة المحاصيل ذات الاحتياجات المائية المنخفضة مثل القمح (1389م3)، الذرة الشامية (2925م3)، وتقليل مساحة المحاصيل ذات الاحتياجات المائية العالية مثل قصب السكر والأرز، كما تهدف خطة الدولة إلى توفير 1.5 مليار م3 من المياه نتيجة إحلال بنجر السكر محل قصب السكر وتخفيض المساحة المزروعة أرز من 1.5 مليون فدان إلى 950 ألف فدان. وثانيها: توفير مصادر مائية جديدة وذلك بالاستفادة من مياه الصرف الزراعي وخلطها بمياه عذبة بنسبة (1:1)، وزيادة الاعتماد على مياه الأمطار عل الساحل الشمالي للبلاد وسيناء وخفض الكمية المفقودة من مياه النيل في البحر. وأخيرا ثالث هذه المحاور هى: تعظيم كفاءة استخدام مياه الري من خلال تطوير وتحديث نظم الري الحقلي بغرض ترشيد استخدام مياه الري وتقليل الفاقد وخفض نسب التلوث.

* ثالثا: ترشيد استخدام المياه: أما عن مفهوم ترشيد استخدام مياه الري فهو الوسائل والأساليب الفنية والتكنولوجية والاقتصادية الممكنة لتحقيق الاستخدام الاقتصادي لمياه الري والمحافظة على البيئة. ​​​ومن التعريف السابق يتبين أن هناك أساليب فنية وأخري اقتصادية لترشيد استخدام مياه الري.

ومن أهم الأساليب الفنية التوسع في مشاريع الري عن طريق تحسين وتحديث شبكات الري على المستوي القومي، وشبكات التوزيع وتبطين القنوات، ورفع كفاءة الري الحقلي وتطوير عمليات الخدمة الزراعية وذلك لزيادة تخزين المياه في التربة عن طريق تقليل عدد مرات الحرث والتسوية بالليزر لسطح الأرض، وتوسيع نطاق استخدام وسائل الري الحديثة ذات الكفاءة الاروائية المرتفعة والإنتاجية العالية،ومراجعة قطاعات الترع وصيانتها والتخلص من الحشائش المائية ،واستعمال الري التكميلي ويعتمد عليه في مناطق الزراعة المطرية.

​​أما الطرق الاقتصادية فأهمها تعديل التركيب المحصولي الحالي وهو أمر مرتبط بالنمط الغذائي السائد والسياسات السعرية المبنية على اقتصاد السوق والظروف الاجتماعية والعادات، ويتطلب ذلك زراعة المحاصيل ذات الاحتياجات المائية الأقل والمقاومة للجفاف، وتقدير قيمة مياه الري حيث يدفع ذلك المزارعين على تبني فكرة تطوير أنماط الزراعة والري.

* رابعا: فواقد المياه وتلوثها: يتم تخزين المياه في بحيرة السد العالي ويتم إطلاقها حسب الاحتياجات الفعلية خلال نهر النيل وشبكات الري وبالتالي تتعرض لنوعين من المخاطر وهما الفقد والتلوث.

1- الفواقد في المياه: يكون بالتسرب في الحقول والقنوات والمجاري المائية المكشوفة وكذلك بالبخر عن طريق النقل والتوزيع وعند الاستخدام، وقدرت وزارة الموارد المائية والري فواقد المياه بحوالي 35% من إجمالي المياه المنصرفة من السد العالي، كما قدرت المياه المفقودة بسبب الحشائش المائية بحوالي (3-3.2) مليارم3، أما كمية المياه المفقودة بالبخر من بحيرة السد العالي فقد بلغت حوالي 10 مليار م3 سنوياً ويتم فقد كميات المياه التي تطلق بغرض الملاحة والموازنات وتوليد الكهرباء في فترة اقل الاحتياجات في البحر وقد بلغت نحو 3.2 مليار م3 عام 2007/2006 وقد قامت وزارة الموارد المائية بالحد من هذا الفاقد وذلك بتقليل فترة السدة الشتوية، وإعادة النظر في تقسيم شبكة الري اعتباراً من عام 1995/1994 الى ثلاث مناطق رئيسية هي مصر العليا والوسطي والدلتا وحقق هذا التقسيم انخفاضاً في كمية المياه المنصرفة في البحر لم يتجاوز مليار م3، وفي السنة التالية عام 1996/1995 ثم تقسيم مناطق الجمهورية إلي أربعة مناطق مما أدي إلى خفض الفاقد إلى 265 مليون م3.

كما توجد فواقد في شبكة الاستعمالات المنزلية تقدر بنحو 1.8 مليار م3 عام 2006 ومن المنتظر في عام 2025 زيادة المياه النقية ما بين 9.6-14.9 مليار م3 وقدرت نسبة الفاقد من الشبكات ما بين (10% إلى 36.5%) بسبب ضعف الوعي لدي المواطنين بالإضافة إلى تهالك الشبكات ورش الشوارع صيفا وري الحدائق المنزلية بمياه نقية، واستهلاك الدواوين الحكومية الذي يقدر بنحو 75.7% من استهلاك الوحدات غير السكنية. أما الفاقد من مياه الصناعة فلا تتوافر بيانات عنه وبالتالي يجب استخدام مياه ذات نوعية اقل من المياه النقية والمخصص للشرب.

2- تلوث المياه: ​وهي من أهم المشاكل التي تقف عائقاً أمام عمليات التنمية وخاصة في الزراعة لارتفاع تكلفتها حيث تعتمد التنمية على إمكانية الحصول على مياه ذات نوعية مناسبة للغرض التي تستخدم من أجله سواء زراعياً أو صناعياً أو حضرياً، كما أن زيادة السكان بمعدلات كبيرة يقابلها احتياجات مائية كبيرة لأغراض الشرب والاستخدامات الحضرية واستصلاح الأراضي.

​كما ازدادت كميات مياه الصرف الزراعي والصحي والصناعي والتي تصب في النيل مباشرة دون ادني معالجة مما يلوث مياه النيل على طول مجراه ،وبالتالي يجب الالتزام بتحسين نوعية المياه السطحية ومراقبة ملوثات الصرف الصناعي وعدم صرف مخلفات المنازل والصرف الصحي مباشرة في المصارف وذلك بتوفير خزانات ترسيب لمعالجتها قبل استخدامها في زراعة محاصيل الفاكهة وإجراء اختبارات بكتريولوجية على نوعية مياه الآبار الجوفية وتشجيع المزراعين على استخدام نظم ري حديثة تقلل من فاقد المياه، كما يجب تفعيل قوانين وغرامات تلوث المياه.

الاستنتاج

وأخيراً فان الحاجة ملحة للعمل وفق برامج وأهداف محددة للحفاظ على المياه وتنميتها داخل الحدود المصرية وخاصة أن مشروعات أعالي النيل خارج الحدود المصرية غير مضمونة التنفيذ في الوقت القريب حيث أن هناك عقبات كثيرة تقف عائقاً أمام تنفيذ تلك المشروعات حيث أن تلك المناطق لا يوجد بها استقرار سياسي مثل جنوب السودان وإثيوبيا، كما أن هذه المشروعات تحتاج إلى استثمارات ضخمة لتنفيذها.

كما توجد ضغوط من بعض دول حوض النيل على مصر وعلي رأسها كينيا تشكك في حق مصر التاريخي في حصتها من مياه النيل، وتضغط على مصر لتدفع ثمن المياه لدول المنبع، وهم يبررون ذلك بان المياه ثروة طبيعية قومية مثل الفحم والبترول ولكن الرد سهل جداً على ذلك بان المياه سطحية ومتحركة بينما الفحم والبترول فهم ثابتين في باطن الأرض وبرغم ذلك فان هذه الدول لديها فائض من المياه يعوق عمليات التنمية بها ومعظم أراضيهم تروي بمياه الأمطار.

كما هددت بعض دول المنبع باللجوء إلى محكمة العدل الدولية لمقاضات مصر لدفع مقابل للمياه لدول المنبع، بالرغم من أن مصر لها حق تاريخي ثابت في حصة مياه النيل تقدر بنحو 55.5 مليارم3، كما أن هناك كثير من الأنهار الدولية في العالم تنبع من دول وتصب في دول أخري مثل دجلة والفرات ولا تقوم تلك الدول باي أعمال عدائية.

وبرغم ان حصة مصر والسودان حوالي 84 مليارم3 وهي لا تتعدي 5% من إيراد النهر والبالغ حوالي 1600 مليارم3 والباقي وقدره 1516 مليارم3 وبنسبة 95% لباقي دول حوض النيل الاخري وهي اثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا ويورندي وكينيا والكونغو وأرتيريا وجنوب السودان ويضيع الجزء الأكبر من المياه بالبخر والتسرب، بذلك تبين ان المشكلة لا تكمن في قلة أو ندرة المياه وإنما تكمن في عدم إدارة المياه بطريقة تكاملية ووجوب حسن استغلالها دون الأضرار بمصالح باقي الدول، وبالتالي فان المشكلة ليست في تقسيم المياه والحصص بين الدول وإنما في رؤى متعارضة تغذيها قوي خارجية لها مصلحة أكيدة في عدم إتفاق دول حوض النيل حتى تدخل في الخط بين دول الحوض وتحاول تحقيق مصالحها الذاتية وهي خروج المياه من دول المجري وامتدادها للآخرين.

الخلاصة

يجب على السياسة المصرية ذيادة توطيد العلاقات الاقتصادية مع دول حوض النيل العشرة والتعاون معها في جميع المجالات وتكوين مجموعة اقتصادية من هذه الدول يربطهم نهر النيل، وتفعيل دور مجموعة الاندوجو والتي كانت تجمع لمجموعة دول حوض النيل في القريب.

وقد قامت مصر في السنوات الماضية بتقديم العون الفني والمالي لتلك الدول على مر السنين باعتبارها من الدول الفقيرة فقراً مدقعاً وتستحق المساعدة، حيث هناك أربع دول من دول حوض النيل تعتبر من أكثر دول العالم فقراً مثل المشاركة مع السودان في تنفيذ المرحلة الأولي لقناه جونجلي والتي توقف العمل بها بسبب الحروب الأهلية في جنوب السودان، والمشاركة في إنشاء سد أوين في أوغندا، وخزان سنار وجبل الأولياء في السودان، وتطهير اجزاء من بحيرة فكتوريا لصالح مجتمع صائدي الأسماك في أوغندا وتنزانيا، ودق عدد كبير من أبار المياه الجوفية في أوغندا وتنزانيا، والمساهمة في الإدارة المائية للكونغو الديمقراطية، وكذلك زراعة الحبوب وإنشاء محطات ومراكز البحوث المائية في أوغندا وتنزانيا.

كما يجب التأكيد على ترشيد استخدام مياه الري مع تحسين طرق الري وإبدال طرق الري السطحي بالري السطحي المطور للمحاصيل الزراعية، أما حدائق الفاكهة فتعمل بأسلوب الري بالتنقيط حتى ولو كان الإبدال عن طريق قروض طويلة الأجل من بنك التنمية والائتمان الزراعي، وكذلك العمل على تقليل الفاقد وتفعيل القوانين والتي تحد من تلوث المياه مع توفيق أوضاع المصانع التي تلقي بمخلفاتها في النيل منعاً للتلوث، وبذلك نضمن أن تكون للمياه اقتصاديات بلا إسراف فالزراعة أو الإنتاج الغذائي لا يحسب بالأراضي الزراعية فقط ولكن بكميات المياه والقدرة على استغلالها والاستفادة منها.

المراجع

* A.H. Garretson.: The law of international drainage basin. Ocean A Publication Inc., New York. 1969 p. 256. See also W.A. Hence.: The geography of Modern Africa. Colombia Picture Press, New York. 1967 p. 119
* Abate, Z.: The integrated development of Nile Basin waters. Center of Near Middle Eastern Studies, SOAS, University of London. 1990.
* Cheesman, R.E.: Lake Tana and the Blue Nile Frank Cross and Company Limited, London. 1968 p.14
* Collins, R.O.: The Waters of the Nile: Hydropolitics and the Janglei Canal, 1900-1988 Oxford, 1990, pp. 400-413.
* J.A.(eds) The Nile: Sharing a scarce resource Cambridge University Press. 1999 p.317
* Kliot, N.: Water Resources and Conflict in the Middle East, Routledge ,London & New York, 1994. p.51.
* Namrath Alfred: Egypt the land between sun and Nile, Kummer and Frey. Berne. 1920 p.32
* Ntambirweki, J.: “Colonial treaties and the legal regime of the Nile Valley: Re-thinking the legal framework into the 21st century”, paper presented at the 4th Nile 2002 Conference, Kampala, Uganda, 1996.
* Okidi, C.: “Development and the environment in Kagera Basin under the Rusumo treaty, Discussion paper No. 284, Institute for Development Studies, Nairobi, Kenya, 1986.
* T.Tvedt.:”The management of water and irrigation: The Blue Nile.” in Doornbos, M.(ed) Beyond conflict in the Horn of Africa James Curry Ltd., London 1992 p.82
* Tilahun, W.: Egypt’s Imperial Aspirations over Lake Tana and the Blue Nile, United Printers Ltd., Addis Ababa, 1979, p. 75.
* Waterbury, J.: Hydro politics of the Nile Valley, Syracuse University Press, New York, 1979.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى