الريف بعيون عصرية
بقلم: هند محمد معوض
اشتهر الريف المصري ببساطته وهدوئه وطيبة أهله، وكان الكثير من أهل المدن يهرعون إلى قراهم في الريف المصري للراحة والاستجمام والبعد عن ضجيج المدن وصخبها.
ولكن، وللأسف الشديد، وعلى حين غفلة منا جميعًا، بدأت مساوئ المدن تنتقل إلى الريف، ليجمع الكثير من مساوئ المدن مع احتفاظه بمساوئه الثابتة من نقص الخدمات وتقلص فرص العمل، وغياب الكثير من رفاهيات الحياة، فأصبح الضجيج يكسر هدوء الريف، والمبالغة في مراسم وعادات الزواج تفوق أهل المدن، والتطلع للكماليات مع ضعف الدخل الشهري وتقلص فرص العمل ينزع من أهل الريف بساطتهم وطيبتهم، مما حول الريف المصري إلى مكان متعب أكثر منه مصدرًا للراحة والهدوء.
ولعل السبب في ذلك هو انفتاح أهل القرى على المدن المصرية بشكل كبير، فأخذوا منها الصخب والتكلف، ولم يستطيعوا أن يحتفظوا بالطابع العام لهم، مما جعلنا نرى صورًا متناقضة في الريف تدعو للأسى والألم.
فذاك الفلاح الذي كان يزرع أرضه ويأكل من خيرها بدأ يضيق بعيشته، ويميل إلى تحويل تلك الأرض السمراء الطيبة إلى كتل أسمنتية صلبة بحثًا عن الثراء، ففقد الوطن ثروة من الأرض الزراعية يصعب تعويضها، وفقد الفلاح شكل حياته الطبيعية التي كانت تبدأ بصلاة الفجر وتنتهي عند صلاة العشاء، وما بينهما يكون الكد والعرق بمشاركة الزوجة المساندة الداعمة له والحريصة على بيتها واستقرار أسرتها. والمؤسف أن حياة الفلاح تمدنت شكلًا وهوت فعلًا، فأصبح خاملا متواكلا يفتقد حب الأرض والحرص عليها باعتبارها عرضًا وشرفًا، فلم ينل تقدم المدن، ولا احتفظ ببساطة الريف.
وهذا شاب نشأ في القرية وتطلع لحياة المدن برونقها وصخبها، فسارع خطاه ليخلع عباءة أبيه وأجداده ويتزين بثوب المدينة البراق، فأخذ من المدينة تهاونها بالكثير من العادات والتقاليد وضجيجها، وأصبحت عيونه أكثر اتساعًا في التطلع إلى شهوات الحياة، بينما ضاقت كثيرًا عن العمل والاجتهاد والصبر والمثابرة. وتفتحت عيونه على المدنية الحديثة، بينما ضاق صدره عن قيمه وتقاليده وموروثه الثقافي والاجتماعي، وهذا ما أصاب بعضًا من شباب الريف بالخلل والتذبذب.
أما المرأة الريفية التي كانت مثالًا يُحتذى في الرصانة والصبر والكفاح، فلم تتأخر هي الأخرى عن اللحاق بركب المدنية الزائفة، فخلعت جلبابها لترتدي ثياب المدينة التي تبتعد كثيرًا عن عادات وتقاليد الريف، ولكنها خلعت معه كذلك الكثير من عادات الريف وقيمه التي كانت تجملها وتحميها من الانجراف في ركب المدنية الزائف. وتطلعت بعيون غائمة إلى حياة المدينة دون أن تتهيأ لذلك علميًا وثقافيًا لتحتفظ بثوابتها مع إضافة بعض من تطور المدن ومرونتها إلى شخصيتها، فكان نتاج ذلك نساء يواكبن نساء المدن شكلًا ويختلفن عنهن عقلًا وثقافة. ولم يجنِ الريف وأهله من ذلك سوى صعوبة الزواج، وتفكك الأسر، وغياب الدور الثابت للمرأة في الحفاظ على كيان الأسرة وتربية الأبناء.
وبعد ذلك، لزم أن نوضح أننا لا ننتقد زحف المدنية على الريف في المطلق، لكننا ننتقد انفتاح أهل الريف على حياة المدن دون تهذيب أو ترشيد، وهنا يحدث الخلل، فلا نحقق تمدن الريف، ولا نحافظ على هوية أهله وموروثاتهم.
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.
مقال ممتاز يوصف ما أصاب الريف من تحلل ووهن وفقدان للقيم والتقاليد الريفية النبيلة