التسمم الغذائي.. مُسبباته وطرق الوقاية منه
إعداد: د.محمود إبراهيم السيد
باحث أول بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – مركز البحوث الزراعية
كثيرًا ما نطالع في حياتنا اليومية مصطلح “غذاء صالح للاستخدام الآدمي”، والحقيقة أنه لكي يتحقق في الغذاء هذا المعنى، لا بد من أن تتوفر في هذا الغذاء عدة صفات، منها وصول الغذاء إلى مرحلة النضج المطلوبة، وخلوه من الملوثات سواء كانت كيميائية أو طبيعية، وأن يكون الغذاء خاليًا من أي تغيرات غير مرغوبة سواء كانت تغيرات كيميائية أو طبيعية، والتي تنتج غالبًا بفعل الإنزيمات الطبيعية في الغذاء أو نتيجة للنشاط الميتابوليزمي لبعض الكائنات الحية الدقيقة أو الحشرات، أو نتيجة تعرض الغذاء لبعض المعاملات التصنيعية التي تغير خصائصه مثل المعاملات الحرارية، والتجميد، والتجفيف، والضغط، وغيرها.
وأخيرًا أن يكون الغذاء خاليًا من الميكروبات أو الكيماويات المسببة للتسمم الغذائي. وغالبًا ما يرتبط التسمم الغذائي بمدى ومستوى الوعي الغذائي لدى المستهلك، فكلما زاد وعي المستهلك وإدراكه للطرق العلمية المثلى في انتقاء غذائه وإعداده وتناوله وحفظه، كلما قل خطر تعرضه لـ “الأمراض المنقولة عن طريق الغذاء”، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك اختلافًا ما بين العدوى الغذائية والتسمم الغذائي. فالعدوى الغذائية هي مجموعة الأمراض التي تسببها بعض الكائنات الحية الدقيقة الممرضة والتي يمكنها العيش والتكاثر في الغذاء، وعند وصولها إلى أعداد كافية للتغلب على الجهاز المناعي مسببة له الأمراض، وتختلف الأمراض والأعراض باختلاف نوع الميكروب المسبب لها.
ما التسمم الغذائي وما هي مسبباته؟
يُعرف التسمم الغذائي بأنه الأعراض أو الأمراض التي تصيب الإنسان نتيجة تناوله لأغذية تحتوي على مسببات مرضية وبكميات تكفي لإحداث تأثير سلبي على صحته وسلامته. أو هو عبارة عن أعراض مرضية قد تكون خطيرة في أغلب الأحيان، وتسببها مواد كيميائية سامة متواجدة في الغذاء. وقد بيّنت الكثير من الدراسات العوامل الأساسية لحدوث التسمم الغذائي، والتي تشمل السموم الميكروبية والملوثات الغذائية.
أولًا: السموم الميكروبية، وتُعرف بأنها السموم الناتجة من بعض سلالات البكتيريا الممرضة مثل السم البتيوليني الناتج من بكتيريا الكلوستريديوم، والذي يرتبط ذكره بتناول الفسيخ، وسموم الأفلاتوكسين الناتجة من فطر “أسبرجلس فلافس” والذي ينمو على البقوليات والحبوب وغيرها.
ثانيًا: الملوثات الغذائية، ويحدث التلوث الغذائي بسبب انتقال بعض مكونات مواد التعبئة والتغليف إلى الغذاء، أو نتيجة تلوث الغذاء ببعض متبقيات المبيدات أو المضادات الحيوية. كذلك قد يحدث التلوث نتيجة استخدام بعض المضافات الغذائية المحظور استخدامها طبقًا للمواصفات القياسية سواء المحلية أو العالمية. علاوة على احتمالية وجود بعض السموم الطبيعية التي تتكون في الغذاء، مثل سم السولانين الذي يظهر في درنات البطاطس.
ما الآثار السلبية لتلوث الأغذية على الاقتصاد القومي؟
يسبب التلوث الغذائي خسائر اقتصادية كبيرة، والتي تتناسب طرديًا مع معدلات التلوث البيئي. فقد تؤدي زيادة معدلات التلوث إلى تلف المحاصيل أو المنتجات المصنعة منها، كما تؤدي إلى اتباع إجراءات أثناء سحب وتحليل العينات، وبالتالي حدوث خسائر كبيرة سواء للمنتج أو المستورد.
هذا، ويُعتبر استخدام مياه الصرف في ري المحاصيل الزراعية، والاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية، بالإضافة إلى السموم الطبيعية والمعادن الثقيلة، من أهم مصادر تلوث الأغذية سواء الزراعية أو الحيوانية.
والجدير بالذكر أنه من الصعب التحكم بالملوثات بصورة كاملة، إذ إن تلوث الغذاء تتحكم فيه عدة عوامل مشتركة. فمثلًا، وجود أحد أو بعض نواتج التمثيل الحيوي لأحد المبيدات الحشرية في أحد منتجات اللحوم أو الألبان قد يكون راجعًا إلى تغذية الحيوان على أعلاف عُوملت بهذا المبيد، كذلك الأمر بالنسبة لوجود أحد السموم الفطرية مثل الأفلاتوكسين في منتجات الألبان، والذي يكون راجعًا لتغذية الحيوانات المنتجة للحليب على أعلاف ملوثة بالأفلاتوكسين نتيجة النموات الفطرية عليها.
لذلك لا بد من التأكد من نوع العلف ومصدره، وهل تمت معاملة المحاصيل المستخدمة في إنتاجه بأحد المبيدات الحشرية قبل الحصاد مباشرة، وكذلك التأكد من خلو الحبوب المستخدمة في صناعة الأعلاف من السموم الفطرية. وينطبق ذلك على جميع المحاصيل المستخدمة في تصنيع المنتجات الغذائية بصورة مباشرة.
وعلى الجانب الآخر، فإن التلوث بالمضافات الغذائية يمكن التحكم فيه ومنعه بصورة كاملة من خلال اتباع المواصفات القياسية والقوانين المحددة لطرق صناعة وضبط سلامة الغذاء.
العوامل المساعدة لحدوث التسمم الغذائي
تشتمل العوامل المساعدة لحدوث التسمم الغذائي، بخلاف العوامل الأساسية السابق ذكرها، على:
عدم اهتمام القائمين على تجهيز أو صناعة الغذاء بالنظافة الشخصية، عدم اتباع الأساليب والطرق السليمة في إعداد الغذاء، مثل عدم كفاية عمليات التسخين أو التبريد للمنتج، تلوث الغذاء المصنع بغذاء آخر غير مصنع أو بأدوات ملوثة، أو مواد تعبئة غير ملائمة لطبيعة المنتج المعبأ بها، عدم غسل الخضروات والفواكه بصورة جيدة قبل التناول، وأخيرًا وليس آخرًا، انتقال مسببات مرضية من الشخص القائم بالتصنيع إلى الغذاء المصنع.
أهم أعراض التسمم الغذائي
في حالة التسمم الميكروبي، تكون أشهر الأعراض هي القيء والإسهال وارتفاع درجة حرارة الجسم.
أما في حالة التسمم الكيميائي، فإنه بالإضافة إلى الأعراض السابقة، تظهر حكة شديدة في الجسم، وصعوبة في التنفس، مع ضيق في حدقة العين، والعرق الغزير، وسرعة ضربات القلب، وصداع شديد، وتشنجات عصبية، وقد يحدث شلل مؤقت حسب شدة الحالة، وفي بعض الأحيان قد تحدث الوفاة إذا لم يتلقَّ المصاب المصل المناسب.
طرق الوقاية من التسمم الغذائي
كما سبق الذكر، فإنه من الصعوبة التحكم الكامل بمسببات تلوث الغذاء التي تحدث التسمم الغذائي، إلا أنه يجدر الإشارة إلى بعض الممارسات السليمة للتقليل من معدلات حدوث التسمم الغذائي، ومنها:
الاهتمام بالنظافة الشخصية، والتأكد من الخلو من الأمراض المعدية بالنسبة للأشخاص القائمين على إعداد وتجهيز الغذاء، اتباع المعايير السليمة في تجهيز أماكن إنتاج الأغذية، استخدام طرق التصنيع الملائمة للحفاظ على جودة المنتج وضمان سلامته، الالتزام بالضوابط الصحية والعلمية أثناء نقل وتداول وتخزين المنتجات الغذائية.
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.