رأى

الخلل الاستراتيجي في مفاوضات سد النهضة وخطة مواجهة الخطر

أ.د/عبدالله الأشعل

بقلم: أ.د/عبدالله الأشعل

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق

تعانى مفاوضات سد النهضة فى الجانب المصرى من خلل استراتيجى له سبعة مظاهر أساسية على الأقل:

المظهر الأول هو أن إثيوبيا سحبت مصر إلى مربعها وموقعها وجعلت المفاوضات تدور تحت رحمة أثيوبيا بمجرد التوقيع على اعلان الخرطوم فى 23/3/2015.

المظهر الثانى هو أن مصر تفاوضت وهى مستعدة أن تقدم تنازلات من جانبها وهذه التنازلات هى عين المأساه لأنها تتخلى عن كمية من المياه المستحقة لها واللازمة لاستخدامها وأى نقص فى كمية المياه يؤدى إلى ضرر مباشر فى استخدامات المياه فى مصر كما يؤدى إلى بوار الأراضى الزراعية.

وقد أظهرت مصر ذلك منذ البداية وحتى قبل توقيع اتفاق الخرطوم عندما أعلنت نيتها البحث عن بدائل لمياه نهر النيل وسلمت بالهزيمة أمام إثيوبيا ولم تستخدم مصطلح الحقوق المائية لمصر كما لاحظت منذ البداية أن الطرف الأثيوبى يريد كل شئ وأن مصر لن تحصل على شئ.

المظهر الثالث رغم وضوح نية إثيوبيا فى حرمان مصر من المياه وهو يعنى حرمان مصر من الحياه سارت إثيوبيا فى طريق الاصرار على هدفها دون الالتفات إلى همسات مصر ورجائها فأدركت إثيوبيا أن السلطة فى مصر ليست قادرة على حماية مصر من مخطط إثيوبيا وحتى دون أن تعلن هذه السلطة أى خيار آخر غير التذلل لاثيوبيا فأن إثيوبيا أعلنت أنها مستعدة أن تحارب مصر بعد حرمانها من المياه إذا أصرت مصر على المطالبة بالمياه ولو على سبيل الاستجداء.

ومعنى ما تقدم أن مصر دخلت مفاوضات فاشلة نتيجتها معروفة ورغم اقرارها بإدراك الموقف الأثيوبى ونية أثيوبيا فى الاساءه إلى مصر إلا أن مصر ظلت تردد أنها تثق فى أثيوبيا وفى نوازعها الخيريه وأن إثيوبيا لا يمكن أن تضر بمصر وصدقت مصر الرسمية هذه المسرحية رغم ظهور الوزراء المختصين باستمرار بالشكوى من تعنت الموقف الأثيوبى وفشل مصر في زحزحته.

المظهر الرابع هو أن مصر بعد أن وضعت نفسها فى هذا الموقف الضيق وتخلت عن أوراق القوة لديها طلبت وساطة واشنطن وهى تعلم يقينا أن واشنطن تتآمر مع إثيوبيا وإسرائيل ضد الوجود المصرى على الخريطة.

المظهر الخامس هو أن المفاوض المصرى أصيب بحالة نفسية وانكسار مسبق لأنه اصطدم بسقف المطالب السياسية المنخفض للغاية ولذلك فأن أبرع المفاوضين المتخصصين فى مفاوضات المياه لا يستطيع أن يقدم شيئا مادام الاطار الاستراتيجى لحكومته فى علاقتها بالطرف الآخر محكومة ومحددة وربما كانت هناك تعليمات سياسية يلتزم بها المفاوض المصرى.

المظهر السادس رغم وضوح هذه الحقائق فإن مصر انخرطت فى المفاوضات وهى تعلم يقينا أن هذه المفاوضات تمكن إثيوبيا من كسب الوقت وأن الحكومة المصرية لاحظت ذلك طوال السنوات الخمسة الماضية ومع ذلك استمرت فى التفاوض لاثبات حسن النية حتى النهاية ومادام الجحيم معظمه من حسنى النية فأن الجحيم فى مصر الدنيا هو حرمان مصر من حقها فى المياه مع ما يترتب على ذلك من كوارث لاقبل لأحد بها.

وقد لاحظت الحكومة قطعا أن واشنطن تشرف على المفاوضات من خلال وزير الخزانة الذى لاعلاقة له بالجوانب الفنية من المفاوضات وهو أمر لايزال غامضا عند المراقبين كما أن واشنطن تدعى أنها تضغط على إثيوبيا حتى تخدع مصر وتظل مصر منتظرة الرحمة من واشنطن حتى تفاجأ بملء السد كما أعلنت إثيوبيا فى يوليو 2020.

المظهر السابع أنه إذا كانت إثيوبيا قد تسترت على بناء السد وفرضت أمرا واقعا على مصر الرسمية فإن التعتيم الحكومى المصرى على الشعب المصرى انبثق من تعتيم إثيوبيا على الحكومة المصرية وكأن الحكومة المصرية قد استسلمت لاقدارها مما أدى إلى الاستخفاف بمصر من دول النيل جميعا فقد أعلنت أوغندا ودول أخرى أنها تخطط لاقامة سدود على النيل كما أعلن السودان عن مواقف غير ودية لمصر اتجاه هذا الملف مما يعقد الموقف فى مصر ويجعل مصر عرضة للهلاك الفعلى.

أمام وضوح هذه الحقائق فإننى أقترح على الحكومة المصرية خطوات محددة دون تضييع المزيد من الوقت:

أولا: قطع المفاوضات مع أثيوبيا وكفى مصر دروسا قاسية أنها استدرجت إلى المشروع الإثيوبى وكان يجب أن ترفضه جملة وتفصيلا وأن يكون أنهاء المفاوضات سببه عدم جدواها وتلاعب الجانب الإثيوبى والأمريكى واتضاح نوايا إثيوبيا واحراج الحكومة المصرية مع التاريخ والشعب والوطن.

ثانياً: الاستعانة بطاقم جديد من الوزراء المختصين بهذا الملف برؤية جديدة وهى الإعلان عن الخط الجديد للحكومة المصرية ويبدأ بالانسحاب من إعلان الخرطوم بسبب عدم احترام إثيوبيا لبنوده ولحسن النية التى استغلتها للمضى فى مشروعها.

ثالثاً: تشكيل لجنة عليا من الأجهزة المختصة بنفس جديد هدفه الاصرار على حماية مصر ووجودها على الخريطة من خلال وضع خطة بعيدة المدى لتأمين مصادر المياه فى مصر وأن تشمل الخطة التحرك فى جميع الاتجاهات وخلق أوراق قوة جديدة تستند إلى الشعب وليس إلى الأجهزة التى سارت فى الطريق السابق.

رابعاً: البدء فورا فى خطة قومية لترشيد استخدام مياه النيل وكل مصادر المياه فى مصر.

خامساً: خطة فورية للبحث عن مصادر جديدة للمياه الجوفية والاستفادة من مياه الأمطار خاصة فى سيناء والساحل الشمالى والصحراء الغربية ونحن نعلم يقينا أن المياه فى هذه المناطق تكفى لـزراعة القمح اللازم للاستهلاك الوطنى دون حاجة إلى الاستيراد وهذه الخطوة تحتاج إلى التمسك باستقلال القرار المصرى في مجال الغذاء.

سادسا: خطة عاجلة لترشيد الاستيراد يقابلها خطة عاجلة للصناعات الصغيرة والعنايا مرة أخرى بالصناعات الاستراتيجية.

سابعاً: خطة عاجلة لانقاذ النيل من التلوث وهذا فى مقدور الحكومة ولا يحتاج إلى تأجيل لأن مصانع الحكومة هى التى تقوم بالجزء الأعظم من تلويث المياه ثم البحث فى الاستفادة من ورد النيل وغيره وتوفير المياه التى يبتلعها.

ثامناً: شغل الاعلام بكل هذه الخطط واشراك المواطن فى القرار حتى إذا ما فشلت هذه الخطط لاتتحمل الحكومة وحدها مسؤولية فناء مصر وهو فى الحقيقة أمر مؤكد واقترب موعد الخطر فيه.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى