دولى

«الزراعة العمودية» تواجه التغيرات المناخية بإنتاج غذاء وفير وآمن

BBC تعتبر الزراعة العمودية أو الداخلية ثورة قد تغير وجه الزراعة في العالم، حيث بدأت تنتشر هذه النوعية من أنظمة الزراعة فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعتمد النظام على حاوية مزودة بتكنولوجيا التحكم في المناخ، وتنمو عليهم أنواع من الأعشاب التي توزع على المتاجر المحلية باستخدام الدراجات. وهذا هو المعنى الحرفي للزراعة في المدن أو وسط المناطق السكنية الحضرية وليس في المزارع والأرياف.

وتملك شركة “سكوير رووتس” هذه الحاويات، وهي واحدة من شركات الزراعة العمودية التي تتوسع بسرعة كبيرة، التي تعد قطاعا يسيطر عليه مجموعة من رواد الأعمال المهتمين بالتكنولوجيا، والذين يرون أن إنتاج الغذاء على شفا أزمة.

وتحظى مدينة جنوة الإيطالية بسمعة عالمية كأفضل منتج للريحان. لكن سكوير رووتس تمكنت من إنتاج ريحان الجنوي في إحدى الحاويات، التي ضبطت الظروف المناخية فيها لتحاكي ساعات إضاءة النهار في المدينة، والرطوبة، ومستويات ثاني أكسيد الكربون، التي تُذاب جميعها في المياه المغذية للنبات.

ويقول توبياس بيغز أحد مؤسسي الشركة إنه “بدلا من شحن الطعام حول العالم، يمكننا شحن الظروف المناخية وتغذية أنظمة التشغيل بها”.

تكلفة الزراعة العمودية

وأسس بيغز، الخبير في الذكاء الصناعي، الشركة منذ عامين، بمشاركة المستثمر كيمبال ماسك (شقيق إلون ماسك). ووقعا اتفاقا مع إحدى أكبر شركات التوزيع، وهي غوردون لخدمات الطعام، لوضع الحاويات في بعض مخازنها.

ويقول إن الاتفاق يلخص كل ما يتعلق بـالزراعة الداخلية، فهي تنمو محليا، وتُنقل بسرعة للسوق، ويكون إنتاجها طازجا ومتاحا طوال العام، ويخلو من المبيدات، ولا يتأثر بـالتقلبات الجوية.

وأضاف بيغز أن الزراعة الداخلية “توفر الكثير من الأجوبة على اهتمامات المستهلكين في العصر الحديث، مثل المنشأ، والاستدامة البيئية، والفوائد الصحية للطعام”.

ويقدر جيفري لانداو، مدير تنمية الأعمال في مؤسسة “أغريتيكتشر” للاستشارات، أن القيمة العالمية لسوق الزراعة العمودية ستزيد إلى حوالي 6.4 مليار دولار بحلول عام 2023، مقابل 403 مليون دولار عام 2013. ويعود الفضل في نصف هذه الزيادة إلى الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من التكلفة الكبيرة والعدد المحدود للأنواع التي يمكن زراعتها بهذه الطريقة، إلا أن المستثمرين لم يفقدوا الأمل. فمؤخرا، حصلت شركة “آيرو فارمز”، المنتجة للخس وغيره من الخضروات الورقية، على تمويل بقيمة 100 مليون دولار من شركز إنغكا، المالكة لمتاجر أيكيا. كما حصلت شركة “بوري فارمينغ” على تمويل قدره 95 مليون دولار عام 2018، بدعم من “غوغل فينتشرز” ورئيس شركة أوبر، دارا خوسروشاهي، ليصل إجمالي استثماراتها إلى 122.5 مليون دولار.

كذلك حصلت إحدى أكبر الشركات الأمريكية، وتُدعى “بلينتي”، على تمويل من رئيس سوفت بانك، ماسايوشي سون، والرئيس السابق لغوغل، إريك شميت. وتطمح الشركة لبناء مئات المزارع العمودية في الصين. وفي المملكة المتحدة، تستثمر شركة أوكادو لتوصيل الطعام في تكنولوجيا الزراعة الداخلية.

لكن ثمة قصص فشل أخرى، إذ يقول لانداو إن “المزارع العمودية تحتاج بكثافة لاستثمارات ورأس مال. ولعل أكثرها تكلفة هي أنظمة الإضاءة. ثم تأتي التهوية، والتكييفات، والري، والحصاد.”

وتابع: “خطأ بسيط قد يتسبب في تكلفة إصلاحات باهظة”.

اختار بيغز نظاما نموذجيا قائما على حاويات الشحن، إذ يقول إنه يسهل التحكم في حجم الإنتاج بسرعة وفقا للطلب. “يمكننا تخصيص مزرعة أعشاب في مدينة جديدة بتكلفة أقل من 500 ألف دولار، بحيث تنمو خلال شهرين. علينا فقط أن نضغط زر الريحان، أو النعناع، أو الطرخون، وسيضبط الصندوق الإعدادات ليوفر الظروف المناخية الأكثر ملائمة لنمو هذا النوع”.

لكن الأمور تسير بشكل مختلف في “بوري فارمينغ”، وموقعها نيو جيرسي. فالشركة البالغ عمرها خمسة أعوام تدير مزارع بحجم المصانع. وخارج أحد مخازنها الذي تخلو أسواره من الشبابيك، يومض جهاز التحكم في الحرارة من بين الحوائط الخرسانية. وهو تناقض كبير مع الأجواء الباردة داخل المخزن، حيث تفوح رائحة الزراعات الطازجة فور دخوله.

أنظمة تشغيل الزراعة العمودية

تنمو المزروعات على ألواح مرصوصة فوق بعضها حتى ارتفاع السقف، لتحقيق الاستفادة العظمى من الارتفاع. وتكون العملية آلية بالكامل، بدءا من ماكينات الغرس وحتى الحصاد، وتُدار عن طريق نظام تشغيل خاص يتحكم في الإضاءة، ويضبط مستويات المغذيات في المياه، ويلتقط صورا لكل نبتة لمتابعة صحتها.

ويقول إرفينغ فاين، مؤسس الشركة إن “نظام التشغيل هو الجهاز العصبي المركزي. هناك الكثير من نقاط البيانات. والذكاء الصناعي في عملية تعلم مستمرة، ويتوقع طريقة إنتاج منتج بأفضل جودة ممكنة”.

وأضاف أنه من الصعب إدارة المزرعة يدويا، لكن العاملين يديرون عملية الإنتاج عن طريق شاشات كمبيوتر وأجهزة لوحية.

وبدأت الزراعة الداخلية منذ عقود، لكن الدفعة القوية كانت مع تطوير مصابيح وأنظمة إضاءة “ليد” بتكلفة أقل. وبدمج هذه التكنولوجيا مع استخدام الروبوت، والابتكارات، والذكاء الصناعي، أصبحت الصناعة – كما يصفها فاين – حيوية وقابلة للتوسع.

لكن التساؤل الأكبر كان عن كيفية زراعة كميات كبيرة بنفس مستوى الجودة المرتفع.

وفجأة، تغيرت الحسابات الاقتصادية، “فأصبح بمقدورنا الاستمرار في الإنتاج لمدة 365 يوما في العام، في نقلة كبرى عن وسائل الزراعة المعتادة منذ آلاف السنين. وبعكس الزراعة التقليدية، يمكن ضمان جودة محصولنا بنسبة مئة في المئة”.

ويتحدث رواد الزراعة العمودية بلهجة رواد الأعمال من خلفية عالم التكنولوجيا. ومع النمو السكاني والتغير المناخي، زادت الضغوط على إنتاج الطعام، فزادت قناعة أصحاب هذه المشروعات بقدرتهم على تقديم حلول.

وهنا تبرز أحد التحديات التي تواجهها هذه الصناعة، إذ لا يمكن أن يعتمد العالم في طعامه على الورقيات. ويرى فاين أن قدرة شركة “بوري” على زراعة الخس أو الملفوف “ستظل نجاحا في حد ذاتها”. لكنه يطمح في المزيد، وإذ تنتج شركته أنواعا من اللفت، ويتوقع ظهورها في السوق في السنوات المقبلة.

تأمل “سكوير رووتس” كذلك في البدء في الإنتاج التجاري للبنجر والفراولة، وتجري التجارب على بذور تقول إنها نادرة ومنسية.

البصمة الكربونية في الزراعة العمودية

ويقول بيغز: “من المنطقي أن تنمو الزراعات الطازجة، التي لا تتحمل الشحن لفترات طويلة، في نفس منطقة الاستهلاك. فمزروعات مثل الطماطم والفراولة أصبحت تُزرع بغرض النقل، لا الطعم. ومن غير المنطقي أن تنمو المزورعات العمودية بهدف أن يكون لها عمر أطول في التخزين”.

لكن لانداو يقول إن النوع المختلف من الزراعة يواجه تحديات مختلفة. فالإضاءة ليست واحدة بالنسبة للنباتات. ومزروعات الإثمار والإزهار، مثل الطماطم والفراولة والفلفل، لها احتياجات مختلفة.

وتابع لانداو: “الإضاءة التي تحتاجها مثل هذه المزروعات ستكون شديدة التكلفة، وتحتاج للمزيد من الكهرباء، وتنتج المزيد من الحرارة، ما يعني الحاجة للمزيد من التبريد. كما أن حصاد هذه المحاصيل سيكون له تكلفة تشغيل كبيرة”.

لكن التجارب تجري الآن على هذه التكنولوجيا. ففي الولايات المتحدة، تنتج شركة أويشي أكثر من 200 نوع، من بينها 34 نوع زهور قابلة للأكل. وشركة بلينتي تجري تجارب لـزراعة البطيخ. ومع تراجع تكلفة التكنولوجيا، وزيادة الأبحاث والتطوير، يُتوقع أن تتوسع التكنولوجيا لتشمل إنتاج أنواع أخرى.

وقد يخفف ذلك من الانتقادات الموجهة لهذا القطاع بخصوص البصمة الكربونية. فأي نقاش حول الفرق بين الضوء الصناعي والطبيعي ينتهي برجحان كفة الأخير. فيشير أنصار الزراعة الداخلية حينئذ لتكلفة النقل ومخلفات الزراعة التقليدية.

وحتى الآن، يرى لانداو أن المخاوف بشأن البصمة الكربونية مبررة، لكنه يتوقع أن تتحول المزارع الداخلية بسرعة إلى الطاقة المتجددة.

وقال: “بالنظر إلى الأسواق التي تعاني من ظروف مناخية قاسية، أو الجزر التي تستورد معظم طعامها، يمكن أن تكون الزراعة الداخلية خيارا هاما”.

ويؤكد بيغز على أن هذا القطاع ما زال في أطواره الأولى، ويحاول تحديد نماذج واتجاهات العمل المثلى. قد لا يتفق رواد الأعمال حول كل شيء، لكنهم يتفقون جميعا على أن الزراعة العمودية بإمكانها إحداث نقلة عالمية في إنتاج الطعام.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى