رئيس التحرير

«التلوث السمعي».. صخب يسرق منا الهدوء والصحة حتى في المساجد وقاعات الأفراح!

بقلم: د.أسامة بدير

لطالما كنت ممن يُقدرون الهدوء ويعتبرونه ركناً أساسياً من أركان الحياة المتحضرة، إلا أنني أجد نفسي يوماً بعد يوم مُحاصراً بالضوضاء من كل اتجاه. لم يُعد الصوت العالي مجرد سلوك عابر أو استثناء نادر، بل أصبح قاعدة يومية يفرضها المجتمع على أفراده دون اعتبار لحق الآخرين في الراحة.

هذه الظاهرة لم تُعد مقتصرة على الشوارع أو الأماكن العامة، بل امتدت إلى البيوت ووسائل المواصلات وأماكن العمل، والأخطر من ذلك أنها وصلت إلى المساجد، حيث يُفترض أن تكون أماكن للخشوع والسكينة. والأسوأ من ذلك أن الأفراح والمناسبات التي كانت يوماً ما مصدراً للبهجة أصبحت ساحة لسباق مكبرات الصوت، سواء داخل القاعات أو في الشوارع، حيث تكاد الأذن تنفجر من شدة الصوت، مما يُحوّل الفرح إلى مصدر إزعاج ومعاناة للأهالي والمشاركين على حد سواء.

إن التعرض المستمر للضوضاء العالية لم يُعد مجرد إزعاج مؤقت، بل أصبح تهديداً حقيقياً للصحة العامة، حيث يؤدي إلى الصداع المزمن والتوتر العصبي، وقد يصل إلى حد فقدان السمع التدريجي والتهابات الأذن. كما أن الضوضاء المُفرطة قد تتسبب في ارتفاع ضغط الدم وزيادة مستويات القلق والتوتر، مما يُؤدي إلى مشاكل صحية ونفسية خطيرة.

ولعل من أكثر المشاهد إزعاجاً تلك التي نشهدها داخل المساجد، حيث يتم تشغيل مكبرات الصوت بأقصى طاقتها أثناء الأذان والخطب والصلاة، حتى يكاد المصلون، بدلاً من أن يجدوا في الصلاة راحة وطمأنينة، يُصابون بالصداع والإرهاق السمعي. كما أن بعض القاعات المُخصصة للأفراح تستخدم أنظمة صوتية تصل شدتها إلى مستويات خطيرة، تجعل من الصعب الاستمتاع بالمناسبة نفسها، ناهيك عن الضرر الذي يُلحق بالحاضرين، خاصة الأطفال وكبار السن.

لمواجهة هذه المشكلة المُتفاقمة، يجب العمل على تعزيز الوعي بأضرار التلوث السمعي من خلال حملات إعلامية ومناهج دراسية تسلط الضوء على خطورة الصوت العالي وتأثيره السلبي على الصحة العامة. فالتثقيف المجتمعي يُعد خطوة أساسية في ترسيخ مفهوم الهدوء كقيمة مجتمعية يجب احترامها.

كما أن وضع تشريعات صارمة من قبل الجهات المعنية سيسهم في الحد من الاستخدام العشوائي لمكبرات الصوت في الأماكن العامة والمساجد، مما يقلل من الإزعاج ويحافظ على السلامة السمعية للأفراد.

إن تنظيم دور العبادة فيما يخص استخدام مكبرات الصوت يُعد أمراً بالغ الأهمية، حيث يمكن لوزارة الأوقاف إصدار ضوابط واضحة تُحدد مستوى الصوت المسموح به داخل المساجد، بحيث يكون متناسباً مع مساحتها ويتم تشغيله عند الحاجة فقط، الأمر الذي يضمن عدم الإضرار بالمصلين.

إن انتشار الصوت العالي والتلوث السمعي يُعد من الظواهر الخطيرة التي يجب التصدي لها بجدية قبل أن تؤدي إلى مزيد من التدهور في الصحة العامة والسلوك المجتمعي. لابد أن يدرك الجميع أن الهدوء نعمة يجب أن نحرص عليها، وأن الذوق العام مسؤولية يتحملها كل فرد في المجتمع، لضمان بيئة أكثر راحة وصحة للجميع. آن الأوان لأن نعيد النظر في هذه العادة التي تفشت وأصبحت تهدد حياتنا اليومية، فلنمنح آذاننا بعض الراحة، ولنعود إلى احترام حق الآخرين في السكينة والطمأنينة.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى