«البيوتكنولوجيا الزراعية» في العالم العربي بين الأمل والتردد
إعداد: أ.د.قاسم زكي
أستاذ الوراثة المتفرغ بكلية الزراعة – جامعة المنيا
في ظل الأزمات المناخية، والتحديات الاقتصادية، وضغوط الأمن الغذائي، تقف البيوتكنولوجيا الزراعية اليوم كفرصة ذهبية للدول العربية للخروج من نفق الاستيراد والعجز الغذائي. ورغم ما تحمله من آمال واعدة، لا تزال هذه التكنولوجيا تُواجَه في منطقتنا بمزيج من التردد، والرفض المجتمعي، والجمود التشريعي.
فأين يقف العالم العربي من هذا المجال الحيوي؟ وما الذي يعوق لحاقنا بثورة الجينات التي أعادت رسم الخريطة الزراعية في كثير من دول العالم؟
ما البيوتكنولوجيا الزراعية؟
البيوتكنولوجيا الزراعية هي توظيف التقنيات الحيوية، مثل الهندسة الوراثية، والتحرير الجيني، وزراعة الأنسجة، والواسمات الجزيئية، لتحسين المحاصيل وزيادة الإنتاج الزراعي، وتحقيق استدامة في الموارد.
ومن أشهر تطبيقاتها:
ـ إنتاج محاصيل معدلة وراثيًا تتحمل الجفاف والحرارة.
ـ تطوير أصناف مقاومة للآفات والأمراض.
ـ تقليل الاعتماد على المبيدات والأسمدة.
ـ تسريع برامج التربية النباتية.
وقد أصبحت هذه الأدوات عنصرًا أساسيًا في سياسات الغذاء بدول مثل أمريكا، الصين، البرازيل، والهند.
أين يقف العالم العربي؟
رغم بعض المبادرات البحثية، فإن المنطقة العربية لا تزال متأخرة نسبيًا في تطبيق البيوتكنولوجيا على نطاق تجاري وواسع. فبينما تعتمد بعض الدول العربية على استيراد البذور والتقنيات، لا تزال دول أخرى تحظر أو تقيد استخدام المنتجات المعدلة وراثيًا.
أبرز النماذج
ـ السودان: الدولة العربية الوحيدة التي تزرع قطنًا معدلًا وراثيًا تجاريًا منذ عام 2012م.
ـ مصر: شهدت تجربة على صنف الذرة المعدلة وراثيًا (عجيب YG) في الفترة من 2008م إلى 2012م، ثم توقفت لأسباب مجتمعية وتشريعية.
ـ الإمارات والمغرب وتونس: تمتلك مراكز بحثية متقدمة، وتستثمر في أدوات مثل تقنية تحرير الجينات (CRISPR).
ـ الجزائر، ولبنان، والأردن: تفرض قيودًا صارمة أو حظرًا على الكائنات المعدلة وراثيًا.
الفرص المتاحة
رغم العقبات، فإن البيوتكنولوجيا تفتح أمام العالم العربي نوافذ استراتيجية يمكن الاستفادة منها:
1ـ تحقيق الأمن الغذائي: مع اعتماد أكثر من نصف الدول العربية على استيراد الحبوب والزيوت، يمكن للمحاصيل المعدلة وراثيًا أن تقلل هذه الفجوة من خلال إنتاج أصناف أكثر إنتاجية وأقل استهلاكًا للمياه.
2ـ مواجهة التغير المناخي: المنطقة العربية من أكثر المناطق تأثرًا بالجفاف والتصحر. وتتيح الهندسة الوراثية تطوير محاصيل تتحمل الظروف القاسية مثل الحرارة، والملوحة، وقلة المياه.
3ـ خفض كلفة الإنتاج: إنتاج أصناف مقاومة للآفات يقلل الحاجة إلى المبيدات، ويخفض التكلفة على المزارع والدولة، ويحسن من جودة البيئة والصحة العامة.
4ـ فرص استثمار وصناعة حيوية: فتح الباب أمام الصناعات البيولوجية والزراعية (البذور، الإنزيمات، التحاليل الجزيئية) يوفر وظائف نوعية، ويخلق اقتصادًا معرفيًا.
القيود والعقبات
1ـ ضعف الإطار التشريعي: معظم الدول العربية لا تملك قوانين صريحة أو مفعّلة تنظم التعامل مع الكائنات المعدلة وراثيًا، مما يخلق حالة من الجمود والقلق لدى المزارعين والمستثمرين.
2ـ المخاوف المجتمعية والدينية: يشعر جزء من المجتمع بالخوف من “المنتجات المعدلة”، ويخلط بين التعديل الوراثي والتلاعب بالخَلق، رغم أن كثيرًا من هذه المخاوف غير مدعومة علميًا.
3ـ الاعتماد على الخارج: لا تمتلك معظم الدول العربية قدرة محلية على إنتاج البذور المعدلة أو أدوات التحرير الجيني، مما يجعلها تابعة تقنيًا لدول أجنبية.
4ـ غياب الرؤية الإقليمية: لا يوجد حتى الآن كيان عربي موحد ينظم تبادل الخبرات أو تطوير مشاريع جماعية، ما يؤدي إلى تكرار الجهود، وتضارب السياسات، وضعف التأثير.
واقع البحوث… طاقات غير مستغلة
الجامعات والمراكز البحثية في الدول العربية مليئة بالكوادر العلمية، وهناك مئات رسائل الماجستير والدكتوراه وآلاف الأبحاث في مجالات البيوتكنولوجيا، لكن أغلب هذه الجهود تبقى محبوسة في الأدراج، دون دعم، أو تشريع، أو ربط فعلي بسوق الزراعة.
ما الذي نحتاجه؟
1ـ قوانين حديثة وآمنة تنظم التكنولوجيا الحيوية دون تقييدها أو تركها للفوضى.
2ـ برامج توعية إعلامية وعلمية تشرح للناس بلغة مبسطة الفرق بين الخرافة والعلم.
3ـ مراكز عربية إقليمية لتطوير البذور المعدلة وراثيًا محليًا، تحت إشراف حكومي وأكاديمي.
4ـ شراكات بين القطاع العام والخاص لتمويل الأبحاث وتحويلها إلى تطبيقات فعلية.
وأخيرا، يمكن القول إن البيوتكنولوجيا الزراعية ليست رفاهية، بل ضرورة حيوية لعالم عربي يواجه الجفاف، وارتفاع السكان، وتقلبات الأسواق. ورغم القيود، فإن الفرص لا تزال متاحة، إذا توافرت الإرادة، والرؤية، والثقة في العلم. فإما أن نأخذ بأسباب المستقبل، أو نظل ننتظر المساعدات الغذائية إلى أن ينفد الوقت.
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.