الزواج في مصر بين ضعف التأهيل وارتفاع معدلات الطلاق
بقلم: د.أسامة بدير
أصبح الطلاق في السنوات الأخيرة ظاهرة مُقلقة تُهدد استقرار المجتمع المصري. فقد أظهرت إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد حالات الطلاق في مصر بلغ 269,8 ألف حالة عام 2022، مقارنة بـ254,8 ألف حالة في عام 2021، بزيادة قدرها 5,9%. كما تشير الدراسات إلى أن أعلى نسبة لحالات الطلاق تحدث خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج، حيث بلغت 27,4% عام 2018، وارتفعت إلى 27,7% عام 2020. هذه الأرقام تعكس أزمة حقيقية تتطلب دراسة الأسباب والعمل على معالجتها.
يُعزى جزء كبير من ارتفاع معدلات الطلاق إلى نقص التأهيل والتوعية لدى الشباب والفتيات قبل الزواج. فكثير من الفتيات يدخلن الحياة الزوجية دون امتلاك المهارات الأساسية لإدارة المنزل أو تحمل المسؤوليات الأسرية، مما يؤدي إلى توترات مستمرة مع الشريك. وعلى الجانب الآخر، يعاني بعض الشباب من قلة الوعي بمفهوم الزواج كمسؤولية تتطلب الالتزام والتعاون، فيتصرفون بأنانية أو يتهربون من التزاماتهم الزوجية، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات الأسرية.
التنشئة الاجتماعية تؤدي دورا محوريا في تأهيل الأفراد لتحمل مسؤوليات الزواج وبناء أسر مستقرة. فمنذ الطفولة، يتأثر الذكور والإناث بالقيم والعادات التي يغرسها المجتمع والأسرة فيهم، والتي تشكل رؤيتهم للحياة الزوجية لاحقا. عندما ينشأ الطفل في بيئة تُعزز ثقافة التعاون والمسؤولية، فإنه يكتسب مهارات التعامل مع الضغوط الحياتية ويصبح أكثر قدرة على إدارة الأزمات الزوجية. وبالمثل، فإن تدريب الفتيات على المهارات المنزلية، وتعليمهن أهمية المشاركة والتفاهم مع الشريك، يسهم في خلق جيل أكثر استعدادًا للزواج. لذلك، يجب أن يحرص المجتمع على تربية الأبناء على أسس سليمة، تحفزهم على تحمل المسؤوليات الأسرية، مما يساهم في تقليل نسب الطلاق وتحقيق الاستقرار الأسري.
تؤدي العوامل الاقتصادية دورا كبيرا في تفاقم أزمة الطلاق، حيث تؤدي الأعباء المالية المرتفعة إلى ضغوط متزايدة على الزوجين. فارتفاع تكاليف الزواج، ثم الالتزامات المالية المتزايدة بعد الزواج، يخلق توترات نفسية واجتماعية قد تؤدي إلى الخلافات المستمرة التي تنتهي بالطلاق. كما أن بعض الأزواج يفتقرون إلى الوعي بكيفية إدارة الميزانية الأسرية، مما يفاقم المشكلات المالية داخل المنزل ويؤثر سلبًا على استقرار الأسرة.
في عصر التكنولوجيا، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي من العوامل المؤثرة على استقرار العلاقات الزوجية، حيث ساهمت في خلق توقعات غير واقعية عن الزواج. فالبعض يقارن حياته الزوجية بصور مثالية تُعرض على الإنترنت، مما يجعله يشعر بعدم الرضا عن شريكه. كما أن الاستخدام المفرط لهذه الوسائل قد يؤدي إلى إهمال الشريك، مما يخلق فجوة عاطفية بين الزوجين تؤثر سلبا على العلاقة الزوجية وتزيد من احتمالية الانفصال.
يُعد غياب ثقافة الحوار والتفاهم من أبرز الأسباب المؤدية إلى الطلاق. فكثير من الأزواج لا يمتلكون مهارات التواصل الفعّال أو القدرة على حل النزاعات بطريقة بناءة، مما يؤدي إلى تفاقم الخلافات البسيطة وتحولها إلى أزمات كبرى تهدد استقرار الأسرة. ولذا، فإن تعزيز ثقافة الحوار بين الأزواج يُعد أمرا ضروريا للحفاظ على استمرارية العلاقة الزوجية، حيث يسهم الحوار الفعّال في تقوية الروابط الأسرية وتحقيق التفاهم المتبادل بين الزوجين.
إن الزواج ليس مجرد ارتباط بين شخصين، بل هو مسؤولية مشتركة تتطلب الوعي والنضج والتعاون. لذا، من الضروري تكثيف الجهود في مجال التوعية والتدريب لكل من الشباب والفتيات قبل الزواج. يتطلب ذلك تعاونا مشتركا بين المؤسسات الحكومية والدينية والمجتمع المدني، لتقديم برامج تأهيلية شاملة تُعد الأفراد لتحمل مسؤوليات الزواج وبناء أسر مستقرة ومتماسكة.
وفي الختام، أُناشد مؤسسات البحث العلمي، وخاصة المتخصصة في الشؤون الزراعية، بتكثيف حملاتها التوعوية في القرى المصرية لتأهيل المُقبلين على الزواج اجتماعيا. فالبيئات الريفية تعتمد بشكل كبير على العادات والتقاليد المتوارثة، مما يجعل التوعية والتأهيل أمرا ضروريا لضمان بناء أسر أكثر استقرارا. إن تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية تهدف إلى تعزيز مفاهيم المسؤولية الزوجية، وإدارة الحياة الأسرية، والتواصل الفعّال بين الأزواج، سيُساهم في الحد من معدلات الطلاق ويُعزز الاستقرار الأسري. فبناء مجتمع قوي يبدأ بأسرة واعية ومتماسكة، وهو ما يتطلب تضافر جهود المؤسسات الأكاديمية والبحثية في نشر الوعي وتحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة.
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.