التوصيات المستوحاة من المقالات المنشورة عن التنمية المستدامة الزراعية وآليات تنفيذها

بقلم: د.شكرية المراكشي
الخبير الدولي في الزراعات البديلة ورئيس مجلس إدارة شركة مصر تونس للتنمية الزراعية
أولاً: توصيات موجهة إلى صُنّاع القرار والجهات الحكومية
- تأسيس إطار وطني للتنسيق المؤسسي يجمع بين وزارات الزراعة والري، والبحث العلمي، والبيئة، والتمويل، بحيث تُوحّد السياسات ولا تتقاطع أو تتكرر الجهود.
- إطلاق خريطة زراعية ديناميكية تُحدّث سنويًا بناءً على بيانات ميدانية واقعية من كارت الفلاح وتطبيقات الاستشعار عن بعد، لتوجيه التخطيط والإنتاج حسب الموارد المائية والمناخية.
- تبنّي نموذج تمويل هجين يدمج بين الدعم الحكومي والمشاركة المجتمعية ورؤوس الأموال الخاصة، مع توفير حوافز ضريبية للمشروعات الخضراء.
- فرض آلية إلزامية للتقييم الدوري للمشروعات الزراعية تعتمد على مؤشرات واقعية للأثر الاجتماعي والاقتصادي، وليس فقط على حجم الإنفاق.
- تفعيل منظومة الشفافية والمساءلة في منح التراخيص الزراعية ودعم الأسمدة والبذور لضمان عدالة التوزيع ومكافحة الفساد المؤسسي.
- تحويل نتائج الأبحاث الزراعية إلى سياسات تنفيذيةمن خلال لجان وطنية مشتركة بين الحكومة والجامعات والقطاع الخاص.
ثانيًا: توصيات موجهة إلى الجامعات والمعاهد البحثية
- ربط البحث العلمي بالاحتياجات الفعلية للميدان عبر برامج تطبيقية تُنفّذ في المزارع النموذجية بدل الاكتفاء بالدراسات النظرية.
- تأسيس حاضنات بحث وابتكار زراعي تُتيح للطلاب والباحثين تحويل نتائج أبحاثهم إلى مشروعات ناشئة.
- تطوير برامج تدريب مستمرة للمزارعين والمرشدين في مجالات الزراعة الذكية، إدارة المياه، والتقنيات الحيوية.
- تفعيل الشراكات مع التعاونيات لتمكين نقل المعرفة من المختبر إلى الحقل، وتقييم أثر الابتكارات في البيئات المحلية.
- إنشاء قاعدة بيانات بحثية وطنية مفتوحة تتيح تبادل المعرفة بين المراكز والمعاهد البحثية، وتسهّل عملية التخطيط العلمي المتكامل.
ثالثًا: توصيات موجهة إلى المراكز والمعاهد البحثية المتخصصة
- إطلاق برامج بحث تطبيقي طويلة المدىتركز على التكيف المناخي، وإنتاج محاصيل بديلة مقاومة للجفاف والملوحة.
- دمج أدوات التحليل الجغرافي والاستشعار عن بعدفي تقييم كفاءة الأراضي واستدامة الإنتاج.
- تحسين منهجية جمع البياناتمن خلال تدريب فرق ميدانية على استخدام التقنيات الرقمية، وربطها بأنظمة الرصد الوطنية.
- إقامة شبكات تعاون إقليمية مع مراكز عربية وأفريقية لتبادل الخبرات في الزراعة الذكية والمستدامة.
- تبنّي مبدأ “البحث من أجل القرار”بحيث تُوجَّه نتائج الدراسات مباشرة نحو دعم صُنّاع القرار بمعلومات دقيقة ومحدثة.
رابعًا: توصيات موجهة إلى التعاونيات الزراعية
- تحويل التعاونيات من كيانات خدمية إلى منصات اقتصادية منتجةتملك القدرة على التسويق والتخزين والتصنيع الأولي.
- إدخال أنظمة إدارة رقمية داخل التعاونيات لتتبع الإنتاج والتكاليف والعقود بشكل شفاف ومنظم.
- تعزيز التدريب الإداري والمالي لأعضاء التعاونيات لضمان استدامة الأداء والمساءلة.
- إنشاء شراكات مع الجامعات والمراكز البحثية لتجريب التقنيات الجديدة في الزراعة والمياه والطاقة المتجددة.
- تفعيل نظام عقود جماعية للتوريد والتسويقي ضمن أسعارًا عادلة للمزارعين ويحدّ من تقلبات السوق.
خامسًا: توصيات موجهة إلى المزارعين والمجتمعات الريفية
- الانخراط الفاعل في البرامج التدريبية والإرشادية لاكتساب مهارات الإدارة الحديثة للمياه والتربة.
- تبنّي التقنيات الزراعية الذكية تدريجيًا مثل الزراعة الدقيقة، استخدام المستشعرات، والريّ بالتنقيط الموجّه.
- تنويع مصادر الدخل الريفيمن خلال زراعة محاصيل بديلة أو الدخول في سلاسل القيمة (التجفيف، التعبئة، التسويق المحلي).
- الالتزام بتسجيل البيانات الزراعية الدقيقة في التطبيقات الحكومية أو التعاونية لتسهيل التخطيط والدعم.
- تعزيز روح العمل الجماعي عبر الانضمام إلى التعاونيات والمشاركة في اللجان المحلية الخاصة بالتنمية الزراعية.
خاتمة تنفيذية
إن التنمية الزراعية المستدامة ليست شعارًا، بل منظومة تتكامل فيها الأدوار: الحكومة تضع الإطار والسياسة، الجامعات تبتكر وتدرّب، المراكز البحثية تطوّر وتقيّم، التعاونيات تنظّم وتنفّذ، والمزارعون يطبقون ويغذّون المنظومة بخبرتهم. التكامل بين هذه الحلقات هو ما يحوّل “الاستدامة” من رؤية إلى واقع يثمر على الأرض وفي حياة الناس.
توصيات لتحقيق التنمية الزراعية المستدامة: رؤية شمولية متكاملة
إن تحقيق التنمية الزراعية المستدامة لا يمكن أن يتحقق عبر جهة واحدة أو قطاع منفصل، بل من خلال منظومة متكاملة تتفاعل فيها السياسات الحكومية، والبحث العلمي، والمجتمع الزراعي، والقطاع التعاوني في إطار موحّد يقوم على المعرفة والمساءلة والابتكار. ومن هنا، تتجلى التوصيات التالية كخطة مترابطة العناصر:
1. التخطيط الاستراتيجي المبني على البيانات: (الخريطة الزراعية الذكية)
يُوصى بإنشاء خريطة زراعية وطنية ذكية تقوم على منظومة موحدة للبيانات الزراعية تُغذّى من تطبيقات كارت الفلاح، وتقنيات الاستشعار عن بعد، والمسوحات الميدانية الدقيقة التي تُحدَّث دورياً.
تهدف هذه الخريطة إلى أن تكون المرجع المركزي للتخطيط وتقييم الأداء الزراعي، بحيث تظهر في الزمن الحقيقي التوزيع المحصولي، وكفاءة استخدام الموارد، والاحتياجات الإقليمية للمياه والتربة، بما يمكّن الدولة من توجيه استثماراتها الزراعية على أسس علمية دقيقة.
ويُقترح أن تتولى وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي الإشراف العام على إعداد الخريطة، بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من الناحية التقنية، وبالشراكة البحثية مع مراكز البحوث الزراعية والمركز القومي للبحوث والمركز القومي لبحوث المياه والجامعات الزراعية.
كما تُسند مهام جمع البيانات الميدانية والتحقق منها إلى أجهزة الإرشاد الزراعي والتعاونيات المحلية، بما يضمن مشاركة المزارعين في تحديث المعلومات وربطهم مباشرة بمنظومة القرار.
وفي هذا الإطار، يُوصى كذلك بإنشاء الكود الزراعي الوطني، تماشياً مع ما هو معمول به في الدول المتقدمة، ليكون المرجع التشريعي والتنظيمي الذي يحدد الممارسات الزراعية المسموح بها، ومعايير استخدام المياه والأسمدة والمبيدات، وضوابط التوسع الأفقي والرأسي للمحاصيل.
يُسهم هذا الكود في تحقيق الانضباط الزراعي، والحد من العشوائية في الزراعة، وتحسين الإنتاجية وجودة المحاصيل، وضمان التوافق البيئي والاستدامة بين مختلف المناطق الزراعية.
ويُشترط أن تكون هذه المنظومة مفتوحة ومتكاملة مع الجامعات والمراكز البحثية والتعاونيات، لتتحول البيانات والتشريعات إلى سياسات تنفيذية قابلة للقياس، وتصبح القرارات الزراعية مستندة إلى أدلة علمية واقعية لا إلى تقديرات أو اجتهادات فردية.
إنها الخطوة الأولى لبناء نظام تخطيط زراعي حديث يجعل من المعلومة أداة توجيه، ومن الأرض مرآة حقيقية لقرارات التنمية المستدامة، ويحوّل الزراعة من قطاع قائم على التجربة إلى منظومة إدارة دقيقة مدفوعة بالبيانات.
الخريطة الزراعية الذكية والكود الزراعي الوطني ليسا مشروعين منفصلين، بل جناحان لرؤية واحدة تسعى إلى تحويل الزراعة من ممارسة عشوائية إلى منظومة علمية منضبطة. فالأولى توفر العين التي ترى الواقع بدقته وتقرأ تغيراته لحظة بلحظة، والثاني يمنح اليد التي تُنظم وتوجّه هذا الواقع نحو المسار الآمن والمستدام. وحين يلتقي العلم بالتشريع، والبيان بالتنفيذ، تصبح التنمية الزراعية عملاً مؤسسياً واعياً، قادراً على حماية الأرض والمزارع معًا، وضمان أمن غذائي راسخ للأجيال القادمة.
2. التكامل بين البحث العلمي والسياسات التنفيذية
لا بد من تحويل نتائج الأبحاث إلى أدوات صنع قرار فعلي، عبر لجان مشتركة تضم ممثلين عن الوزارات، المراكز والمعاهد البحثية، والجامعات. على أن يُعتمد مبدأ “البحث من أجل القرار” بحيث تُصاغ المشاريع الزراعية استنادًا إلى نتائج بحثية محلية تراعي خصوصية كل منطقة ومواردها. كما يُوصى بإنشاء حاضنات ابتكار زراعي وطنية تربط بين الباحثين والمزارعين والمستثمرين لتطبيق التقنيات الحديثة في الميدان.
3. التمويل المستدام كقاطرة للتنفيذ
يُوصى بتبنّي نموذج تمويل هجين يجمع بين الدعم الحكومي، ورأس المال الخاص، والمساهمات المجتمعية والتعاونية.
هذا النموذج يُوجَّه نحو مشاريع صغيرة ومتوسطة ذات أثر مباشر على المزارعين، مع تفعيل آليات شفافة للمتابعة والتقييم المالي والفني، وربط الدعم بنتائج قابلة للقياس لا بالإنفاق فقط.
4. بناء القدرات والتأهيل الميداني
تحقيق الاستدامة يتطلب مزارعًا واعيًا، ومرشدًا مؤهلاً، وباحثًا مرتبطًا بالأرض. لذلك يُوصى بإطلاق برنامج وطني للتدريب الزراعي المستمر يشمل المزارعين، المرشدين، وأعضاء التعاونيات، ويُنفَّذ بالتعاون بين الجامعات والمعاهد الزراعية.
يُركز هذا البرنامج على الزراعة الذكية، إدارة المياه، التكيف المناخي، والتنويع الإنتاجي، مع توفير حوافز للالتزام بالتدريب.
5. تفعيل دور التعاونيات كمحرك اقتصادي محلي
ينبغي إعادة هيكلة التعاونيات الزراعية لتتحول من أدوارها التقليدية إلى كيانات اقتصادية متكاملة قادرة على التسويق والتصنيع الأولي وتوفير الخدمات وتكون تحت المراقبة الدائمة من جهاز رقابي خارجي .
كما يُوصى بربط التعاونيات بالمراكز البحثية والجامعات لتكون منصات تطبيق ميدانية للابتكارات، وبإدخال أنظمة إدارة رقمية تضمن الشفافية والمساءلة في العمليات المالية والإدارية.
6. الحوكمة والشفافية كضمان للاستدامة
تُوصى الجهات الحكومية المعنية بترسيخ إطار مؤسسي واضح للمساءلة والشفافية في منح التراخيص الزراعية وتوزيع الدعم والمساعدات. كما يجب إشراك المزارعين والمجتمع المحلي في عمليات التقييم والمتابعة لضمان أن تكون السياسات انعكاسًا حقيقيًا لاحتياجات الميدان، وليس مجرد قرارات مكتبية.
الشفافية هنا ليست إجراءً إداريًا، بل آلية لاستعادة الثقة بين الدولة والمجتمع الزراعي.
7. التقييم المستمر والتحسين التكيفي
النجاح لا يُقاس بحجم الخطط، بل بقدرتها على التعلم من نتائجها. لذلك يُوصى بإدماج نظام تقييم دوري تفاعلي ضمن كل مشروع، يجمع بين المؤشرات الكمية (الإنتاج، العائد، استهلاك الموارد) والمؤشرات النوعية (رضا المزارعين، جودة الحياة الريفية). هذه النتائج تُعاد إلى دوائر صنع القرار والبحث العلمي لتصحيح المسار بشكل مستمر، في ما يُعرف بالإدارة التكيفية.
8. دعم الابتكار في سلاسل القيمة الزراعية
لا تكتمل التنمية المستدامة بالزراعة فقط، بل بمنظومة القيمة الكاملة من الإنتاج إلى التصنيع والتسويق.
يُوصى بدعم المشاريع الصغيرة في مجالات التجفيف، التعبئة، التغليف، وتسويق المنتجات البديلة (مثل الكينوا، الدخن، التيف…) مع فتح قنوات تصدير عربية وأفريقية مشتركة. ذلك يخلق قيمة مضافة ويعزز الدخل الريفي ويقلل الفاقد الغذائي.
الخلاصة التنفيذية:
التنمية الزراعية المستدامة مشروع يتنفس بتكامل الأطراف:
- الحكومة تخطّط وتضمن الإطار العادل،
- الجامعة تبتكر وتنقل المعرفة،
- المراكز البحثية تقيّم وتوجّه،
- التعاونيات تنفّذ وتنظّم،
- والمزارع هو قلب العملية وروحها.
فقط عندما تتحد هذه الجهات في رؤية واحدة قائمة على المعرفة، والشفافية، والتمويل المستدام، والمشاركة الفعلية، تتحول التنمية من شعارات إلى واقع حيّ يثمر خضرةً وأمناً غذائياً واستقراراً اجتماعياً.
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.



