تحقيقات

الحكومة تُهمل صغار الفلاحين الذين يملكون 85% من الثروة الحيوانية وتكتفي باللحوم المستوردة

اللحوم المستوردة
اللحوم المستوردة

تحقيق: هيثم خيرى مر أكثر من شهرين على إنقضاء عيد الأضحى وأسعار اللحوم البلدي لم تتحرك هبوطا، وسط تأكيدات بأنها سترتفع خلال أسابيع قليلة، ولا تزال نسبة كبيرة من محلات الجزارة موصدة الأبواب، بحسب تأكيدات شعبة القصابين بالغرفة التجارية.. فما الذي يجري في سوق اللحوم؟

تشهد الأسواق ارتفاعات في أسعار اللحوم الحمراء بشكل شبه أسبوعي تقريبا، وسط تأكيدات باستمرار الأزمة احتداما، بسبب زيادة الضغط على اللحوم المستوردة من الخارج بالدولار أيضا، وهو ما يعني ارتفاع فاتورة الاستيراد بعد الهبوط الحاد لسعر الجنيه المصري.

الفلاح اليوم” يُناقش في هذا التحقيق كافة أطراف الأزمة: منتجو اللحوم الحمراء والمربون والجزارون والحكومة، لتصل في إلى نتائج إيجابية، أهمها انتظام مشروع البتلو التابع لوزارة الزراعة ممثلة في بنك التنمية والائتمان الزراعي، والسعي لإنشاء مجمعات كبرى لإنتاج وتربية رؤوس الماشية.

تستورد مصر الآن نحو 60% من حاجتها من اللحوم الحمراء سنويا، بعد أن كانت تستورد 50% منذ عدة أعوام، وبحسب تجار وخبراء في الإنتاج الحيواني، الأسباب التي أدت لزيادة الاستيراد من الخارج ارتفاعات أسعار الأعلاف وكل متطلبات الإنتاج الحيواني، بالإضافة إلى توطن الحمى القلاعية وأمراض أخرى في محافظات الجمهورية.

الدكتور عمر يسري، أستاذ الإنتاج الحيواني بجامعة عين شمس، يؤكد أن منظومة الإنتاج الحيواني تحتاج لإعادة النظر بالكامل، فالمفترض أن تتجه الدولة إلى تقسيم القطاع الحيواني إلى حيوانات للذبح الفوري، وقطعان لإدرار الألبان فقط، فضلا عن الاهتمام بالجاموس المصري والبقر البلدي، والأهم من ذلك تحديد احتياجات مصر من اللحوم والألبان، وكيفية تحقيق أقصى معدل من الاكتفاء الذاتي من اللحوم الطازجة ثم المجمدة المستوردة، والبحث عن بلدان ودول منشأ مختلفة لتربية القطعان واستيرادها، بدلا من أن نحصر أنفسنا في دولتين أو ثلاث دول نستورد منها اللحوم الحية والمبردة والمجمدة.

ويرى الدكتور عمر يسري أن الارتفاعات المتلاحقة في أسعار اللحوم سببها الرئيسي غياب الرؤية والتخطيط، يلي ذلك ارتفاع أسعار الأعلاف، حيث لا توفر الحكومة والقطاع الخاص بدائل مختلفة للمربين أقل تكلفة وأعلى في معدلات الإنتاج في الوقت نفسه، وهدر كميات ضخمة من المخلفات الزراعية يمكن أن يعاد تدويرها واستخدامها كأعلاف. مضيفا أن مشروع البتلو الذي كان قائما من قبل، بآلياته وطريقة عملها، كان أفضل كثيرا مما نحن فيه الآن، حيث كان المربي يعطي كامل إنتاجه من المشروع لوزارة التموين التي تقوم بتسويق إنتاجه بأسعار مخفضة، بعد الاتفاق على قرض لدورة الإنتاج بالكامل، وتعطيه وزارة الزراعة الأعلاف اللازمة للتربية.

وشدد عمر يسري على أن مشروع البتلو فشل بعد سنوات من تطبيقه بسبب تدهور المشروع، وأن الحكومة أصبحت تخدعه ولم يعد يثق فيها، وتراكمت عليه ديون قرض مشروع البتلو، مضيفا أن مشروع البتلو يحتاج الآن إلى الاستمرارية من كل الأطراف، بما في ذلك الحكومة والمربين أنفسهم وكل الجهات الإدارية المشاركة في المشروع، مع وضع دراسة جدوى حقيقية تجاري السوق الآن وتستهدف تحقيق ربح للدولة والمربين وحتى الموظفين العاملين في المشروع، من خلال منحهم حوافز حتى لا يتعاملوا معه كوظيفة روتينية.

ويؤكد اللواء محيي حشاد، من كبار المربين، أن المربين يعانون حالة من الإحباط لأنهم يشعرون أن شيئا لم يتغير في إدارة مشكلة اللحوم في مصر، لأن العقول التي كانت تدير هذا الملف لا تزال موجودة في أماكنها في الوزارات وتحصل على رواتب ثابتة بدون أي تطوير في الصناعة، وبحسب قوله فالحكومة تصر على تصعيد قيادات ليس لديهم أي خبرة أو رؤية لتجاوز أزمة اللحوم واحتوائها، متهما وزير الزراعة في الوقت نفسه بعقد لقاءات مع ممثلين عن صناعة اللحوم وليس المربين الحقيقيين وأصحاب المزارع أو الفلاحين الذين يملكون 85% من الثروة الحيوانية في مصر.

وتابع: “الثروة الحيوانية هاتروح في داهية إن لم يلتفت المسؤولون إلى الفلاحين والمربين الحقيقيين، وستظل الأسعار في ارتفاع طالما لا تعير الدولة اهتماما باللحوم البلدية وتكتفي بالتوسع في الاستيراد”.

وأرجع أزمة ارتفاع أسعار اللحوم إلى قانون العرض والطلب، حيث إن المعروض من اللحوم البلدية قليل قياسا بتزايد الطلب عليه؛ لذا فمن المتوقع زيادة الأسعار خلال الفترة القادمة، لافتا إلى أن سعر كيلو العجول البقري القائمة للتسمين بلغت 33 جنيه والجاموس 30 جنيها، ومن المتوقع ارتفاع أسعارها بسبب ذبح صغار العجول أولا بأول.

وشدد على أن عدم إقبال المزارعين على القروض الخاصة بمشروع البتلو سببه أن صندوق التأمين على الماشية لا يعوض المزارع في حال نفوق ماشيته بالمبالغ  التي دفعها كاملة.

ومن جانيه، يؤكد محمد وهبة، رئيس شعبة القصابين (الجزارين) باتحاد الغرف التجارية، أن الدولة تلقي باللوم على الجزارين والتجار ويتهمونهم برفع أسعار اللحوم بدون وجه حق، فالحكومات المتعاقبة لم تهتم بالتخطيط للنهوض بالثروة الحيوانية واللحوم البلدي في مقابل التوسع في الاستيراد.

وكشف محمد وهبة عن أن قرار وزير الزراعة بذبح العجول المستوردة داخل مصر بعد 40 يوما من تربيتها داخل أراضينا، وختمها بختم اللحوم البلدي وإعطاءها الجنسية المصرية سيء للغاية، حيث يجب أن تمكث العجول مدة لا تقل عن 4 أشهر حتى تتغذى على الأعلاف المصرية وتشرب وتعيش في البيئة المصرية حتى تصبح لحوما بلدية خالصة، مضيفا أن المستوردين يقومون باستيراد اللحوم الحية من إسبانيا أوروجواي والمجر ويبيعونها في الأسواق على أنها لحوما بلدية.

واتهم رئيس شعبة القصابين الحكومة بأنها لم تعد مهتمة بتنمية الثروة الحيوانية الوطنية على حساب المنتج المستورد، حيث تم تدميرها على مدى أكثر من 40 سنة، مؤكدا في الوقت نفسه أن نسبة كبيرة من الجزارين أغلقوا أبواب محالهم منذ إجازة عيد الأضحى وإلى الآن لأنهم يتخوفون من طرح اللحوم بأسعار جديدة ستحدث سخطا شديدا بين المستهلكين، تفوق المائة جنيه للكيلو، مضيفا أن الكثير من الجزارين أضربوا عن العمل إلى أجل غير مسمى.

في الاتجاه ذاته، يقول أحمد عبد السلام، صاحب محل جزارة بمدينة نصر، إن الجزارين غير مسؤولين عن ارتفاع أسعار اللحوم، حيث يحصلون على هامش ربح كأي حلقة من حلقات الإنتاج والتسويق والبيع، وأنهم يحصلون على اللحوم من تجار الجملة أو المربين بأسعار مرتفعة، مضيفا أن أسعار اللحوم ستظل في ارتفاع مستمر بحكم زيادة أسعار جميع السلع الغذائية الأخرى، فضلا عن ارتفاع أسعار الأعلاف، وأن سعر البتلو وصل إلى 105 جنيه تأثرا برفع أسعار المربين لها.

ويرى حمدي حسين، جزار بمنطقة جسر السويس، أن تكلفة تربية الجاموس تتكلف 30 جنيها غذاء يومي للرأس الواحدة، وأن المربين مجبرين على زيادة الأسعار لتحقيق هامش ربح وإلا سيتعرضون للخسارة، وبالتالي فالجزارين مجبرين أيضا على رفع الأسعار لمجاراة أسعار السلع الأخرى.

بينما كشف الدكتور خالد توفيق، رئيس قطاع الإنتاج الحيواني والداجني بوزارة الزراعة، عن أن الوزارة بدأت فعليا في أول اجتماعات الموسم الجديد من مشروع البتلو بزيادة ضخمة عن الموسم الماضي.

وأكد أن الوزارة ممثلة في بنك التنمية والائتمان الزراعي تعكف الآن على حصر الطلبات المقدمة من قبل صغار المربين والمزارعين وشباب الخريجين للحصول على قروض للإنتاج الحيواني من خلال مشروع البتلو، عن طريق المديريات الزراعية وفروع البنك في المحافظات والأقاليم.

وبالنسبة للموسم الماضي، أوضح الدكتور خالد توفيق أن حصيلة القروض بلغت 63 مليون جنيه لـ 16 ألف و500 رأس من العجول الجاموس البتلو، واستفاد منه حوالي 1000 مستفيد جميعهم من صغار المربين وشباب الخريجين.

ونوه إلى أن وزارة الزراعة بدأت في جمع الطلبات الواردة للأمانة الفنية للمشروع، بالإضافة لتحرك لجان المتابعة الميدانية بالتعاون مع مديريات الزراعة بالمحافظات للمرور على المزارع والمنازل التي يطلب أصحابها القروض لمعرفة احتياجاتهم وجديتهم في التربية.

وحول آليات عمل مشروع البتلو الآن أكد أن الوزارة تلافت الكثير مما اعتبره “مشاكل شابت المشروع في السابق”، ومن بينها أن بنك التنمية والائتمان الزراعي لم يعد يمنح المربين الأعلاف ويستبدلها بالقرض النقدي فقط، كما أن الحكومة لم تعد تتسلم إنتاج المربين من الرؤوس القائمة بعد تربيتها، بعد ثبوت وجود مشاكل تشوب هذا الاتجاه.

وأكد أن لجان المتابعة الدورية تكتفي الآن بالمرور بشكل مفاجئ على أصحاب المواشي الذين حصلوا على قروض، وتبين من الموسم السابق أن 94% من المستفيدين من المشروع يعملون بشكل صحيح ولم يحصلوا على القروض لأي غرض آخر غير التربية والإنتاج الحيواني، وهي نسبة ممتازة نرجو أن تصل إلى 100% خلال الموسم الجاري ـ بحسب قوله.

وأفاد بأن الدكتور عصام فايد، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، في آخر اجتماع له مع أعضاء جمعيتي منتجي اللحوم ومنتجي الألبان اتفق مع المنتجين على دراسة الطلب المقدم منهم بإنشاء كيانات لتجميع العجول الرضيعة وتأسيس واحدة من أكبر مزارع تربية المواشي في الشرق الأوسط، على أن يشترك فيها من يرغب من صغار المربين بمشروع البتلو، حتى تحتل هذه الكيانات الجديدة الدور الغائب الذي كانت تقوم به مؤسسة اللحوم الحكومية.

يشار إلى أن مؤسسة اللحوم التابعة لمشروع البتلو في السابق كانت تستلم العجول ورؤوس الماشية من المزارعين وتشرف على عمليات الذبح وتطرحها في المجمعات الاستهلاكية بأسعار تنافسية في السوق المصري.

كما تم الاتفاق خلال الاجتماع على إنشاء تلك الكيانات المجمعة بعيدا عن الكتل السكنية، في مشروع المليون ونصف المليون فدان والمناطق الصحراوية بعيدا عن الوادي والدلتا، لضمان اشتراطات الأمان الحيوي في المنتجات الجديدة ومراعاة لعدم انتقال أمراض إلى القطعان الجديدة، في حال وجودها.

وفي السياق ذاته، أكد الدكتور حامد عبد الدايم، المستشار الإعلامي لوزير الزراعة، أن الوزارة غير مسئولة عن توفير السلع الغذائية أو عن الأسعار بأي حال، بما في ذلك اللحوم الحمراء، وأن مسئولية الزراعة هي تشجيع الإنتاج الحيواني، أما الأسعار فتختص بها وزارتي التموين والتجارة والصناعة.

وشدد على أن الوزارة تولى اهتماما كبيرا بمشروع البتلو، إلا أن الكثير من المربين لا يلتزموا بالشروط التي يحددها بنك التنمية والائتمان الزراعي، لافتا إلى أن الاجتماع الأخير الذي عقده وزير الزراعة بمنتجي اللحوم استهدف التعرف على المشكلات التي تعترض المربين، وتبين أن معظمها مشكلات إدارية يسهل حلها.

وأفاد بأن وزارة الزراعة تبحث الآن تعديل طلبات رخصة تشغيل المزارع، حيث يتم تجديد الطلبات كل 3 أعوام وليس سنويا، على أن يتم توحيد جهات إصدار رخصة التشغيل في جهة واحدة في الوزارة، بدلا من التوجه بأوراق المزرعة إلى إدارة حماية الأراضي في المحافظة، فضلا عن الإدارة الزراعية بالمحافظة وأخيرا ديوان الوزارة.

وحول مشروع إنشاء مجمعات تسمين كبيرة، قال الدكتور حامد عبد الدايم إن الاقتراح الذي تقدم به المستثمرون هو إقامة مزارع تسمين ضخمة، تشمل 10 آلاف رأس للمجمع الإنتاجي الواحد، على أن يكون متكاملا يشمل التربية وزراعة محاصيل الأعلاف وإنشاء مجازر في المجمع، مؤكدا أنه سيتم البدء في هذا المشروع فور انتهاء دراسته وتحديد أماكن إقامته.

وأبدى طارق الطوبجي، صاحب مزرعة لتربية المواشي بالفيوم، تفاؤله بما أسفر عنه اجتماع وزير الزراعة بالمنتجين، قائلا أنه في حال تطبيق المجمعات الإنتاجية ستسهم في حال جانب كبير من أزمات المنتجين المتمثلة في ارتفاع أسعار الأعلاف، وقد تؤدي لاختصار حلقات تسويق المنتجات إلى حلقتين فقط هما المزرعة ومنفذ البيع فقط.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى