التغيرات المناخية الكبرى وتوابعها على الزراعة المصرية
كتب: د.محمد فهيم نتابع حالياً ما يحدث من هطول أمطار على أجزاء متفرقة من مصر وخصوصاً مناطق من جنوب مصر وسلاسل البحر الاحمر خلال نهاية الاسبوع الماضي وبداية هذا الاسبوع … وهذه الأمطار ملازمة للسحب المتكاثرة على مناطق شاسعة من البلاد … فى ظواهر مناخية غريبة وجديدة على مناخ مصر..!!
والسؤال هنا، هل كل هذه السحب والغيوم هي مجرد “سحابة صيف” عابرة؟
والاجابة هي من خلال دراسة نماذج وسيناريوهات تغير المناخ يتضح ان هناك تغيرات كبري ودرامية لمناخ إقليم البحر المتوسط (الذي يتبعه مناخ مصر) والذي كان على مدار آلاف السنين من أكثر مناخات أقاليم العالم وضوحاً واستقراراً، فهو ((حار جاف صيفاً معتدل دافيء ممطر شتاءً)).
وهذه الخاصية المناخية تعود إلى كتلتين هوائيتين مختلفتي الخصائص المناخية والمصدر في رسم صورته المناخية، فالكتلة المدارية البحرية القارية هي المسئولة عن حرارة الصيف وجفافه، في حين أن الكتلة القطبية البحرية تعود إليها أمطار واعتدال ودفء الشتاء.
وعند انتقال الكتلة المدارية البحرية والقارية إلى العروض دون المدارية مع حركة الشمس الظاهرية إلى مدار السرطان شمالاً في فصل الصيف فان هذه الكتلة تصل إلى منطقة ابرد نسبياً فيحصل للجزء السفلي لهواء هذه الكتلة ركود واستقرار هوائي (Very stable Air) وعدم تصعيد بسبب برودة الأرض، وفي مثل هذه الظروف لا تتشكل السحب فتكون السماء صافية فترتفع الحرارة ولا يسقط المطر صيفاً.
أما في فصل الشتاء فتتحرك الكتلة القطبية البحرية المحملة بالرطوبة وبخار الماء جنوباً إلى المنطقة دون المدارية مع حركة الشمس الظاهرية أثناء انتقالها إلى الدائرة الاستوائية ومدار الجدي جنوباً. هذه الكتلة الهوائية الباردة تصل إلى منطقة ادفأ نسبياَ فيحصل لهوائها السفلي تسخين فيتمدد ويصعد إلى أعلى (تكوَن الضغط المنخفض للبحر المتوسط) ويحصل له ما يسمى بعدم استقرار (Unstable Air) فتتشكل السحب ويسقط المطر الشتوي. وتعمل الرياح العكسية الغربية على نقل هذا المنخفض الجوي باتجاه الشرق إلى حوض البحر المتوسط وبلاد الشام وشمال المملكة العربية السعودية.
لكن ومع حدوث ما يطلق عليه تغير المناخ وحدوث انقلابات مناخية “حادة” فى العوامل المناخية المميزة للمنطقة وفي قلبها “مصر” يبدأ حدوث تغيير أكثر تشتتاً وأقل استقراراً فى العوامل المناخية وسيادة حالة من التقلبات المناخية الحادة مثل شتاء قارس البرودة وربيع قصير بخماسين أكثر شراسة وصيف طويل شديد الحرارة وأمطار غير موسمية تمتد وتتوغل داخل أشهر الصيف ويزيد توغلها مع مرور السنوات.
أما فيما يخص توابع هذه التغيرات المناخية علي الزراعة المصرية فيمكن حصرها فيما يلي:
ارتباك فى مواعيد الزراعة لمعظم الحاصلات الحولية (محاصيل حقلية وخضر وطبية عطرية) ودي بالذات خارج خبرة المزارع تماماً لانها لا تعتمد على سوابق الخبرة بقدر اعتمادها على امكانية حساب وتقدير والتنبؤ بالعوامل المناخية خلال موسم الانتاج … وللاسف معظم الخسائر فى الانتاجية خلال مواسم ( 2018 و2019 و2020) كانت بسبب عدم مناسبة المناخ السائد فى فترة نمو معينة للمحصول أ ومناسبته تماماً لانتشار الامراض والآفات مثل المحاصيل الشتوية (انتشار الصدأ الاصفر على القمح وضعف نمو تأخر تزهير وعقد الخضر وخصوصاً البطاطس والطماطم والقرعيات والفراولة وغيرها).
اما المحاصيل الصيفية فحدث نضج المحاصيل فى توقيتات واحدة وزيادة العرض منها على حساب الطلب مما أدي إلى انخفاض كبير فى اسعارها لا يتناسب تماما مع التكاليف او هامش الربح المتوقع (البطاطس الصيفية والكوسة والخيار ….الخ) واخيرا ما حدث (2019) وما هو متوقع (2020) للفاكهة الصيفية من (المانجو والزيتون).
بعض الأمثلة للظواهر الزراعية المتوقعة
بناءاً على الظروف المستجدة (التقلبات الحرارية الحادة وزيادة الرطوبة الحرة الناتجة عن امطار الصيف بصفة خاصة) فى معظمها اصبحت مناسبة تماماً لقيام دورات مرضية سريعة على النباتات والحيوانات على السواء واشتداد وطأتها ومقاومتها للمواد الفعالة من المبيدات والعلاجات (وهذا ماسيحدث مع امراض البياض الزغبي والدقيقي على معظم المحاصيل وامراض الندوات المبكرة والانثراكنوز وموت الاجنة فى المانجو وعفن السرة فى الموالح وكذلك تجدد ظهور امراض مثل نيوكاسل على الدواجن والحمى القلاعية وحمى الثلاث ايام والجلد العقدي على الحيونات وكذلك امراض التسمم الدموي على الاسماك وغيرها …).
*بعد هطول كميات كبيرة من الامطار فى مواطن توجد الجراد يجب المتابعة الدقيقة والرصد المستمر لمناطق التربية المحلية للجراد فى جنوب شرق مصر (مثلث حلايب وشيلاتين) ولمناطق الموطن الطبيعي للجراد فى شرق السودان واريتريا واثيوبيا ودراسة اتجاهات الرياح.
*بخصوص انتشار الافات الحشرية وظهور آفات جديدة فى مناطق لم تكن موجودة بها .. وتحول قطاع كبير من الافات “الثانوية” الى آفات “رئيسية” سببت مشاكل كبيرة فى الانتاج والجودة (ذبابة الفاكهة وذبابة الخوخ وحشرات المن والتربس وحفارات النخيل وغيرها).
*تفعيل انظمة الانذار المبكر والتنبؤ بحدوث الافات واعداد برامج مكافحة متكاملة “ذكية” ومراجعة شاملة لتقييم تأثير المواد الفعالة من المبيدات والعلاجات وروافع المناعة على هذه الآفات والأمراض والمراقبة الصارمة على سوق تداول المبيدات فى مصر من قبل الجهات المعنية.
*معد التقرير: وكيل المعمل المركزي للمناخ الزراعي بمركز البحوث الزراعية.