«السمن البلدي».. غذاء مظلوم أم سبب للأمراض؟
إعداد: د.أميرة عبدالهادي عوض
باحث بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – مركز البحوث الزراعية
الزيوت والدهون الصالحة للأكل هي جزء حيوي من النظام الغذائي للإنسان، ليس فقط بسبب تحسينها للطعم والنكهة، ولكن أيضًا لتوفير الأحماض الدهنية الأساسية، والفيتامينات الذائبة في الدهون، وتخليق الهرمونات الإستيرويدية والبروستاجلاندين. وقد زاد استهلاك الزيوت والدهون الغذائية في جميع أنحاء العالم نظرًا لزيادة نصيب الفرد من الدخل، والتحضر، وزيادة تناول الوجبات المسببة للبدانة.
قديمًا، كان السمن البلدي يُستخدم في مصر بكثرة حتى خمسينيات القرن الماضي، حيث نادى الكثيرون بعدم تناوله بزعم أنه يرفع كوليسترول الدم، واتجهوا إلى استهلاك الزيوت المهدرجة التي يُطلق عليها “المسلي النباتي”. ومع ذلك، زاد انتشار الأمراض مثل البدانة، وتصلب الشرايين، وأمراض القلب الوعائية، والسرطان.
السمن البلدي يحتل مكانة مهمة في النظام الغذائي لربة المنزل المصرية، بالرغم من الادعاءات بأن دهن اللبن ضار بالصحة لاحتوائه على نسبة عالية من الأحماض الدهنية المشبعة، وارتفاع ثمنه. إلا أن السمن البلدي ما زال يُستخدم على نطاق واسع لدى بعض الأسر المصرية لما له من طعم جيد ونكهة مميزة.
يُنتج السمن البلدي محليًا في العديد من دول العالم، خاصة في آسيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، ويُعرف بعدة أسماء منها “سمنة” في مصر، و”سامين” في السودان، و”سامن” في الشرق الأوسط، و”روجان” في إيران، و”سامولي” في أوغندا.
يحتوي السمن البلدي على 99% دهون، غالبًا ما تكون في صورة شبه صلبة عند درجة حرارة الغرفة. وعادةً ما يتم تحضيره من الزبد الناتج عن حليب الأبقار أو الجاموس. ويُعرف السمن حديثًا بأنه “منتج يُحصل عليه حصريًا من الحليب أو القشدة أو الزبدة، عن طريق عمليات تؤدي إلى إزالة شبه كاملة للماء والمواد الصلبة غير الدهنية، مع تكوين نكهة خاصة”.
يمتاز السمن البلدي بفترة حفظ طويلة تصل إلى 6–8 أشهر في درجة حرارة الغرفة، ويرجع ذلك إلى انخفاض نسبة الرطوبة إلى أقل من 0.5% واحتوائه على مضادات أكسدة طبيعية.
يتكون دهن اللبن البقري من حوالي 25% أحماض دهنية أحادية عدم التشبع، و2.3% أحماض دهنية متعددة عدم التشبع، و70% أحماض دهنية مشبعة، منها نحو 11% أحماض دهنية قصيرة السلسلة، يمثل حمض البيوتيريك أكثر من نصفها، وهو موجود فقط في دهن اللبن، ويُعد عاملًا إيجابيًا لصحة الإنسان، إلى جانب حمض اللينوليك المقترن (CLA)، وكلاهما يساهم في الحد من الإصابة بالسرطان، والبدانة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، من خلال خفض الكوليسترول الكلي، والليبوبروتينات منخفضة الكثافة (LDL)، وتحسين مستويات الليبوبروتينات عالية الكثافة (HDL) في البلازما.
الأحماض الدهنية الأساسية هي حمض اللينوليك (أوميغا 6) وحمض ألفا-اللينولينيك (أوميغا 3)، وهي أحماض دهنية غير مشبعة تلعب دورًا في خفض نسبة الكوليسترول في الدم، وبالتالي تحمي من أمراض القلب والأوعية الدموية، إضافةً إلى أمراض مزمنة أخرى مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.
ينتج عن حمض اللينوليك داخل الجسم حمض الأراكيدونيك، وهو مهم لنمو وتطور وظائف المخ، كما ينتج عن حمض ألفا-اللينولينيك حمضا EPA وDHA، وهما ضروريان للحفاظ على صحة الدم، ووظائف الدماغ، والوقاية من الاضطرابات العصبية والأمراض المزمنة.
يُعد حمض اللينوليك المقترن (CLA) مكونًا غذائيًا هامًا، يتكون من مشابِهات هندسية من حمض اللينوليك (cis9,cis12) برابطتين مزدوجتين مقترنتين في سلسلة الحمض الدهني، ويتكون هذا الحمض في كرش الحيوانات المجترة بواسطة بكتيريا Butyrivibrio fibrisolvens، ويُعد دهن اللبن أغنى مصدر غذائي طبيعي لـ CLA، حيث يحتوي على 4.5 ملجم/جم من الدهن. وتزداد مستويات CLA في اللبن عندما تُغذى الأبقار على العشب بدلًا من الحبوب، ولهذا يُعتقد أن مستوياته في الطعام كانت أعلى في الماضي.
في دراسة لـChinnadurai et al. (2013)، وُجد أن تناول السمن الغني بـ CLA أدى إلى زيادة أنشطة الإنزيمات المضادة للأكسدة مثل SOD وCAT، كما أدى إلى انخفاض مستويات الكوليسترول، والدهون الثلاثية، والليبوبروتينات منخفضة الكثافة، مع زيادة البروتينات الدهنية عالية الكثافة، مما يقلل من مؤشر تصلب الشرايين، وهو ما يشير إلى أن السمن البلدي قد يكون عنصرًا غذائيًا فعالًا في تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وقد أظهرت دراسات عديدة التأثيرات الفسيولوجية المفيدة لحمض اللينوليك المقترن، منها دوره كمضاد لتصلب الشرايين، وتقليل تراكم وتصنيع الدهون، من خلال آليات مثل زيادة استهلاك الطاقة، وتعديل أيض الخلايا الدهنية، وزيادة أكسدة الأحماض الدهنية عبر مسار أكسدة بيتا، أو من خلال تعديل إفراز الهرمونات مثل اللبتين والأنسولين، مما يوضح الأهمية الفسيولوجية للأحماض الدهنية في امتصاص الجلوكوز، وتنظيم التمثيل الغذائي للأنسولين، وتقليل الالتهابات.
كما تبين أنه عند استخدام دهن اللبن كمصدر وحيد للدهن بنسبة 10% في تغذية الفئران لمدة أربعة أسابيع، لم يُلاحظ أي تأثير معنوي على مستوى الكوليسترول الكلي في الدم، أو بيروكسيدات خلايا الكبد، بينما لوحظ ارتفاع في مستوى الدهون الثلاثية في الدم.
يوصي خبراء التغذية بأن يُستمد حوالي 30% من إجمالي الطاقة من الدهون، بحيث لا تتجاوز الدهون المشبعة 10% من إجمالي الطاقة، وتُقسم الـ20% المتبقية بين الأحماض الدهنية متعددة عدم التشبع (10%)، والأحماض الدهنية أحادية عدم التشبع (10%). كما ينبغي أن يتراوح التوازن المثالي بين تناول أحماض أوميغا 6 وأوميغا 3 بين 5–8% و1–2% من الاستهلاك اليومي للطاقة (WHO, 2003).
لذا، يجب عدم تجاوز نسبة 10% من الأحماض الدهنية المشبعة في النظام الغذائي اليومي، والحرص على الاعتدال والتوازن في تناول الزيوت والدهون، للاستفادة من قيمتها الغذائية دون التعرض لمخاطر الإفراط في استهلاك الدهون المشبعة.
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.