رأى

«الزراعة المصرية».. نموذج للتعاون الدولي في الحفاظ على الصحة النباتية وسلامة الغذاء

بقلم: أ.د.يوسف دوير

أستاذ كيمياء وسمية المبيدات وزميل الجمعية الملكية البريطانية للحشرات والبيولوجي – المعمل المركزي للمبيدات – مركز البحوث الزراعية

تُعد الصحة النباتية حجر الأساس للأمن الغذائي العالمي، إذ لا يمكن تحقيق وفرة الغذاء أو استدامة الإنتاج الزراعي دون حماية النباتات من الآفات والأمراض العابرة للحدود. وهنا يبرز الدور المحوري الذي تؤديه المؤسسات الدولية في تنسيق الجهود، وتبادل المعلومات، وبناء القدرات في مختلف الدول.

تأتي في المقدمة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) التي أطلقت الاتفاقية الدولية لوقاية النباتات (IPPC). وتمثل هذه الاتفاقية معاهدة حكومية دولية تضم 185 دولة من بينها مصر، وتهدف إلى حماية النباتات ومنتجاتها الزراعية ومواردها الطبيعية من الآفات النباتية. وتُعد المرجع العالمي لوضع المعايير الخاصة بالحجر الزراعي والتفتيش النباتي، بما يضمن منع دخول وانتشار الآفات. ومن خلال هذه الاتفاقية، تُنظَّم حركة النباتات والمنتجات الزراعية عبر الحدود وفق أسس علمية تقلل من المخاطر وتحمي الإنتاج المحلي.

أما المنظمة العالمية لصحة الحيوان (WOAH) ومنظمة التجارة العالمية (WTO) فتقومان بدورٍ مكمل، حيث تضمنان توافق الإجراءات الوقائية مع القواعد التجارية العادلة، وألا تتحول إلى حواجز غير مبررة أمام التجارة الدولية. وتُعد WOAH منظمةً مرجعيةً لـWTO بموجب اتفاقية تدابير الصحة النباتية والصحة الحيوانية (SPS)، التي تهدف إلى حماية حياة الإنسان والحيوان والنبات من مختلف المخاطر.

وفي السنوات الأخيرة، عملت مؤسسات كبرى مثل المركز الدولي للزراعة والعلوم البيولوجية (CABI) والاتفاقية الدولية لوقاية النباتات على دعم الدول النامية عبر برامج تدريبية ومشروعات ميدانية لتعزيز أنظمة الرصد والكشف المبكر، واستخدام التكنولوجيا الحديثة كالذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد لتتبع حركة الآفات.

على الصعيد الإقليمي، برزت جهود المنظمة العربية للتنمية الزراعية (AOAD)، وهي هيئة عربية تهدف إلى تنمية وتنسيق التعاون الزراعي بين الدول العربية، وكذلك منظمة وقاية النباتات لشرق الأدنى (NEPPO) التي تعمل بالشراكة مع منظمة الأغذية والزراعة وأمانة الاتفاقية الدولية لوقاية النباتات لتعزيز معايير الصحة النباتية وتسهيل التجارة الزراعية الآمنة في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا. وقد ساهمت هذه الجهود في حماية الإنتاج الزراعي وضمان الأمن الغذائي، من خلال تبادل الخبرات الفنية، وتدريب الكوادر الوطنية، وتنسيق حملات مشتركة لمكافحة الآفات العابرة للحدود مثل الجراد الصحراوي، والذبابة البيضاء، ودودة الحشد، وسوسة النخيل، وغيرها من الآفات الغازية. كما أسهمت هذه المؤسسات في نشر ثقافة الحجر الزراعي وتحديث التشريعات لضمان سلامة النباتات والمحاصيل.

أما مصر، فتُعد من الدول الرائدة إقليميًا في مجال تعزيز الصحة النباتية وحماية الإنتاج الزراعي. وتقوم وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية بدور محوري في هذا المجال من خلال مشاركتها الفاعلة في أنشطة المنظمات الدولية والإقليمية، وحضور المؤتمرات والندوات العالمية بهدف مواكبة التقنيات الحديثة وتطبيق أفضل الممارسات الزراعية لضمان غذاء آمن وصحي للمواطن المصري. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد شارك معالي وزير الزراعة واستصلاح الأراضي السيد علاء فاروق في جلسات مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بمدينة باري الإيطالية في مايو 2025، لدعم الصحة النباتية في الشرق الأوسط وتبادل الرؤى والخبرات حول تطوير نظم وقاية النباتات وتعزيز التعاون الإقليمي في هذا المجال.

كما تطبق الوزارة إجراءات دقيقة ومتكاملة لمنع دخول الآفات المحظورة مع الواردات الزراعية، فضلًا عن التزامها الصارم بمعايير الصحة النباتية، والذي يتجلى في دور الحجر الزراعي بإصدار شهادات الصحة النباتية (Phytosanitary Certificates) التي تضمن خلو الصادرات الزراعية من الآفات والممرضات النباتية. مما لا شك فيه أن هذه الجهود ساهمت في تعزيز ثقة الأسواق المحلية والدولية بالمنتج الزراعي المصري، وفتح آفاق جديدة للتجارة والصادرات.

ولا يمكن إغفال الدور الحيوي لكلٍّ من المعمل المركزي للمبيدات والمعمل المركزي لمتبقيات المبيدات والمعادن الثقيلة في الأغذية وهيئة سلامة الغذاء المصرية، في إجراء التحليلات الكيميائية والدراسات التي تضمن خلو المنتجات الزراعية أو الغذائية، سواء المخصصة للتصدير أو الواردة من الخارج، من مخاطر التلوث بالمبيدات ومتبقياتها، وذلك وفقًا للمعايير الدولية المعتمدة. كما يضطلع المعمل المركزي للمبيدات بدور قومي في متابعة رصد وتقييم متبقيات المبيدات على المحاصيل الزراعية في الأسواق المحلية، بما يضمن حماية صحة المواطن المصري والمحافظة على الأمن الغذائي القومي.

كما لا يمكن نسيان الدور التشريعي الهام الذي قامت به لجنة مبيدات الآفات الزراعية برئاسة الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم عبد المجيد (رحمه الله)، من خلال قرارها الصادر في عام 2023، والذي يُلزم بإجراء دراسات السمية للمبيدات على المحاصيل الزراعية الموصى عليها كخطوة أساسية لا غنى عنها، ضمن أهم الإجراءات اللازمة لاستكمال ملف تسجيل المبيدات في مصر، ولا سيما في حالة المبيدات التي لا تمتلك مرجعية دولية. ويُعد هذا القرار، رغم تأخر صدوره، من أبرز القرارات التي أسهمت في الآونة الأخيرة في تعزيز الصحة النباتية وسلامة المحاصيل عند تطبيق المبيدات.

كما وضعت اللجنة قيودًا صارمة لضمان الصحة النباتية والحد من أي مخاطر محتملة. ويمكن القول إن لجنة مبيدات الآفات الزراعية المصرية قد بدأت في ترسيخ أسس علمية واضحة لتنظيم وتطوير صناعة المبيدات في مصر، ما يعكس تطورًا نوعيًا في منظومة الرقابة والتشريعات الزراعية ويعزز الاستخدام الآمن للمبيدات.

إن هذه الجهود المتكاملة التي تقودها وزارة الزراعة المصرية ومراكزها البحثية، ممثلة في مركز البحوث الزراعية ومركز بحوث الصحراء، تمثل ثورة زراعية وطنية تهدف إلى زيادة الإنتاج الزراعي كمًا ونوعًا، وسد الفجوة الغذائية، وتعزيز الدخل القومي عبر زيادة حجم الصادرات وجلب العملة الأجنبية، بما يسهم في رفع مستوى معيشة المواطن المصري وضمان أمنه الغذائي وصحته.

وفي الختام، فإن التعاون الدولي والإقليمي في مجال الصحة النباتية لم يعد خيارًا بل ضرورة حتمية، لأن الآفة لا تعرف حدودًا، وانتقالها من قارة إلى أخرى قد يهدد الأمن الغذائي العالمي. ومن ثم فإن دعم المؤسسات الدولية والعربية وتوحيد الإجراءات يُعد خط الدفاع الأول عن صحة النبات، وعن حياة الإنسان واستقرار الغذاء في العالم.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى