المردود الاقتصادي للحدائق العامة وسُبل تنميته
بقلم: د.نجلاء محمد إسماعيل
باحث أول بقسم بحوث الحدائق النباتية ونباتات الزينة بمحطة بحوث البساتين بالصبحية الإسكندرية
طبقا لتقارير منظمة الصحة العالمية فإن الأمراض غير المعدية مثل السرطان وأمراض القلب والأمراض التنفسية المزمنة ومرض السكري والاضطرابات العقلية والعصبية هى المسؤولة عن 68% من الوفيات في العالم. ويُنتظر أن يتسبب تغير المناخ في مئات الآلاف من الوفيات السنوية بحلول عام 2030.
تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك
من أهم العوامل التي تسهم في خطر الإصابة بالأمراض غير المعدية هو التعرض لتلوث الهواء وقلة النشاط البدني. وجد أن 88% من السكان في المناطق الحضرية معرضون لمستويات من تلوث الهواء الخارجي تتجاوز المستوى الذي حددته منظمة الصحة العالمية المتعلق بنوعية الهواء.
لقد وجد أن الحدائق والمساحات الخضراء تقوم بالتخفيف من آثار تغير المناخ والحد من تلوث الهواء، كما أنها تعمل على تقليل التعرض لعامل رئيسي من العوامل المسببة للأمراض غير المعدية – وهو انعدام النشاط البدني – الذي يتسبب في 3,2 مليون حالة وفاة سنوياً.
الحدائق والمساحات الخضراء توفر للناس فرصا لزيادة ممارسة النشاط البدني مثل المشي وركوب الدراجات في أوقات الفراغ، ولذا فإن الاستثمارات في الحدائق العامة والمساحات الخضراء في المدن تمثل وسيلة فعالة لتحسين الصحة والوقاية من الأمراض والتخفيف من آثار تغير المناخ أيضا.
ما يدعو للأسف تعرض الحدائق والمساحات الخضراء في مصر للنقص الشديد نتيجة لتركيز أولويات التنمية الزراعية على تحقيق الأمن الغذائي، وأن التشجير لا يعتبر من الأسبقيات التي تحظى باهتمام المسئولين باعتباره نوع من الترف متناسين أهمية تلك المساحات بالنسبة لسكان المدينة، والتي بمثابة الرئة التي يتنفسون منها في أوقات العطلات والفراغ والمناسبات بعد تعرضهم للملوثات المختلفة نتيجة الأنشطة الصناعية وغيرها، ما يؤدى لعدم التوازن بين النمو والمتطلبات السكانية على حساب المناطق الخضراء.
الحقيقة، إن للحدائق والمتنزهات أهمية اقتصادية أخرى غير إضفاء الجمال على المدن وتحسين البيئة والمناخ وذلك من خلال الدور النفسى الذى تؤديه، حيث يكتسب المواطنين السلوكيات الصحية والنفسية الجيدة نتيجة التعامل مع تلك الحدائق والمنتزهات باعتبارها ممتلكات شخصية لهم يجب الحفاظ عليها، ما يؤدى في النهاية لزيادة العائد الاقتصادى للأفراد والمجتمع ويزيد الإنتاج والإنتاجية بشكل عام.
يتمثل العائد المادي للحدائق العامة في:
– توفير فرص العمل في تلك الحدائق للمهندسين الزراعيين والمشرفين والفنيين والعمال في جميع القطاعات الفنية والإدارية.
– العائد المالي من رسوم ارتياد الجمهور لتلك الحدائق والذى يمكن زيادته بإصدار بطاقات ذكية مسبقة الدفع لدخول الحدائق (الفضية تتيح لحاملها الدخول مرة سنويا بقيمة ….. جنيه، والذهبية تتيح لحاملها دخول لمدة عام كامل بقيمة …… جنيه).
– الأنشطة الخدمية المختلفة مثل إنشاء المشاتل وتسويق نباتات الزينة المختلفة، وكذلك مستلزمات الإنتاج الزراعي والقصارى والأسمدة والمبيدات.
– العائد المالي من إقامة مركز استشارى لتقديم الخدمات مدفوعة الأجر فى مجال تصميم وإنشاء وتنسيق وصيانة الحدائق.
– العائد المادى من تكوين فريق عمل من العاملين بالحدائق لتزيين السيارات وأماكن الحفلات والمنازل وعمل بوكيهات الأفراح والمناسبات المختلفة.
– العائد المادى من رسوم جلسات التصوير وأعياد الميلاد بالحديقة.
على صعيد آخر فإن العائد الاستثمارى للحدائق العامة يمكن زيادته بعمل خطة متكاملة لإنارة الحدائق العامة وتشغيلها ليلا، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على هوية وطراز الحديقة وكافة عناصرها والنواحى الجمالية الأساسية بها وتحقيق التوازن بينها وبين توفير عدة مجالات ترفيهية لمرتادي تلك الحدائق وبأسعار مناسبة مثل:
1ـ إنشاء سوق تجاري لتلبية احتياجات الزوار من الأطعمة والمشروبات الخفيفة والهدايا التذكارية.
2ـ تسيير وسيلة نقل خفيفة (طفطف) لخدمة الزائرين واطفالهم بسعر رمزى.
3ـ مشروع ركن الأطفال، حيث يقترح عمل مكان خاص بالأطفال وويقسم لعدة مناطق:
ـ مكان مخصص للألعاب الحديثة الآمنة التي تتناسب مع كافة الأعمار بسعر مناسب.
ـ إنشاء مرفق تعليمي للأطفال لتعريف النشء بأنواع النباتات وطرق العناية بها وكيفية الزراعة والري بأسلوب مبسط في قالب ترفيهي ومعلومات تهدف إلى تنمية الوعي لدى الأطفال، ويتم تقديم ورش عمل زراعية وتدريبهم عمليا على طرق التعامل مع النباتات.
ـ تخصيص منطقة اخرى للعلوم البسيطة التى يتم بها عرض افلام تعليمية وبها ألعاب مبسطة عن الفضاء والطبيعة وكذلك إجراء بعض التجارب التى يشارك بها الطفل بتذكرة دخول منفصلة.
ـ عمل منطقة ترفيهية لذوى الاحتياجات الخاصة بحيث تكون مجهزة بألعاب ومقاعد وجميع ما يلزم لقضاء امتع الأوقات مما يجذب تلك الفئة المهمشة، ويجعلها أكثر انتماء للوطن ويرفع من الروح المعنوية لهم ولأسرهم.
4ـ بالنسبة للأسر والعائلات: يقترح إنشاء عدد من الأكواخ Day use لتوفير الخصوصية لهم لقضاء يوم مميز بالحديقة بسعر منفصل عن تذكرة دخول الحديقة.
5ـ مقترح مشروع محمية أوحديقة للفراشات ذات الألوان الزاهية الجميلة التى تجذب الكبار والصغار لقضاء امتع الأوقات فى التعليم والترفيه معا ولها تذكرة منفصلة للدخول. حيث يمكن للزائر مُشاهدة هذا المخلوق الرقيق والاستمتاع بملامستها والتعرف على دورة حياة الفراشات ومُشاهدتها وهي تمتص رحيقها من النباتات المُنتشرة بالحديقة عن قرب والتقاط أجمل الصور الفوتوغرافية والفيديوهات مع الفراشات كذكرى لأجمل الأوقات.
6ـ مشروع الحديقة القرآنية: هو عبارة عن تجميع للنباتات التى ذكرت في القرآن الكريم والسنة مثل التين والزيتون والثوم والعدس والبصل والعنب والبطيخ والقمح والزنجبيل وحبة البركة والخيار والريحان والتمر الهندي والقرع والموز والرمان والبطيخ والذرة وغيرهم، مع وضع لافتات تشرح باللغة العربية والانجليزية فوائد كل منها وشرح الإعجاز العلمى والطبى للقرآن الكريم، وكيف أن الطب الحديث قد اكتشف فوائدها للإنسان والبيئة واعتمد عليها فى العلاج.
تهدف تلك الحديقة الى مد جسور التواصل وتبادل الثقافة بين مختلف الشعوب والديانات ويمكن للزوار شراء شتلات لتلك النباتات أو اقتناء ما يحتاجون من بذور من مركز البيع بالحديقة.والصور المعروضة توضح الحديقة القرانية فى دبى.
7ـ مشروع نادى رياضى صحى يقدم مجموعة من الخدمات الصحية الرياضية للجنسين من تمارين رياضية الى برامج التخسيس والساونا وبرامج اليوجا والتأمل والاسترخاء باشتراك يومى أو شهرى أو سنوى.
8ـ مشروع حديقة المتاهة : للمتاهات جاذبية تستهوي عشق المغامرة والفضول لدينا، هناك انماطا عديدة من المتاهات فمثلا متاهة الحواس الخمسة فى حديقة ايفوار فى فرنسا عبارة عن استخدام الأعشاب الطبية والعطرية وأشجار الفاكهة و شجيرات الورد وأقفاص الطيور ونوافير المياه وغيرها لرسم ممرات بأشكال معينة حيث يتمتع الزائر بالشم واللمس والتأمل والإصغاء والتذوّق في بعض الأحيان و تتيح تلك المتاهة قدرا كبيرا من الاستمتاع بالمغامرة والتعلم للكبار والصغار.