الأجندة الحيوانية

الحقن داخل البيضة بالمغذيات: تقنية مبتكرة لتعزيز النمو الجنيني وتحسين كفاءة إنتاج الدواجن

إعداد: د.زينب محمد فاروق

باحث أول بقسم بحوث تربية الدواجن بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني – مركز البحوث الزراعية

تُعد صناعة الدواجن من أسرع القطاعات الحيوانية نموًا عالميًا، إذ تؤدي دورًا رئيسيًا في الأمن الغذائي وتوفير البروتين الحيواني. ومع زيادة التوجه نحو رفع كفاءة الإنتاج، ظهرت تقنيات جديدة تهدف إلى تحسين جودة الكتاكيت وصحتها منذ المراحل الجنينية. إحدى هذه التقنيات هي الحقن داخل البيضة بالمغذيات المختلفة أثناء التفريخ، التي تمثل تطورًا علميًا في مفهوم التغذية الجنينية (Embryonic Nutrition).

تستند هذه التقنية إلى فكرة تزويد الجنين بمركبات غذائية محددة — كالأحماض الأمينية أو الفيتامينات أو البروبيوتيك — في وقت تكون فيه عملية التمثيل الحيوي نشطة وقابلة للتأثر بالعوامل الخارجية (Uni & Ferket, 2003).

المفهوم العلمي لتقنية الحقن داخل البيضة

الحقن داخل البيضة (In Ovo Injection) من التقنيات الحديثة الواعدة في مجال تربية الدواجن، إذ يُتيح تزويد الجنين بالمغذيات المختلفة أو المركبات الحيوية أثناء فترة التفريخ بهدف دعم نموه وتحسين صفاته الفسيولوجية والإنتاجية بعد الفقس. تهدف هذه المقالة إلى استعراض المفهوم العلمي للحقن داخل البيضة بالمغذيات، وتوضيح أنواعه وفوائده والتحديات المرتبطة به، بالاعتماد على أحدث الأبحاث المنشورة في هذا المجال.

أظهرت الدراسات أن الحقن بمغذيات مثل الأحماض الأمينية، والفيتامينات، والمعادن يُحسّن معدلات الفقس، ويرفع المناعة، ويزيد كفاءة التحويل الغذائي في الكتاكيت الفاقسة. ومع ذلك، تتطلب هذه التقنية تطبيقًا دقيقًا ومعايير تعقيم صارمة لتحقيق النتائج المرجوة.

الحقن داخل البيضة هو إدخال مواد مغذية أو علاجية في مواضع معينة من البيضة (ككيس الصفار أو السائل الأمنيوسي أو الكوريون أو الغرفة الهوائية) أثناء مرحلة محددة من التفريخ، غالبًا في اليوم 17–19. وتتم العملية باستخدام أجهزة دقيقة ومعقمة لتجنب تلوث البيض أو إلحاق الضرر بالجنين.
تُعد هذه الفترة مثالية لأن الجهاز الهضمي للجنين يكون قد اكتمل نسبيًا وقادرًا على امتصاص المواد المحقونة (Ohta & Kidd, 2001).

أنواع المغذيات المستخدمة في الحقن داخل البيضة

تشير الأبحاث إلى تنوع كبير في المركبات المستخدمة بحسب الهدف من العملية:

1ـ الأحماض الأمينية (مثل الميثيونين والليسين): تسهم في بناء البروتين العضلي وتحسين النمو الجنيني.

2ـ الكربوهيدرات البسيطة (مثل الجلوكوز): توفر طاقة فورية للجنين وتقلل من الإجهاد الأيضي قبل الفقس، مما يحسن معدل الفقس ويقلل نسبة نفوق الكتاكيت الفاقسة (Tako et al., 2004).

3ـ الفيتامينات والمعادن مثل فيتامينات (A, D, E, K) ومجموعة فيتامينات B والمعادن مثل الحديد، والزنك، والسيلينيوم، والكالسيوم، لتعزيز مضادات الأكسدة ورفع مناعة الكتاكيت الفاقسة (Selim et al., 2012). وبعض المغذيات مثل حمض الفوليك والزنك تساعد في النمو السليم للجهاز العصبي والعظام وتقليل تشوهات الأجنة.

4ـ البروبيوتيك والإنزيمات: لتحفيز نمو الميكروفلورا النافعة في الأمعاء وتحسين امتصاص المغذيات بعد الفقس (Bednarczyk et al., 2011).

الفوائد الفسيولوجية والإنتاجية للحقن داخل البيضة

أظهرت نتائج الدراسات العلمية أن هذه التقنية تحقق عددًا من الفوائد، منها:

1ـ رفع معدل الفقس وتحسين جودة الكتاكيت الفاقسة.

2ـ تعويض النقص في العناصر الغذائية مما يقلل من نسبة الأجنة الميتة أو الضعيفة.

3ـ زيادة وزن الكتاكيت عند الفقس وتحسين كفاءة التحويل الغذائي في المراحل اللاحقة.

4ـ تعزيز المناعة من خلال تحفيز إنتاج الأجسام المضادة وتقوية الحاجز المعوي، مما يقلل معدلات الإصابة بالأمراض.

5ـ تسريع النمو والإنتاج وتقليل فترة الوصول إلى الوزن التسويقي، وبالتالي رفع الجدوى الاقتصادية لمزارع الدواجن.

ـ كما تم رصد تأثيرات إيجابية على نمو الأمعاء، نشاط الإنزيمات الهضمية، واستقرار التوازن الميكروبي بعد الفقس، مما يعزز الأداء الإنتاجي في مراحل التربية اللاحقة.

التحديات والمخاطر المرتبطة بالتقنية

رغم الفوائد المثبتة علميًا، إلا أن هناك تحديات تواجه تطبيق الحقن داخل البيضة على نطاق واسع، أهمها:

1ـ الحاجة إلى تعقيم صارم لمنع التلوث البكتيري أثناء الحقن.

2ـ الإجهاد الحراري للجنين واحتمال إصابته بتشوهات إذا تمت العملية بشكل غير صحيح.

3ـ اختلاف استجابة الأجنة تبعًا للسلالة والعمر الجنيني ونوع المادة المحقونة.

4ـ التكلفة الإضافية المرتبطة بالأجهزة المتخصصة والتدريب الفني.

5ـ الحاجة إلى تحديد الجرعة المثالية لتفادي السمية أو التأثيرات العكسية والنمو غير الطبيعي.

الآفاق المستقبلية للتقنية

تشير الاتجاهات البحثية الحديثة إلى إمكانية استخدام الحقن داخل البيضة كمنصة لتوصيل المغذيات النانوية (Nano-nutrients) أو اللقاحات الميكروية، ما قد يُحدث ثورة في تحسين المناعة والنمو في الدواجن. كما يجري تطوير أنظمة حقن آلية دقيقة (Automated In Ovo Systems) لتسهيل تطبيق التقنية على نطاق صناعي واسع.

الخلاصة

الحقن داخل البيضة بالمغذيات المختلفة أثناء التفريخ يُعد من التقنيات المبتكرة التي تسهم في تحسين الأداء الفسيولوجي والإنتاجي للدواجن. توفر هذه العملية فرصة فريدة لتزويد الجنين بالعناصر الغذائية الضرورية قبل الفقس، مما ينعكس إيجابًا على جودة الكتاكيت وصحتها. ومع التطورات التقنية الحديثة، يُتوقع أن تشهد هذه الممارسة انتشارًا أوسع في صناعة الدواجن المستقبلية.

غير أن تطبيقها التجاري يتطلب بروتوكولات دقيقة توازن بين الفوائد المرجوة والتحديات التقنية والاقتصادية، والالتزام بالمعايير الدقيقة للتطبيق والتعقيم.

هذه التقنية ليست مجرد تحسين تقني، بل ثورة في إدارة المرحلة الجنينية، حيث تظهر الأبحاث أن 70% من إنتاجية الدجاج تتحدد قبل الفقس، ما يتطلب التطبيق الأمثل بدمج البيولوجيا الجزيئية، والهندسة الوراثية، والتحليل الاقتصادي لتحقيق أقصى استفادة.

المراجع

Bednarczyk, M., Stadnicka, K., Kozłowska, I., et al. (2011). Influence of different prebiotics and mode of their administration on broiler chicken performance. Animal, 5(4), 537–544.
Ohta, Y., & Kidd, M. T. (2001). Optimum site for in ovo amino acid injection in broiler breeder eggs. Poultry Science, 80(10), 1425–1429.
Selim, S., Attia, Y. A., Alharthi, A. S., & Abdel-Moneim, A. E. (2012). Effect of in ovo administration of vitamin E and selenium on performance and immune response of broiler chickens. International Journal of Poultry Science, 11(4), 282–288.
Tako, E., Ferket, P. R., & Uni, Z. (2004). Effects of in ovo feeding of carbohydrates and beta-hydroxy-beta-methylbutyrate on the development of chicken intestine. Poultry Science, 83(12), 2023–2028.
Uni, Z., & Ferket, R. P. (2003). Enhancement of development of oviparous species by in ovo feeding. U.S. Patent No. 6,592,878.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى