تقارير

الاقتصاد السياسي للسيادة الغذائية العربية: حالة مصر

الفلاح اليوم في السطور التالية يستعرض الدكتور أشرف سليمان، أستاذ الاجتماع الريفي والتنمية الريفية بمركز البحوث الزراعية وأستاذ الأمن الغذائي والسياسات الزراعية بجامعة كيوتو باليابان سابقا، ملخصا لكتاب “الاقتصاد السياسي للسيادة الغذائية العربية: حالة مصر”.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

مقدمة: يقدم الكتاب تحليلا متعمقا لقضايا الغذاء في الدول العربية، واستخدام أدوات الاقتصاد السياسي لتاريخ الأمن الغذائي في المنطقة، وإلقاء الضوء على العلاقات الچيوسياسية للغذاء في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط على وجه العموم، والتي تستخدمها الدول الغربية كأداة للسياسات الخارجية.

كما يتعرض الكتاب لأزمة الأمن الغذائي وعلاقة ذلك بأزمة الغذاء في الفترة من 2007 وحتى العام 2011، والتي عملت كمحرك لثورات الربيع العربي. وكيفية تعاطي حكومات الدول العربية مع مشكلات الغذاء والأمن الغذائي من خلال مفهوم «السيادة الغذائية» – الذي صكته المؤلفة على المستوى الكلي – وذلك من خلال محاولات زيادة الإنتاج الزراعي المحلي، ومحاولات اقتناء الأراضي في الدول العربية فيما عرف بظاهرة الاستحواذ على الأراضي الزراعية.

حاول الكتاب التعرض لخبرات بعض الدول العربية التي تم تقديمها من خلال دراسات حالة لهذه الدول.

يعد هذا الكتاب لا غنى عنه للمهتمين بالاقتصاد السياسي وقضايا الغذاء في العالم العربي.

فهم السيادة الغذائية

قبل الخوض في التفاصيل، من المهم تعريف مفهوم السيادة الغذائية. فهي تتجاوز مجرد إنتاج الغذاء الكافي، بل تتضمن الحق في تحديد أنظمة الغذاء الخاصة بنا، وحق الشعوب في اختيار ما تنتج وما تأكل وكيف تنتج. إنها تعني أيضا حق الشعوب في تحديد سياساتنا الغذائية الزراعية، دون تدخل الشركات متعددة الجنسيات أو القوى الخارجية الأخرى.

التحديات التي تواجه الأمن الغذائي في مصر

تواجه مصر مجموعة من التحديات التي تؤثر على قدرتها على تحقيق الأمن الغذائي، بما في ذلك:

ـ ندرة المياه: تعتبر مصر من أكثر الدول التي تعاني من ندرة المياه في العالم. تعتمد الزراعة بشكل كبير على نهر النيل، ولكن التغيرات المناخية وتزايد الطلب على المياه يهددان هذا المورد الحيوي.

ـ تدهور التربة: أدت الممارسات الزراعية غير المستدامة، مثل الإفراط في استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية، إلى تدهور خصوبة التربة.

ـ تغير المناخ: يؤثر تغير المناخ على أنماط هطول الأمطار ودرجات الحرارة، مما يؤدي إلى زيادة حدة الجفاف والفيضانات، وتأثير سلبي على المحاصيل الزراعية.

ـ النمو السكاني: يؤدي النمو السكاني المستمر إلى زيادة الطلب على الغذاء، مما يضع ضغطا على الموارد الزراعية المتاحة.

ـ الاعتماد على الواردات: تستورد مصر كميات كبيرة من الغذاء،مما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية والصدمات الخارجية.

ـ ضعف جهاز الإرشاد الزراعي: يتسم الإرشاد الزراعي بالضعف وقلة عدد المرشدين وعدم كفاءتهم، ورغم بعض الجهود التي تقدم فما زالت متواضعة، وتقتصر هذه الأنشطة على بعض اللقاءات لمناقشة بعض المشكلات.

كيف يمكن التعاطي مع واقع الزراعة المصرية؟

يوفر الكتاب إطارا مفيدا لفهم هذه التحديات وتطوير استراتيجيات للتصدي لها. ويمكن طرح بعض الأمثلة على كيفية تطبيق ذلك في الواقع الزراعي المصري:ـ

ـ دعم الزراعة الصغيرة: يجب على الحكومة المصرية أن تركز على دعم صغار المزارعين، الذين يشكلون الغالبية العظمى من المنتجين الزراعيين. يمكن تحقيق ذلك من خلال توفير الدعم الفني والمالي، وتسهيل الوصول إلى الأسواق، وتشجيع التعاونيات الزراعية ودعمها.

ـ تنويع المحاصيل: يجب على مصر أن تشجع تنويع المحاصيل التي تزرع، وذلك للحد من الاعتماد على محصول واحد أو عدد محدود من المحاصيل. يمكن تحقيق ذلك من خلال تقديم حوافز مالية للمزارعين لزراعة محاصيل جديدة، وتوفير البذور المحسنة، وتطوير أسواق جديدة لهذه المحاصيل.

ـ تحسين إدارة المياه: يجب على مصر أن تستثمر في أنظمة الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط، لتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة. تشجيع الاستخدام الرشيد للمياه، عبر توعية وإرشاد المزارعين.

ـ تطوير الأبحاث الزراعية: يجب على مصر أن تستثمر في الأبحاث الزراعية لتطوير أصناف محاصيل جديدة مقاومة للجفاف والأمراض، وتطوير تقنيات زراعية جديدة تتناسب مع الظروف المناخية المتغيرة. وهذا يتطلب دعم وزيادة التمويل لمركز البحوث الزراعية، ومركز بحوث الصحراء وكذا الجامعات لزيادة الأبحاث بهدف تطوير التقنيات الزراعية الجديدة التي تتناسب مع الظروف المحلية على غرار الزراعة الرقمية واستخدامات الذكاء الاصطناعي في الزراعة.

ـ تعزيز الأمن الغذائي على المستوى المحلي: يجب على مصر أن تعمل على تعزيز الأمن الغذائي على مستوى المحافظات والمجتمعات المحلية، من خلال دعم الإنتاج المحلي من الغذاء، وتخزين الغذاء، وتوزيعه العادل.

ـ تنمية القدرات البشرية: ويكون ذلك من خلال:ـ

برامج تدريب متخصصة: وتتم عبر إنشاء مراكز تدريب في المناطق الريفية لتعليم المزارعين تقنيات زراعية حديثة، ودعم القائم منها.

دعم المرأة والشباب: تقديم قروض صغيرة وبرامج تمويلية لدعم المشاريع الزراعية الصغيرة التي تديرها النساء والشباب.

 دور الدولة والمجتمع المدني

لتحقيق الأمن الغذائي والسيادة الغذائية في مصر، يجب على الدولة والمجتمع المدني العمل معا. يجب على الدولة أن تؤدي دورا قياديا في وضع السياسات وتوفير الموارد اللازمة، بينما يجب على المجتمع المدني أن يساهم في تنفيذ هذه السياسات وتوعية المجتمع بأهمية الأمن الغذائي.

التحديات المستقبلية والآفاق

على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر، إلا أن هناك فرصا كبيرة لتحقيق الأمن الغذائي والسيادة الغذائية. من خلال تطبيق السياسات المستنيرة، والاستثمار في الزراعة المستدامة، وتعزيز التعاون بين مختلف الأطراف المعنية، يمكن لمصر أن تضمن توفير الغذاء الكافي والسليم لجميع مواطنيها.

 خاتمة

يمكن تقديم إطارا مفيدا لفهم التحديات المعقدة التي تواجه الأمن الغذائي في مصر. من خلال تطبيق الأفكار غير التقليدية في الزراعية المصرية والريف المصري؛ ويمكننا تطوير استراتيجيات شاملة لتحقيق الأمن الغذائي والسيادة الغذائية. ونتصور أنها يمكن أن تتجسد في أشياء ثلاثة لا تنفصل عن بعضها:

التركيز على الحلول

يواجه الأمن الغذائي في مصر تحديات جمة، إلا أن هناك فرصا واعدة لتحقيق السيادة الغذائية. من خلال تبني سياسات زراعية مستدامة، ودعم صغار المزارعين، والاهتمام بالأبحاث الزراعية، وتنويع المحاصيل، ويمكن لمصر أن تضمن توفير الغذاء الكافي والسليم لأجيال قادمة. يتطلب تحقيق هذا الهدف تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، والعمل الجاد من أجل بناء نظام غذائي أكثر عدالة واستدامة.

الدعوة إلى العمل بجدية

في النهاية، يقع على عاتقنا جميعا مسئولية ضمان الأمن الغذائي في مصر. من الضروري أن نعمل معا لتطوير حلول مبتكرة ومستدامة للتحديات التي تواجه قطاع الزراعة. يجب أن نستثمر في البحث والتطوير، ونعزز التعاون بين المزارعين والحكومة والقطاع الخاص، ونشجع الممارسات الزراعية المستدامة. فالأمن الغذائي ليس مجرد هدف، بل هو حق أساسي لكل فرد.

الرؤية مستقبلية

إن تحقيق السيادة الغذائية في مصر ليس مجرد حلم، بل هو هدف يمكن تحقيقه. من خلال الاستفادة من الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة، وتبني سياسات حكيمة، يمكن لمصر أن تصبح نموذجا يحتذى به في مجال الأمن الغذائي في المنطقة والعالم. فالأمن الغذائي هو أساس التنمية المستدامة والرخاء الاجتماعي.

*كتاب “الاقتصاد السياسي للسيادة الغذائية العربية: حالة مصر”، ترجمة أ.د/أشرف سليمان – أستاذ الاجتماع الريفي والتنمية الريفية بمركز البحوث الزراعية وأستاذ الأمن الغذائي والسياسات الزراعية بجامعة كيوتو باليابان سابقا.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى