الخلط بين استراتيجية الزراعة والسياسات الزراعية
بقلم: أ.د.أشرف سليمان
أستاذ الاجتماع الريفي والتنمية الريفية بمركز البحوث الزراعية وأستاذ الأمن الغذائي والسياسات الزراعية بجامعة كيوتو باليابان سابقا
يجد المُطلع على الدراسات والبحوث والمقالات التي تتعلق بالزراعة وتحقيق الأمن الغذائي أن ثمة خلط بين مفهومي استراتيجية الزراعة (المستدامة) ومفهوم السياسات الزراعية، فكثير من الدراسات والبحوث – وهي دراسات جادة – تشير لكثير من المشكلات التي تواجه الزراعة والريف، حيث تتناول قضايا الغذاء والإنتاج الزراعي وموضوعات كثيرة أخرى على غرار الفقر في الريف، أو ندرة المياه وغيرها.
تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك
بيد أن المسألة قد تتوقف في بعض هذه الدراسات على الجانب الاستراتيجي منها وليس جانب السياسات الزراعية، فتذهب دراسات منها لضرورة توفير المياه، أو زيادة الإنتاج، والاتجاه نحو التصدير وغير ذلك ونجد أن هذه الجوانب لا تتعلق بالسياسات الزراعية قدر ما تتعلق باستراتيجية؛ حيث تعرف السياسات الزراعية بإنها مجموعة من والقرارات والإجراءات والتدابير التي تتخذها الحكومات أو المؤسسات لتنظيم وتوجيه القطاع الزراعي؛ تستهدف تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وبيئية، مثل زيادة الإنتاجية، وتحسين دخل المزارعين، وضمان الأمن الغذائي، وحماية الموارد الطبيعية؛ عن طريق حزمة من الأدوات مثل: الدعم المالي، الضرائب، التنظيمات، البحوث الزراعية، التسويق، والإرشاد الزراعي.
في حين أن استراتيجية الزراعة «المستدامة» هي نهج طويل الأمد يهدف إلى تطوير القطاع الزراعي بطريقة تحافظ على الموارد الطبيعية وتضمن استدامتها للأجيال القادمة. تركز هذه الاستراتيجية على تحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للزراعة. تشمل مبادئ الزراعة المستدامة تحسين كفاءة استخدام الموارد، وتقليل الآثار البيئية السلبية، وتعزيز التنوع البيولوجي، وضمان العدالة الاجتماعية.
ومن ثم تختلف السياسات الزراعية عن استراتيجية الزراعة في المدى الزمني، فالسياسات تستهدف الإجراءات قصيرة متوسطة الأجل في حين الاستراتيجية تحاول تحقيق أهداف بعيدة المدي، والنطاق، فمن حيث النطاق تكون السياسات محدودة النطاق قد تتعلق بجانب محدد من القطاع الزراعي في حين الاستراتيجية تتعلق بمدي نطاق متسع يشمل قطاع الزراعة كله، وتختلف أيضا من حيث الأدوات فالسياسات تعتمد على أدوات محددة مثل الدعم، أو الضرائب وما إلى ذلك في حين الاستراتيجية تعتمد على أدوات مثل التخطيط طويل الأجل، والبحوث التطبيقية، والتعاون الدولي؛ ومن حيث الأهداف تركز على تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية فورية، أما الاستراتيجية تركز على تحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على المدى الطويل.
وقد استهدف هذا المقال القصير الإشارة إلى هذا التمييز بين السياسات والاستراتيجية نظرا لأن كثير من الدراسات الجيدة تطرح أفكارا استراتيجية مُهمة بجانب كثير من الأفكار الجيدة المهمة في استراتيجية الزراعة المستدامة ذاتها؛ دون الإشارة إلى السياسات الزراعية – التي ينبغي أن تتبع – أي الأدوات التي سيجري بها تحقيق الأهداف المُعلنة لاستراتيجية الزراعة وبدونها لن تؤتي هذه الدراسات ثمارها، أو حتى تحقيق استراتيجية الزراعة أو بعض مكوناتها؛ لتظل حبيسة الأوراق المكتوبة عليها.
ومن جانب آخر يحتاج مُتخذ القرار إلى الإجراءات والتدابير التي تُتخذ آنيا من دون التعقيدات العلمية والإحصائية وما إلى ذلك في هذه الدراسات والبحوث؛ أي يُعرف على نحو مباشر ما الإجراء اللازم لتحقيق استراتيجية مُعينة أو أحد بنودها؟.