تقارير

الإرهاب المناخي يهدد البنية الأساسية للزراعة المصرية

كتب: أسامة بدير مما لاشك فيه أن التقلبات المناخية التى تتعرض لها مصر خلال هذه الفترة والمتوقع زيادة حدتها فى الأيام والشهور القادمة يمكن أن نطلق عليها مجازا مرادف استخدام كثيرا فى مجال العلوم الاجتماعية ذات البعد الأمنى، وهو الإرهاب، فخطورة التقلبات الحادة أو الشاذة فى المناخ باتت بمثابة قوة غاشمة وإرهاب مناخى غادر ربما يؤدى إلى قتل البنية الأساسية للزراعة المصرية حال عدم تتضافر كل الجهود الرسمية وغير الرسمية للتعامل مع هذه القوة الغاشمة، وهذا ما سنحاول عرضه فى التقرير التالى..

و”الفلاح اليوم“، ينقل عن الدكتور محمد على فهيم، وكيل المعمل المركزى للمناخ الزراعى التابع لـمركز البحوث الزراعية تفاصيل ارتباك الزراعة المصرية بسبب التقلبات المناخية الحادة، ومقترحات الحل لمواجهة كارثة تدمير الزراعة حال عدم اتباع حزمة من الإجراءات السريعة للوقاية والحماية من خطر الإرهاب المناخى.

فكتب “فهيم” قائلا: مع توقع هطول أمطار على أجزاء متفرقة من مصر وخصوصاً مناطق من جنوب مصر والوادي الجديد وسلاسل البحر الأحمر بداية من اول يونيو وطوال الاسبوع الأول من يونيو وهذه الأمطار ملازمة للسحب المتكاثرة على مناطق شاسعة من البلاد فى ظاهرة مناخية غريبة وجديدة على مناخ مصر ..!!

ماذا يعني ذلك؟

يعني ذلك ان مناخ إقليم البحر المتوسط (الذي يتبعه مناخ مصر) والذي كان على مدار آلاف السنين من أكثر مناخات أقاليم العالم وضوحاً واستقراراً، فهو (حار جاف صيفاً معتدل دافيء ممطر شتاءً). وهذه الخاصية المناخية تعود إلى كتلتين هوائيتين مختلفتي الخصائص المناخية والمصدر في رسم صورته المناخية. فالكتلة المدارية البحرية القارية هي المسئولة عن حرارة الصيف وجفافه، في حين أن الكتلة القطبية البحرية تعود إليها أمطار واعتدال ودفء الشتاء.

فعند انتقال الكتلة المدارية البحرية والقارية إلى العروض دون المدارية مع حركة الشمس الظاهرية إلى مدار السرطان شمالاً في فصل الصيف فان هذه الكتلة تصل إلى منطقة ابرد نسبياً فيحصل للجزء السفلي لهواء هذه الكتلة ركود واستقرار هوائي (Very stable Air) وعدم تصعيد بسبب برودة الأرض.

وفي مثل هذه الظروف لا تتشكل السحب فتكون السماء صافية فترتفع الحرارة ولا يسقط المطر صيفاً، أما في فصل الشتاء فتتحرك الكتلة القطبية البحرية المحملة بالرطوبة وبخار الماء جنوباً إلى المنطقة دون المدارية مع حركة الشمس الظاهرية أثناء انتقالها إلى الدائرة الاستوائية ومدار الجدي جنوباً.

هذه الكتلة الهوائية الباردة تصل إلى منطقة ادفأ نسبياَ فيحصل لهوائها السفلي تسخين فيتمدد ويصعد إلى أعلى (تكوَن الضغط المنخفض للبحر المتوسط) ويحصل له ما يسمى بعدم استقرار (Unstable Air) فتتشكل السحب ويسقط المطر الشتوي. وتعمل الرياح العكسية الغربية على نقل هذا المنخفض الجوي باتجاه الشرق إلى حوض البحر المتوسط وبلاد الشام وشمال المملكة العربية السعودية.

ومع حدوث ما يطلق عليه تغير المناخ وحدوث انقلابات مناخية “حادة” فى العوامل المناخية المميزة للمنطقة وفي قلبها “مصر” يبدأ حدوث تغير أكثر تشتتاً وأقل استقراراً فى العوامل المناخية وسيادة حالة من التقلبات المناخية الحادة مثل شتاء قارس البرودة وربيع قصير بخماسين أكثر شراسة وصيف طويل شديد الحرارة وأمطار غير موسمية تمتد وتتوغل داخل أشهر الصيف ويزيد توغلها مع مرور السنوات.

وما علاقته بالزراعة؟

ارتباك فى مواعيد الزراعة لمعظم الحاصلات الحولية (محاصيل حقلية وخضر وطبية عطرية) ودي بالذات خارج خبرة المزارع تماماً لانها لا تعتمد على سوابق الخبرة بقدر اعتمادها على امكانية حساب وتقدير والتنبؤ بالعوامل المناخية خلال موسم الانتاج.

وللأسف معظم الخسائر فى الانتاجية خلال هذا العام (2019) كانت بسبب عدم مناسبة المناخ السائد فى فترة نمو معينة للمحصول، ومناسبته تماماً لانتشار الامراض والآفات مثل المحاصيل الشتوية (انتشار الصدأ الاصفر على القمح وضعف نمو تأخر تزهير وعقد الخضر وخصوصاً البطاطس والطماطم والقرعيات والفراولة وغيرها).

اما المحاصيل الصيفية فحدث نضج المحاصيل فى توقيتات واحدة وزيادة العرض منها على حساب الطلب ما أدي إلى انخفاض كبير فى اسعارها لا يتناسب تماما مع التكاليف او هامش الربح المتوقع (البطاطس الصيفية والكوسة والخيار والطماطم ….الخ) واخيرا ما حدث للفاكهة الصيفية من دمار واسع (المانجو والزيتون).

الحل: اضطلاع المراكز والهيئات العلمية والبحثية بمهامها “الأصلية” في حسابات الاحتياجات المناخية اللازمة للنمو الامثل للمحصول وعمل خريطة مناخية متراكبة مع خريطة التركيب المحصولي بشقيه الموسمي والجغرافي. والخريطة دي هتبين ايه المناطق المناسبة لكل محصول ولكل صنف وتوقيتات ميعاد الزراعة والعمليات الزراعية ومواعيد الحصاد.

ـ الظروف المستجدة دي (التقلبات الحرارية الحادة وزيادة الرطوبة الحرة الناتجة عن امطار الصيف بصفة خاصة) فى معظمها اصبحت مناسبة تماماً لقيام دورات مرضية سريعة على النباتات والحيوانات على السواء واشتداد وطأتها ومقاومتها للمواد الفعالة من المبيدات والعلاجات (وده اللى هيحصل مع امراض البياض الزغبي والدقيقي على معظم المحاصيل وامراض الندوات المبكرة والانثراكنوز وموت الاجنة فى المانجو وعفن السرة فى الموالح وكذلك امراض نيوكاسل على الدواجن والحمى القلاعية وحمى الثلاث ايام والجلد العقدي على الحيونات وكذلك امراض التسمم الدموي على الاسماك).

– اما بخصوص انتشار الافات الحشرية وظهور آفات جديدة فى مناطق لم تكن موجودة بها .. وتحول قطاع كبير من الافات “الثانوية” الى آفات “رئيسية” سببت مشاكل كبيرة فى الانتاج والجودة (ذبابة الفاكهة وذبابة الخوخ وحشرات المن والتربس وحفارات النخيل وغيرها).

الحل: تفعيل انظمة الانذار المبكر والتنبؤ بحدوث الافات واعداد برامج مكافحة متكاملة “ذكية” ومراجعة شاملة لتقييم تأثير المواد الفعالة من المبيدات والعلاجات وروافع المناعة على هذه الآفات والامراض والمراقبة الصارمة على سوق تداول المبيدات فى مصر من قبل الجهات المعنية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى