رأى

الاقتصاد الأزرق والتنمية المستدامة

د.عاصم عبدالمنعم أحمد

بقلم: د.عاصم عبدالمنعم أحمد محمد

باحث أول بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي ـ مركز البحوث الزراعية

هناك حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها وهى أن المحيطات والبحار (وكذلك الأنهار والمجارى المائية ومصبات الأنهار) فى غاية الأهمية للتنمية المستدامة.

تَخدم المحيطات مجموعة متنوعة من الأغراض وكلها مُهمة للغاية للحفاظ على حياة الإنسان والحفاظ عليه فهي تُوفر الغذاء والمعادن وتُولد الأكسجين وتَمتص غازات الاحتباس الحرارى (GHGs)  وتُخفف من تغير المناخ وتُؤثر على أنماط الطقس ودرجات الحرارة كما أنها تُستخدم فى النقل حيثُ تَعمل كطرق سريعة للنقل البشرى والتجارة المنقولة عن طريق البحر.

يَعيش أكثر من 3 مليارات شخص في المناطق الساحلية أو القريبة منها ومن المُتوقع زيادة هذه الاعداد مع النمو السكاني وزيادة الهجرة وزيادة الطلب على أماكن الإقامة بالقرب من المحيطات والبحار. ويَفرض زيادة اعتماد البشر على المجموعات البحرية ضغوطاً غير مسبوقة على النظم الإيكولوجية البحرية وذلك لتَلبية المُتطلبات المُتزايدة والمُستمرة لسكان العالم المتزايد. ومن ثم فهناك حاجة ملحة إلى تَنظيم مُتوازن مُتناسب بين الطلب على الموارد الطبيعية للمحيطات واستدامتها.

المخاطر البيئية التى تواجه البحار والمحيطات

تُشير كافة التَقارير البيئية والايكولوجية الى أن المُحيطات تُواجه مخاطر بيئية كبيرة من شأنها أن تُؤثر سَلباً على الآفاق الاجتماعية والاقتصادية لجميع البُلدان ولا سيما الجزر الصغيرة والدول السَاحلية النامية التي تَعتمد اعتماداً كبيراً على المحيطات.

وتَتَضمن هذه المخاطر:

  • ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب تَغير المناخ.
  • زيادة حمضية المحيطات الناتج عن زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
  • الإستغلال المُفرط وسوء إدارة الموارد البحرية بما فى ذلك مصايد الأسماك وإلقاء مياه الصَرف الصحى والصناعى والمُلوثات الأخرى فى المجاري المائية العذبة (وتُشير بيانات برنامج الامم المُتحدة للبيئة الى أنه لمُعالجة مُشكلة مياه الصرف الصحى فإننا بحاجة إلى نَحو 56 مليار دولار سنوياً إذا ما أردنا أن نُورث أطفالنا محيطات وبحار مُنتجة وخالية من التلوث).
  • زيادة استغلال الموارد المعدنية واستخراجها من باطن البحار والمحيطات.

مفهوم الاقتصاد الأزرق (اقتصاد المحيطات)

اقتصاد المحيطات هو مفهوم جَديد نسبياً نَشأ عن مفهوم الاقتصاد الأخضر، وتَم اعتماده فى الولايات المتحدة الأمريكية فى مُؤتمر الأمم المتحدة للتَنمية المستدامة والذى عُقِد فى مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل عام 2012. ويَشتركا الاقتصاد الأزرق والأخضر فى نفس الأهداف والتى تَتَمثل فى: تحسين رفاهية الإنسان والعدالة الاجتماعية مع الحد بشكلٍ كبير من المخاطر البيئية والندرة البيئية.

يَتَضَمن مفهوم الاقتصاد الأزرق والذى يُشار إليه أيضاً باسم (اقتصاد المحيطات) تَعزيز النمو الاقتصادى والاستدامة البيئية والإدماج الاجتماعى وتَعزيز النظم الإيكولوجية للمحيطات في وقت واحد.

كما ويَشتمل مفهوم اقتصاد المحيطات أيضاً على الأنشطة الاقتصادية والتجارية التى تَدمِج حفظ التنوع البيولوجي واستخدامه المُستدام وإدارته بما في ذلك النظم الإيكولوجية البحرية والموارد الوراثية. بالإضافة إلى ذلك فيَشمل مفهوم اقتصاد المحيطات أيضاً الأنشطة قليلة الاستخدام للموارد الطبيعية والتى تَدعم أنماط الاستهلاك المستدامة والتى لا يَتولد عنها آية من غازات الاحتباس الحرارى او يَتولد عنها انبعاثات قليلة من غازات الاحتباس الحرارى. كما يَسعى إلى المساهمة في جهود التَخفيف والتكيف لمعالجة مخاطر تَغير المناخ التي تَتَجلى في ارتفاع مستوى سطح البحر وارتفاع حمضية مياه البحر.

بالإضافة إلى ذلك يَدعم منهج الاقتصاد الأزرق سبل العيش المستدام والأمن الغذائى لسكان الجزر الصغيرة والمناطق الساحلية.

على الصعيد العالمى يَرتبط ما يَقرب من 350 مليون وظيفة بـالمحيطات من خلال الاستزراع السمكى والصيد والسياحة البحرية والأنشطة البحثية المختلفة.

وهناك الكثير من الإتفاقيات والقوانين والمعاهدات الدولية والتى تَنظم إطار التعامل داخل المحيطات والبحار وكل ما يَتعلق بها.

قطاعات الاقتصاد الأزرق

يَتَكون الاقتصاد الأزرق من قطاعات تَرتبط عوائدها بالموارد الحية “المتجددة” للمحيطات (مثل مصايد الأسماك) وكذلك المُتعلقة بالموارد غير الحية وبالتالى “غير المتجددة” بما في ذلك الصناعات الاستخراجية مثل التَعدين والتَنقيب عن النفط والغاز فى قاع البحار والمحيطات بطريقة لا تُسبب أضراراً للنظام الإيكولوجي البحرى.

ومنها ما يَتَعلق بالسياحة الساحلية والبحرية، كما يَشمل أيضاً الأنشطة المُتعلقة بالتجارة داخل المحيطات وحولها ورصد المحيطات ومراقبتها وإدارة المناطق الساحلية والبحرية وعمليات الحماية والترميم.

وفى الأخير يُمكن القول بإن “مفهوم الاقتصاد الأزرق” قد أصَبح بمثابة فكرة أساسية وجزء لا يَتجزأ من مفهوم التنمية المستدامة على الصعيد العالمى. أما على الصعيد المَحلى فلا يَزال حديث الاستخدام (وليد) فى بلادنا وما زال فى حاجة الى المزيد من التَوضيح والشرح والقاء الضوء على ما يَتَحقق من منافع بيئية واجتماعية واقتصادية جَراء الاقتصاد الأزرق وكيفية الإدارة المُستدامة للبحار والموارد البحرية وحماية سكان المناطق الساحلية والحفاظ على خدمات النظم الإيكولوجية البحرية فى مصرنا الحبيبة وذلك من خلال تَشجيع تَبادل تلك المعارف فيما بين الوزارات المعنية والمراكز البحثية المختلفة وفتح قنوات الاتصال مع المنظمات الدولية الحكومية منها وغير الحكومية المعنية بحماية البيئة البحرية ومنها على سبيل المثال منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة البحرية الدولية الخ.

وما زال الاقتصاد الأزرق خارج أروقة المؤسسة الرسمية إذ لم تُؤسس بعد هياكله بل لم يُدرج بعد على مستوى الوزارات المختلفة داخل مصر حتى الآن. ولذا يَتَعين على حكومة جمهورية مصر العربية تَبني مفهوم الاقتصاد الأزرق حَيثُ يُشكل فرصة حقيقية لحماية التَنوع البيولوجي والمُحافظة على البيئة المصرية وعلى الأمن الغذائى وتَنوع مصادر الدخل.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى