رأى

التشجير والبيئة والبصمة الكربونية: درع أخضر في مواجهة الغازات الدفيئة وتغير المناخ

بقلم: أ.د.خالد سالم

أستاذ بقسم البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية جامعة مدينة السادات

بينما يعيش كوكب الأرض على وقع أزمات بيئية متسارعة، أصبح الحديث عن البصمة الكربونية، الغازات الدفيئة، و”الاقتصاد الأخضر” جزءًا أساسيًا من الحوار العالمي حول مستقبل البشرية. وفي قلب هذه المعركة البيئية، يظهر التشجير كأحد أهم الحلول الطبيعية لمحاربة التغيرات المناخية وتقليل الانبعاثات التي تخنق الغلاف الجوي.
لكن، كيف تؤثر الأشجار على المناخ؟ وما العلاقة بين أنشطة الزراعة وتربية الحيوانات وزيادة البصمة الكربونية؟ وما هي الآليات الواقعية التي يمكن تطبيقها لتقليل التلوث وإنقاذ البيئة؟

البصمة الكربونية… بصمة تتركها أقدامنا على كوكب الأرض

البصمة الكربونية (Carbon Footprint) هي المقياس الذي يعبّر عن كمية الغازات الدفيئة، خصوصًا ثاني أكسيد الكربون (CO₂)، التي تنتج عن النشاطات البشرية. وتشمل هذه الأنشطة:

  • استخدام الوقود في السيارات والمصانع.

  • إنتاج وتناول الغذاء.

  • استهلاك الكهرباء.

  • الزراعة وتربية المواشي.

كل هذه العمليات تُطلق كميات كبيرة من الغازات التي تحبس الحرارة داخل الغلاف الجوي، مما يساهم في رفع درجات الحرارة العالمية، ويؤدي إلى كوارث مناخية مثل الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات.

التشجير… السلاح الأخضر ضد الغازات السامة

في مواجهة هذه الانبعاثات، تلعب الأشجار دورًا محوريًا، فكل شجرة تقوم بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو وتُطلق الأكسجين النقي، مما يساعد على تنقية الهواء وتبريد المناخ.
وبحسب دراسات علمية، فإن زراعة شجرة واحدة يمكن أن تمتص ما يقارب 20 كجم من ثاني أكسيد الكربون سنويًا. وإذا تم توسيع المساحات الخضراء عبر برامج وطنية للتشجير، فإن ذلك يساهم في تقليل البصمة الكربونية بشكل ملموس.
مبادرات مثل “زراعة مليون شجرة” أو “حزام أخضر حول المدن” ليست مجرد مشاريع تجميلية، بل هي خطوات استراتيجية لحماية المدن من الحرارة المرتفعة، وتخزين الكربون، وتعزيز التنوع البيولوجي.

الزراعة والثروة الحيوانية… وجه آخر لانبعاثات الكربون

ما لا يدركه كثيرون أن قطاع الزراعة، وخاصة الثروة الحيوانية، هو من أكبر مصادر الغازات الدفيئة، ليس فقط بسبب ثاني أكسيد الكربون، بل أيضًا بسبب غازات أشد ضررًا مثل:

  • الميثان (CH₄): وينبعث من هضم الطعام في معدة الأبقار.

  • أكسيد النيتروز (N₂O): ينتج عن استخدام الأسمدة الصناعية.

فعلى سبيل المثال، قطيع من الأبقار يمكن أن يطلق مئات الكيلوجرامات من الميثان سنويًا، وهو غاز أقوى من ثاني أكسيد الكربون بـ 25 مرة في قدرته على حبس الحرارة.
كما أن بعض المحاصيل مثل الأرز، عند زراعتها بطرق الري الغمر، تُنتج كميات كبيرة من الميثان بسبب تحلل المواد العضوية في المياه الراكدة.

المحاصيل الأقل تلويثاً… الغذاء الصديق للبيئة

في المقابل، هناك محاصيل تساهم في تقليل البصمة الكربونية مثل:

  • العدس والفول والبقوليات: تقلل الحاجة للأسمدة النيتروجينية.

  • الخضروات الورقية: تُزرع بسرعة وتحتاج لموارد أقل.

  • القمح والشعير: تُعتبر أكثر استدامة في ظروف مناخية مختلفة.

كما أن تبني نظام غذائي نباتي أو متوازن يمكن أن يقلل البصمة الكربونية الفردية بنسبة تصل إلى 50%.

آليات عملية لتقليل البصمة الكربونية والحد من التلوث

في مواجهة هذه التحديات، توجد العديد من الآليات التي يمكن تطبيقها على مستوى الفرد والدولة، منها:

  • التوسع في التشجير الحضري والريفي.

  • دعم الزراعة العضوية والمستدامة.

  • تحسين إدارة المخلفات الزراعية والحيوانية وتحويلها إلى سماد عضوي.

  • تشجيع استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بدلًا من الوقود الأحفوري.

  • تقليل الاعتماد على اللحوم الحمراء وزيادة الوعي بالأنظمة الغذائية المستدامة.

  • إنشاء خطوط مواصلات خضراء، واستخدام الدراجات والمشي بدلاً من المركبات الملوثة.

  • تحفيز الصناعات منخفضة الكربون، وتشجيع الابتكار الأخضر في الزراعة والنقل والإسكان.

خاتمة: البصمة الكربونية مسؤوليتنا جميعاً

إن مواجهة التغيرات المناخية وتقليل التلوث البيئي لم تعد مسؤولية العلماء أو الحكومات فقط، بل مسؤولية كل فرد على هذا الكوكب. من زراعة شجرة في الحي، إلى اختيار نوع غذائنا، ووسيلة تنقلنا، كل قرار نأخذه له أثر بيئي مباشر.
بناء عالم أكثر نظافة يبدأ بفهم البصمة الكربونية، والالتزام بتقليلها عبر التشجير، الزراعة المستدامة، والأنماط الحياتية الصديقة للبيئة. الأرض تبتسم لكل من يحميها… فلنكن سببًا في تلك البسمة.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى