رأى

التربية الذكية ودورها في إنتاج أصناف نباتية مقاومة للمسببات المرضية

بقلم: د.رمضان أحمد عرفة

باحث بمعهد أمراض النباتات ـ مركز البحوث الزراعية

إن القطاع الزراعي يعتبر العمود الفقرى للعديد من الدول حول العالم حيث تؤدي الزراعة دورا هاما في اقتصادات الدول والمنظمات من حيث العمالة والإنتاج وبالتالي التنمية. ولكى يحدث التقدم المطلوب فلابد ان تستفيد الدول والشركات من التكنولوجيات الجديدة والاستراتيجيات الواعدة في قطاع الزراعة، حيث ان هناك دول ما زالت تعانى من الجوع والفقر الشديد وما زالت تواجه تحديات كبيرة فى كيفية توفير كودار جديدة مؤهلة على اعلى مستوى للتغلب على مشاكل القطاع الزراعي بسبب الافتقار إلى التقنيات الزراعية الحديثة والمفيدة والفعالة.

وتؤثر المسببات المرضية الفطرية او البيضية او البكترية او الفيروسية او النيماتودية تأثيرا سلبيا على اقتصاديات الدول سواء المتقدمة منها او النامية، وتعتبر هذه المسببات تحديات اساسية وعوائق كبيرة امام الإنتاج الزراعي العالمى كما ونوعا.

تقدر الخسائر التى تحدثها المسببات المرضية سنويا بملايين الجنيهات حيث تهدد العديد من المحاصيل الحقلية والبستانية الاستراتيجية منها مثل القمح والارز والذرة والقطن والموز والموالح والبطاطس والطماطم واللوبيا والفاصوليا والقرعيات وغيرها.

تتضح هذه الخسائر فى موت البادرات كما فى امراض الذبول او اصابة اهم جزء فى النبات وهو السنبلة كما فى الارز والقمح، وايضا التاثير سلبيا على جودة المحصول كما فى الموالح والتفاح وكذلك الاعفان التى تظهر فى المخازن بعد الحصاد، بالاضافة الى نوع اخر من الخسائر التى تقع على المستثمر او المزارع وهو تكاليف الانتاج الباهظة التى تتضمن تكاليف المبيدات المستخدمة فى المكافحة والتى تؤدى الى خلل فى النظام البيئى والبيولوجى، وكذلك تكاليف عمليات الرش والمتابعة وغيرها.

وتُعد استراتيجيات مكافحة الأمراض النباتية غاية فى الاهمية حتى نستطيع المحافظة على الأمن الغذائى لسكان الكوكب، وعلى الرغم من ان العشائر النباتية تمتلك مقاومة طببيعية للعديد من المسببات المرضية، الا ان هناك الكثير من الأمثلة عن الاصابات الوبائية والخسائر الفادحة التى تحدثها هذه المسببات المرضية ومنها على سبيل المثال لا الحصر مجاعة أيرلندا الكبري والتى تسببت عن الكائن Phytophthora infestans ولفحة الارز المتسببة عن الفطر Magnaporthe grisea وغيرها من الكائنات الوبائية، بالإضافة إلى الاصابات الموسمية التى تظهر على العديد من المحاصيل فى مختلف الاماكن الجغرافية.

إن الادارة المتكالمة لمكافجة الأمراض النباتية تشتمل على العديد من الاستراتيجيات ومنها اتباع الدورة الزراعية واختيار ميعاد الزراعة المناسب واستخدام بذور من مصدر موثوق منه، بحيث تكون خالية من المسببات المرضية واتباع التوصيات المناسبة لباقى العمليات الزراعية المختلفه والمكافحة الحيوية والمقاومة المستحثة.

واخيرا المكافحة الكيماوية باستخدام المبيدات الموصى بها من قبل وزارة الزراعة واستصلاح الاراضى، وفى هذا المقال سيتم تسليط الضوء على استراتيجية فعالة جدا وغاية فى الأهمية لمقاومة المسببات المرضية المختلفة وهى استراتيجية استخدام الاصناف المقاومة والناتجة من برامج التربية والتى تحتوى على جينات المقاومة Resistance genes (R-genes)، حيث تحتل هذه الاستراتيجية اقبالا كبيرا بين المستثمررين الزراعيين واصحاب الشركات وذلك لانها امنه بيئيا وتقلل من تكاليف الانتاج.

ونظرا للتقدم الهائل فى مجال البيولوجيا الجزيئية وعلم الجينوم Genome sequencing سواء للعديد من الانواع النباتية او المسببات المرضية المختلقة الامر الذى فتح الباب علي مصراعيه امام برامج التربية الجزيئية molecular breeding programs  او التربية الذكية smart breeding، حيث يتم الانتخاب بناءا على  المعلمات الوراثية  Marker-assisted selection (MAS)  الامر الذى يؤدى الى تقصير دورة التربية بشكل ملحوظ وسيتم توفير الوقت والجهد مع وجود عامل الدقة مقارنة بطرق التربية التقليدية وذلك من خلال استراتيجيات الـNext-generation sequencing (NGS) التى تشتمل على بعض التقنيات الحديثة مثل: Restriction site associated DNA sequencing (RAD-Seq), Genotyping by sequencing (GBS), Pathogen enrichment sequencing (PenSeq), and Resistance gene enrichment sequencing (RenSeq)….etc.

وتستخدم بعض هذه الطرق فى عمل genotyping للعشائر النباتية المتحصل عليها من برامج التربية الذكية ومن ثم يتم عمل الربط مع البيانات المظهرية لهذه العشائر وذلك من خلال المعلوماتية الحيوية ودورها الفعال فى تحليل البيانات بالشكل الذى يؤدى فى النهاية الى التعرف على مناطق جينومية Quantitative triat loci من خلال Genome-wide association studies (GWAS)، وذلك على جينوم النبات والمرتبطة بقوة مع الصفات المرغوبة، حيث يتم انتاج اصناف نبايتة واعدة لها القدرة على مقاومة العديد من السلالات المرضية وبالتالى تقليل تطبيق المبيدات والحفاظ على البيئة وصحة الانسان، بالاضافة الى زيادة الانتاجية من وحدة المساحة.

وفى هذا الصدد، لابد من تضافر الجهود بين كل من علماء وباحثى تربية النباتات والبيولوجيا الجزئيئية وخبراء امراض النبات حتى تعم الفائدة ويحقق برنامج التربية النتيجة المرجوه منه. وعلى الرغم من المميزات الكبيرة التى تتحق جراء استخدام اصناف مقاومة للامراض فى العملية الانتاجية الا ان هناك بعض التحديات التى تواجه برنامج التربية ومنها على سبيل المثال:

ـ ظهور سلالات جديدة من المسبب المرضى ذات شراسة مرضية عالية والتى لها القدرة على كسر صفة المقاومة فى الاصناف المنزرعة.

ـ ارتباط بعض جينات المقاومة ببعض الجينات الاخرى المسئولة عن صفات بستانية غير مرغوب فيها والتى تسمى ظاهرة الـLinkage drag.

ـ لابد من توافر خبرة عالية لدى المشتغلين فى هذا المجال بالمعلمات الوراثية والمعلوماتية الحيوية Bioinformatics and molecular markers.

ـ فى بعض الحالات يكون هناك صعوبة فى نقل كل الجينات Gene pyramiding المطلوبة من الاباء الى صنف نباتى واحد.

وعلى الرغم من هذه التحديات فى مجال التربية الذكية الا انه لا غنى عنها بل لابد من التوجه اليها بقوة فى كافة المحاصيل المزورعة خاصة الاستراتيجية منها والمزروعة على نطاق واسع وذلك لمواجهة الزيادة السكانية على مستوى العالم فى الوقت الحالى والفترات المستقبلية، حيث من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم بحلول عام 2050 إلى ما يقرب من 10 مليار نسمة (الامم المتحدة, 2017)، ما يفرض تحديات هائلة على كيفية تدبير الغذاء اللازم لإطعام البشرية، الأمر الذي دفع كثيرًا من العلماء والباحثين إلى البحث في الأساليب غير التقليدية لزيادة الإنتاج الزراعي، باعتباره المصدر الأول للغذاء في العالم وحماية هذا الانتاج من المسببات المرضية التى تحدث به خسائر فادحة.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى