تقارير

التقاوي العضوية… الطريق الأخضر نحو غذاء آمن وتنمية زراعية مستدامة في مصر والوطن العربي

إعداد: أ.د.خالد فتحي سالم

أستاذ بقسم البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية جامعة مدينة السادات

يشهد العالم اليوم ثورة خضراء جديدة تهدف إلى التحول من الزراعة التقليدية المعتمدة على الأسمدة والمبيدات الكيماوية إلى الزراعة العضوية التي تحافظ على البيئة وصحة الإنسان في آن واحد. وفي قلب هذه الثورة تأتي التقاوي العضوية باعتبارها الأساس الذي تُبنى عليه منظومة الإنتاج العضوي بالكامل، إذ لا يمكن إنتاج غذاء عضوي حقيقي إلا من بذور عضوية نقية تمت زراعتها ورعايتها وفق معايير بيئية صارمة.

التقاوي العضوية… المفهوم والأهمية

التقاوي العضوية هي بذور ناتجة من نباتات تمت زراعتها بطرق عضوية دون استخدام أي مدخلات صناعية أو كيماويات زراعية، مع الاعتماد على الأسمدة الطبيعية والمكافحة الحيوية للحشرات والأمراض.
وتتميز هذه التقاوي بقدرتها العالية على التأقلم مع الظروف البيئية المحلية، ومقاومة الإجهادات المختلفة، مما يجعلها أكثر استدامة من التقاوي المنتجة تقليديًا.

تنبع أهمية إنتاج التقاوي العضوية من كونها تمثل الخطوة الأولى لتحقيق الأمن الغذائي النظيف، فهي تقلل من التلوث البيئي، وتحافظ على خصوبة التربة، وتضمن غذاءً صحيًا خاليًا من بقايا المبيدات، كما تعزز من استقلال المزارعين وتقليل اعتمادهم على الشركات الأجنبية المنتجة للبذور المعدلة وراثيًا.

برنامج وطني لتحسين واستنباط الأصناف العضوية

تتجه المؤسسات البحثية والجامعات والمراكز الوطنية في مصر والعالم العربي إلى تنفيذ برامج لتحسين واستنباط الأصناف الزراعية بطرق عضوية، بهدف إنتاج سلالات جديدة من المحاصيل تتناسب مع نظم الزراعة المستدامة وتحقق إنتاجية مرتفعة وجودة عالية.

يرتكز البرنامج على مجموعة من المراحل المتكاملة تشمل:

ـ اختيار الأصناف المحلية الأصيلة ذات القدرة العالية على مقاومة الأمراض والتأقلم مع الظروف المناخية المصرية.

ـ تحسين الصفات الوراثية باستخدام طرق التربية التقليدية والانتخاب الطبيعي، دون اللجوء إلى الهندسة الوراثية أو الكيماويات.

ـ إنتاج الأجيال الأولى من التقاوي العضوية في مزارع تجريبية تخضع للرقابة الحيوية الكاملة.

ـ إجراء التقييم الحقلي للأصناف الجديدة في مناطق مختلفة من الجمهورية لضمان ثبات صفاتها وجودتها.

ـ اعتماد الأصناف وإكثارها داخل وحدات إنتاج التقاوي العضوية بالتعاون مع الجمعيات الزراعية والمزارع المتخصصة.

ـ ويهدف هذا البرنامج إلى توفير تقاوي عضوية معتمدة لمحاصيل استراتيجية مثل القمح، والأرز، والفول، والطماطم، والذرة، والبرسيم، ومحاصيل الخضر والفاكهة والنباتات الطبية والعطرية بما يلبي احتياجات المزارعين من مصادر بذور موثوقة وصديقة للبيئة.

طرق الزراعة العضوية في إنتاج التقاوي

يتطلب إنتاج التقاوي العضوية اتباع ممارسات زراعية محددة تضمن الحفاظ على النقاء الوراثي وخلو النباتات من الملوثات الكيميائية، وتشمل هذه الطرق:

ـ إعداد التربة باستخدام أسمدة عضوية متحللة وكمبوست طبيعي غني بالعناصر الغذائية.
الدورة الزراعية المتنوعة لتقليل فرص الإصابة بالأمراض والآفات.
المكافحة الحيوية باستخدام المفترسات الطبيعية للحشرات والفطريات النافعة بدلاً من المبيدات الكيميائية.
الريّ المنتظم بمياه نظيفة خالية من الملوثات الصناعية.
العزل الزراعي بين الحقول العضوية والتقليدية للحفاظ على نقاء التقاوي.
التجفيف والتخزين بطرق طبيعية دون استخدام مواد حافظة أو معالجة كيماوية.

هذه الممارسات تضمن إنتاج بذور ذات نقاء وراثي عالٍ وصلاحية زراعية ممتازة، مما يعزز ثقة المزارعين والمستهلكين على حد سواء.

الفوائد الاقتصادية والبيئية

يسهم التوسع في إنتاج التقاوي العضوية في خفض تكاليف الإنتاج الزراعي على المدى الطويل نتيجة تقليل استخدام المدخلات الصناعية، كما يفتح الباب أمام فرص تصديرية كبيرة إلى الأسواق العالمية التي تتزايد فيها الطلبات على المنتجات العضوية.
ومن الناحية البيئية، تساهم هذه التقاوي في تحسين خصوبة التربة، والحد من تلوث المياه الجوفية، والحفاظ على التنوع الحيوي للنباتات المحلية، وهو ما ينعكس إيجابًا على استدامة النظم الزراعية.

تحديات أمام التوسع في الإنتاج العضوي

رغم المردود الإيجابي الكبير، ما زال إنتاج التقاوي العضوية يواجه عددًا من التحديات، منها نقص الوعي لدى بعض المزارعين، وارتفاع تكلفة الاعتماد العضوي الدولي، وضعف البنية التحتية الخاصة بالإنتاج والتخزين.
ولمواجهة هذه التحديات، يُوصى بتكثيف برامج التوعية والإرشاد الزراعي، وتقديم حوافز مالية وفنية للمزارعين الذين يتجهون للزراعة العضوية، إلى جانب تشجيع الاستثمارات الزراعية الخضراء في مجال إنتاج التقاوي.

الموجز المختصر – نحو زراعة نظيفة وأمن غذائي مستدام

إن إنتاج التقاوي العضوية ليس مجرد خيار بيئي، بل هو ضرورة وطنية واستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي المستدام في ظل التغيرات المناخية المتسارعة وارتفاع الطلب العالمي على الغذاء الصحي.
فحين تبدأ الزراعة من بذرة نظيفة، تكون النتيجة محصولًا صحيًا وتربة حية وبيئة متوازنة.
التقاوي العضوية هي البداية الحقيقية لثورة خضراء تضع الإنسان والبيئة على طريق التنمية الآمنة والمستقبل المستدام.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى